كان الهولندي يوهان كرويف أحد أفضل اللاعبين في العالم، خلال سبعينيات القرن الماضي، لكن دون أن تشفع له قدراته الفنية الخارقة في التتويج باللقب العالمي، بحيث وبعدما قاد منتخب بلاده لنهائي مونديال ألمانيا (1974)، رفض المشاركة في النسخة التالية التي جرت في عام 1978، بالأرجنتين، لأسباب ظلت مجهولة وأثير حولها الكثير من التأويلات طيلة 30 سنة كاملة، قبل أن يكشف بنفسه عن الحقيقة في عام 2008، والتي كانت عبارة عن قصة مثيرة وحزينة في نفس الوقت، دفعت الكثير ممن قرأها إلى زيادة درجة التقدير والاحترام لهذه الشخصية الرياضية المميزة.
نال 3 كرات ذهبية وتُوج بدوري الأبطال 3 مرات
يوهان كرويف المولود في عام 1947 بمدينة أمستردام الهولندية والمتوفى في سنة 2016 ببرشلونة الإسبانية، يعتبر أول لاعب يفوز ثلاث مرات بجائزة "الكرة الذهبية" لمجلة فرانس فوتبول"، ( 1971 و1972 و1974) والتي كانت تُقدم في تلك الفترة للاعبين الأوروبيين فقط.
كما تُوّج "الهولندي الساحر" بلقب كأس أوروبا للأندية البطلة لكرة القدم (التسمية السابقة لدوري أبطال أوروبا) رفقة نادي أياكس أمستردام في ثلاث سنوات متتالية (1971 و1972 و1973)، قبل أن ينتقل في صيف 1973 إلى نادي برشلونة الإسباني، في صفقة قياسية في ذلك الوقت، قدرت بـ6 ملايين فلورين هولندي، حوالي (مليوني دولار).
وقد نشط يوهان كرويف ضمن نادي برشلونة حتى صيف 1978، وهي الفترة التي توج خلالها بلقب الدوري الإسباني في موسم (1973- 1974)، وكأس إسبانيا في موسم (1977- 1978)، إضافة للقب أفضل لاعب أجنبي في الدوري الإسباني لموسمي (1976- 1977) و(1977- 1978).
أفضل لاعب في مونديال 1974
وفضلاً عن تتويجه بالكرة الذهبية الأوروبية، لما كان نجماً ساطعاً، في برشلونة، في سنة 1974، فإنه نال أيضاً جائزة أفضل لاعب في نهائيات كأس العالم لنفس العام التي جرت بدولة ألمانيا الغربية.
وقد أجمع معظم النقاد الرياضيين لذلك الوقت على أن منتخب هولندا قد أضاع التتويج بلقب مونديال 1974 الذي كان في متناوله، بعد الأداء الرائع والعرض الجميل الذي قدمه طيلة النهائيات، من خلال الكرة الشاملة التي انتهجها المدير الفني رينوس ميتشيلز، وبرع في تطبيقها لاعبو أياكس أمستردام على غرار المهاجم جوني ريب والمدافع رود كرول ومتوسط الميدان يوهان نيسكينس، مدعمين بنجوم من أندية أخرى كمتوسط الميدان الهجومي وقائد الفريق كرويف (برشلونة)، والجناح الأيسر روب رينسينبرينك (أندرلخت البلجيكي).
فبعدما تصدرت هولندا مجموعتها في الدور الأول، بفضل فوزين على الأوروغواي (2-0) وبلغاريا (4-1) وتعادل مع السويد (0-0)، واصلت تألقها في الدور الثاني، فحققت ثلاثة انتصارات متتالية، أمام كل من الأرجنتين، بأربعة أهداف نظيفة، سجل منها كرويف هدفين اثنين، وألمانيا الشرقية بهدفين لصفر، والبرازيل بنفس النتيجة، سجل خلالها القائد يوهان هدفاً واحداً.
وتأهل بعدها منتخب هولندا للقاء النهائي، حيث واجه منتخب ألمانيا الغربية، منظم الدورة، الذي وعلى الرغم من استفادته من عاملي الأرض والجمهور إلا أنه عانى الأمرَّين أمام كرويف وزملائه، إذ كان الفريق البرتقالي مُتقدماً في النتيجة منذ الدقيقة الثانية من المباراة، بهدف يوهان نيسكينس من ركلة جزاء، بعد عرقلة كرويف بمنطقة العمليات، وذلك قبل أن يقلب المنتخب المحلي الموازين لصالحه بفضل بول بريتنر ) وجيرد مولر.
وبعد ذلك الإخفاق المُرّ في نيل اللقب العالمي، عزم المنتخب الهولندي على تدارك أموره في النسخة التالية من المونديال، التي جرت دورتها النهائية في سنة 1978 بالأرجنتين، ولكنه فشل مرة أخرى، حيث انهزم في اللقاء النهائي أمام منتخب البلد المنظم (3-1).
سلامة العائلة أولى من المونديال
وجرى مونديال 1978 في غياب يوهان كرويف الذي وبعدما قاد المنتخب الهولندي للتأهل إلى النهائيات عبر التصفيات الأوروبية، فاجأ جماهير الرياضة العالمية بالغياب عن سفرية الأرجنتين لأسباب ظلت مبهمة طيلة 30 سنة كاملة.
وقد تداولت الصحافة، في ذلك الوقت، عدة تأويلات عن سبب غياب أسطورة الكرة الهولندية عن منتخب بلده، أبرزها خلاف مع اتحاد الكرة المحلي حول قيمة المنح والحوافز المالية المخصصة للاعبين المشاركين في نهائيات المونديال.
كما تم تداول فرضية أخرى وهي أن يوهان كرويف رفض المشاركة للتنديد بالحكم الديكتاتوري للجنرال جورج فيديلا الذي ترأس الأرجنتين من 1976 إلى 1981 وتوفي بالسجن في سنة 2013.
وقد نفى كرويف هذه الفرضية بعد عدة سنوات، موضحاً في أحد تصريحاته أن الغياب لم يكن لأسباب سياسية، وأنه لو كان الأمر كذلك لما لعب لفترة طويلة بإسبانيا في عهد الديكتاتور العسكري فرانكو.
وانتظر أو بالأصح "صبر" يوهان كرويف إلى سنة 2008 ليكشف السبب الحقيقي لغيابه عن نهائيات مونديال الأرجنتين، وكان ذلك عبر أثير "محطة كتالونيا".
وقال كرويف حينها إن سبب الغياب شخصي ويتمثل في تعرُّضه رفقة عائلته لعملية سطو مسلح بمنزله بمدينة برشلونة الإسبانية، وذلك قبل أشهر قليلة فقط عن بداية مونديال 1978.
وصرح يوهان موضحاً: "جاء أحدهم، صوَّب مسدساً إلى رأسي، تم تقييدي، وتقييد زوجتي أيضاً، الأطفال كانوا موجودين معنا في شقتنا ببرشلونة".
وأضاف، سارداً تبعات الواقعة: "بعد ذلك الاعتداء، أصبح أبنائي يذهبون إلى المدرسة تحت حراسة الشرطة، كما تم حراسة منزلي لعدة أشهر".
وأوضح كرويف أنه اتخذ بعد حادثة الاعتداء المسلح قراراً بعدم الابتعاد عن عائلته وعدم الغياب عنها لأسابيع عديدة في حال السفر إلى الأرجنتين والمشاركة في المونديال، مختتماً تصريحه بقوله: "في بعض الأحيان توجد مبادئ في الحياة تمنح لها أولوية أكثر من الأخرى".
جرت تلك الحادثة المثيرة في أواخر سنة 1977، وبعد عدة أشهر من التفكير، قرر يوهان كرويف الاعتزال الدولي مع المنتخب الهولندي الذي حمل قميصه في 48 مباراة رسمية، سجل خلالها 33 هدفاً، وكان هدفه الأول في مرمى منتخب المجر يوم 6 سبتمبر/أيلول 1966، في مباراته الدولية الأولى.
عندما احترف يوهان كرويف هرباً من الضرائب
وعن مشواره مع الأندية، وبعدما اعتزل اللعب في صيف 1978 عند نهاية عقده مع نادي برشلونة، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1979 للهروب من مطاردة مصالح الضرائب الإسبانية، فاستغل الفرصة لزيادة مدخوله المالي من خلال العودة لممارسة رياضة كرة القدم، فلعب موسماً واحداً مع نادي "لوس أنجلوس أزتكس" ( 1979- 1980)، وموسماً آخر مع فريق "واشنطن دبلوماتس" (1980- 1981).
وعاد كرويف، في ربيع 1981، إلى إسبانيا ليلعب لمدة 3 أشهر فقط مع نادي ليفانتي في دوري الدرجة الثانية، ثم انتقل إلى ناديه الأول أياكس أمستردام الذي نشط ضمنه لمدة موسمين، قبل أن يعتزل ضمن نادي فينورد روتردام الهولندي في موسم 1983-1984.
وتحول يوهان كرويف بعد اعتزال اللعب لمهنة التدريب، فأشرف على أياكس أمستردام من 1985 إلى 1988، ثم على برشلونة من 1988 إلى 1996، قبل أن يتفرغ لمجال التحليل الرياضي والأعمال الخيرية حتى وفاته يوم 24 مارس/آذار 2016.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.