لهذه الأسباب هم غاضبون من قطر.. لماذا تقود شخصيات أوروبية حملة ضد المونديال العربي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/10 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/07 الساعة 11:36 بتوقيت غرينتش
قرعة كأس العالم 2022، الدوحة، قطر/ FIFA

للكاتب والناقد الفرنسي جاك دريدا مقولة تفيد بأن كل ما يحدث خارج المستطيل الأخضر له انعكاس تلقائي على ما يقع داخله. في عمق مقولة دريدا مقصد ووجهة نظر ترى كرة القدم وسيلة تستخدمها أوروبا لطرح قضايا ونبذ أخرى، بما يخدم مصالح ويتوافق مع أهوائها.

تاريخياً، لعبت السياسة والاقتصاد والحروب أدواراً في تشكيل كرة القدم التي نتابعها اليوم. طموحات بعض الساسة هي ما جعلت للدوري الصيني نجوماً انتقلوا إليه من دوريات عريقة، ولما أصبح العلم الأوكراني حاضراً على شاشات إذاعة الدوري الإسباني حتى اليوم.

ولولا المكاسب المالية الضخمة التي تجنيها الشركات المعلنة وشبكات البث التلفزيوني لما أصبحت كرة القدم اللعبة الأكثر صخباً في العالم. وكذا الحروب، فلولاها ما دخلت مصطلحات كـ"المدفعية" و"الهجوم" و"الهجمات المرتدة" قاموس كرة القدم.

ببساطة، تزايد شعبية كرة القدم حولها إلى لعبة سياسية واقتصادية في آن واحد.

فاللعبة التي يشاهد إحدى مبارياتها أكثر من مليار و800 مليون إنسان حول العالم في نفس الوقت، لا يمكن أن يتركها أهل السياسة والاقتصاد وشأنها.

لماذا نعاقب إيدريسا غاي؟

لنفس الأسباب التي هوجم بسببها إدريسا غانا غاي، لاعب باريس سان جيرمان ومنتخب السنغال، يخشى أغلب نجوم كرة القدم وغيرهم أن يعبروا عن آرائهم، ولو عن طريق الرفض ليس إلا.

حينما تكون نجماً، لديك عقود رعاية، وتتمتع بشعبية في مختلف أنحاء العالم، ستقع بين اختيارين لا ثالث لهما: إما أن تتحول إلى شركة متنقلة تهتم بالبيزنس فقط بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى، أو أن تُضحي.

في العام الماضي رفض إدريسا اللعب مرتدياً شارة تدعم المثلية الجنسية، لكن هذا العام، إن تكرر الأمر، فلن يمر مرور الكرام على الفرنسيين، سيفتشون في النوايا، وقد يجعلونه عبرة لكل لاعب تسوّل نفسه التمرد على القواعد المفروضة .

إدريسا غانا غاي رفض المشاركة في مباراة بسبب موقفه من المثليين (رويترز)
إدريسا غانا غاي رفض المشاركة في مباراة بسبب موقفه من المثليين (رويترز)


خضع إيدريسا للتحقيق العام الماضي، وبالتأكيد أنه خسر وسيخسر مادياً، لكنه بين عشية وضحاها تحول إلى حالة، النساء والرجال يتحدثون عنه ويدعمونه، من يتابعون كرة القدم ومن لا يتابعونها.

وهذا ما يريده الناس من المشاهير، أن يكونوا واجهة للتعبير عنهم، أكثر من كونهم شركات متنقلة تهتم بأمورها بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى.

فرنسا وألمانيا اللتان لا تعرفهما

في عام 2020، خرج عادل رامي، مدافع المنتخب الفرنسي، ليهاجم رئيس دولته، إيمانويل ماكرون، في ذلك الوقت كانت فرنسا تطبق سياسات عدائية تجاه المسلمين من لاعبين ومواطنين.

رامي، لم يكن لديه حل سوى الخروج ومناشدة الرئيس الفرنسي بوقف سُبل العنف تجاه المسلمين، بالقول أو بالفعل.

وفي الوقت نفسه، لم تكن ألمانيا تُهاجم حرية الرأي في العالم كله، بل لأنها ألمانيا، قلب أوروبا النابض وعقله الذي حين يُفكر يتبعه الجميع، وفي ألمانيا قالوا لمسعود أوزيل إنه مجرد مهاجر، أتاهم من تركيا وانتهت علاقتهم به يوم أن انخفض مستواه وقل عطاؤه.

في ألمانيا، هاجت الدنيا وماجت عندما أقرت المجر قانوناً يجرم بشكل قاطع نشر أو استخدام أي محتوى للشذوذ الجنسي في دولتها بين الشباب والأطفال.

حينها تدخلت ألمانيا وقررت أن تطلب من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تصريحاً لتزيين ملعب الأليانز أرينا بألوان "قوس قزح"؛ لكن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم رفض الفكرة كون اللعبة هي رياضة في نهاية الأمر ولا يمكن إضافة جانب سياسي لها.

ألن نعاقب إيران زهافي؟

يوم أن رفعت جماهير سيلتيك الأسكتلندية علم فلسطين، فرض عليها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم غرامات لا يُستهان بها؛ السبب في الغرامات والعقوبات أن العلم الفلسطيني يتم إدراجه تحت بند "لافتة غير مناسبة" وفقاً للاتحاد الأوروبي.

وهو ما تكرر يوم أن واجه المنتخب الأسكتلندي نظيره الإسرائيلي في مباراة رسمية، وظهر العلم الفلسطيني ورددت بعض الجماهير هتافات معادية للضيوف.


في المقابل، لا أحد عاقب إيران زهافي مثلاً، وإيران هو لاعب منتخب إسرائيل لكرة القدم، والرجل الذي يحمل في جعبته وبداخله تاريخ أسود ومرير من العنصرية والكراهية.

إيران لم يكتفِ بعنصريته داخل إطار الملعب، بل امتد الأمر معه إلى خارجه، فمثلاً، حين دعم اللاعبون المسلمون أمثال: حمزة شادوري، بول بوجبا، ويسلي فوفانا، وغيرهم، فلسطين في خضم أحداث حي الشيخ جراح، وكان بوجبا حاملاً بين يديه العلم الفلسطيني لدعم ومساندة المستضعفين في بقعة محددة من الأرض.

لقد تحدث عنها إدواردو جاليانو منذ زمن..

إدواردو جاليانو هو موسوعة بشرية تسير على قدمين، وهو الرجل الذي حكى تاريخ السياسة الكروية في لعبة كرة القدم، وكيف مرت كرة القدم بأطوار عديدة أكسبتها لونها الحالي والحقيقي.

لإدواردو مقال اسمه "جدران" وهو المقال الذي يتحدث عن جدران صماء حول العالم وأخرى صاخبة، ومدى تأثير الإعلام على آذان وأعين المستقبل البسيط، الذي قد لا يعرف أصلاً الحقيقية بحقيقتها الأصلية.

لدرجة أنهم سموه "الساتر الحديدي" و"جدار العار" وكل المصطلحات التي تُشعرك بفظاعة هذا البناء الضخم الذي فرق بين أبناء نفس الأمة والعرق.

والجدران الصاخبة مثل جدار برلين، الذي سمعنا عنه جميعاً، وهو الجدار الذي كان يفصل بين دولتين هم في الأساس ألمانيا التي نراها الآن أمامنا، ومداه فاق كل الحدود حتى أنه خُلد في التاريخ كونه ألمانياً وكون ألمانيا تكونت به معه.

ولم يذكر أحد جدران أخرى صماء، وهي الجدران التي تُشيدها الدول الغربية في مناطق إفريقية أو عربية للسيطرة على الحدود الخاصة بتلك الدول، ولا أحد يتكلم أو يركز على ما تُشيده إسرائيل من جدران ومناطق ومدن في الأراضي الفلسطينية.

والإعلام هو المرآة التي يقف أمامها النصف الواضح من الحقيقة، ويقف خلفها النصف الأوضح منها؛ لذا حاولوا بشتى الطرق فرض وسائل دعائية وإعلامية على آذان الناس وزج أفكارهم بداخل كل شيء؛ لكي يعتبر الناس حقيقتهم هي الحقيقة الوحيدة المنطقية.

جوروج فلويد وكرة القدم

يوم أن جلس الشرطي على رقبة جورج فلويد، تضامن العالم كله مع المواطن الأمريكي الذي فقد حياته نتيجة هذا الفعل الهمجي.

والأمر لم يتوقف عند التضامن فحسب، بل تحول إلى حملات دعم عالمية، إلى أن وصلت إلى كرة القدم، وإلى يومنا هذا ستجد اللاعبين يجثون على ركبهم تضامناً وتنديداً بما حدث لجورج فلويد.

لكن الحقيقة، أن هذا العالم لا يصلح لنا ولهم في آن واحد، لو كان هذا العالم شجاعاً بما يكفي، فليقف احتراماً لهذا المسن الذي منعهم من أن يغتصبوا أرضه.

لو كان هذا العالم نزيهاً بما يدعيه، ينبغي عليه أن يجثو على ركبتيه، تضامناً مع هذا المسن الفلسطيني، مثلما تضامن مع الرجل الأمريكي.

لو كان هذا العالم محايداً، أتمنى منه أن يشن حملات واسعة لتعزيز حياة من تغتصب أرضهم، مثلما تضامن مع من يهانون على لون بشرتهم.

لو كان هذا العالم شريفاً حقاً، أرجوه أن يرى، ويدقق، من نفس الزاوية، أن هذه الصورة لا تختلف كثيراً عن نظيرتها في أمريكا، هذا يدافع عن أرضه، وذاك يدافع عن لونه.

لو كان العالم.. لكنه لم يكن أبداً، هناك دائماً هم ونحن، ونحن دائماً نخسر.

لهذه الأسباب هم غاضبون من قطر

لماذا يغضب هانزي فليك من استضافة قطر لكأس العالم؟ ولماذا يمتعض ويصرخ فيليب لام كالأطفال؟ 

السبب واضح، لا يتصور السيد الأوروبي، قائد قطار الحضارة، المجبول على نشرها بالقهر، أن ترفض قطر تلويث ثقافتها العربية بأفكار غير ملائمة، وتمس صلب المجتمع، مثل المثلية الجنسية. ينبع الغضب من شعور كامن بالاستعلاء والتفوق، فكيف لذلك العربي أن يقول لنا: لا.

على ذات المنوال، راح الإعلام الغربي، أوروبي وأمريكي، بنشر معلومات كاذبة ومغلوطة، حول الحياة في قطر وقوانينها، وتصويرها كدولة وحشية تجلد النساء، وتقطع الأيدي، كما ادعت صحيفة "The Athletic"، وقاطعت بلدية باريس كأس العالم 2022 وأعلنت عدم نصبها الشاشات في الميادين. وقبلهما اتهمت صحيفة "The Guardian" البريطانية قطر بأنها مقبرة لـ6500 عامل دون سند أو براهين.

وراء تلك الهجمات المتكررة، يقع بعض من الحقد المخلوط بالعنصرية والاستعلاء، تجاه العرب، وصوب قطر تحديداً، فلأول مرة، سنرى دولة استطاعت فرض إرادتها بأن تقف في وجه الغرب وتمنعه من فرض ثقافته  وتمرير أفكاره عبر كرة القدم، بعد أن هزمته ونالت حق الاستضافة.

يعتقد الأوروبيون أنهم غير مرحب بهم، وذلك كذب. ولو كان الأمر كذلك، لما تقدمت قطر بطلب استضافة المونديال بالأساس. ربما بعض الممارسات مفروضة، وذلك الرفض ما كان يجب أن يعلن لولا أن الأوروبيين مصرون على فرض ثقافتهم عنوة على الجميع باعتبارها ثقافة أكثر رقياً وتقدماً.

ينددون بثقافتهم وثقافتنا، ويعاملونهم بفوقية واستعلاء، ويحاولون فرض أجنداتهم السياسية قهراً، لهذه الأسباب علينا أن ندعم قطر، ليس لأنها أول دولة عربية تستضيف منافسات كأس العالم وستُعرف العالم كله بالثقافة الحقيقية للعرب؛ بل لأنها في المقام الأول لا تُريد للغرب أن تمتد يده وأفكاره على ما يحتكم عليه العرب!


أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد