أفقر الإيرانيين وأكثرهم حرماناً.. لماذا لم يشارك عرب الأهواز في احتجاجات “مهسا أميني”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/10 الساعة 09:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/10 الساعة 09:19 بتوقيت غرينتش
محتجات إيرانيات في إسطنبول عقب مقتل مهسا أميني / رويترز

يتساءل كثير من المعنيين بالشأن الإيراني عن سبب أو أسباب عدم مشاركة عرب الأهواز في احتجاجات إيران الأخيرة، التي اندلعت على خلفية وفاة/مقتل شابة في مركز للشرطة في العاصمة طهران. والسؤال مشروع وثمين لكي نبحث له عن إجابات تكشف لنا المخبوء من الحقيقة، أو تقرّبنا من معرفة تلك الأسباب التي دفعت بالأهوازيين إلى الامتناع عن المشاركة في الاحتجاجات الشعبية في إيران.

يقطن عرب الأهواز في إقليم يسمى في إيران "خوزستان" يقع جنوب غربي إيران بمحاذاة العراق من جهة الجنوب. وعُرف عن الإقليم كثرة الأزمات الناجمة عن السياسات الحكومية ماضياً وحاضراً. وتعد محافظة "خوزستان" ذات الأغلبية العربية أغنى المحافظات الإيرانية على الإطلاق من حيث الموارد الطبيعية من نفط وغاز، بالإضافة إلى كثرة الأنهار والأراضي الصالحة للزراعة، ما يجعلها تحتل أهمية قصوى لدى صانع القرار الإيراني.

وشهدت المحافظة في العقدين الماضيين تطورات على صعيد العلاقة بين الحكومات الإيرانية وبين الشارع الأهوازي، لاسيما الشريحة الواعية والمثقفة التي ترى أن الحكومات الإيرانية تتعامل بتمييز وتهميش متعمد للأهوازيين العرب وتحرمهم من ثرواتهم الطبيعية، الأمر الذي جعلهم من أفقر الإيرانيين وأكثرهم حرماناً من الخدمات التعليمية والصحية والرفاهية، كما يعتقد الأهوازيون أن الحكومة تمارس إقصاءً واضحاً للعرب من تولي المناصب المهمة في المحافظة، وتعيّن بدلاً منهم مسؤولين من الأقلية غير العربية المستوطنة في المحافظة، أو تأتي بمسؤولين من محافظات أخرى.

وفي العودة إلى الحديث عن الاحتجاجات الأخيرة في إيران لابد من الإشارة إلى الخصوصية التي تميّزت بها هذه الاحتجاجات؛ إذ إنها لم تتحرك بدافع اقتصادي أو سياسي "بشكل مباشر"، وإنما حرّكها الدافع الثقافي والاجتماعي وطريقة في العيش تريد أن تعيشها الشعوب التي شاركت في الاحتجاجات من أكراد وترك وفرس، وقد عبرت عن هذا المطلب بعد حادثة مقتل شابة في مركز لشرطة الأخلاق بسبب "الحجاب السيئ"، ليصبح "خلع الحجاب" أيقونة هذه الموجة من الاحتجاجات.

مهسا أميني
الفتاة مهسا أميني التي توفيت داخل حجز لشرطة الأخلاق بإيران / رويترز

أما على صعيد واقع العرب في إيران فلابد من التأكيد على هذه الحقيقة، ألا وهي أن الأهوازيين العرب يشعرون بواقع سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي كل ما فيه يقف بالضد من تطلعاتهم، ويناقض طموحهم نحو بناء مستقبل مزدهر ومشرق، وهذا الاستياء المتراكم والشعور بالظلم المستمر تجلى في موجات من الاحتجاجات الشعبية خلال العقدين الماضيين. وعلى الرغم من مواجهة هذه الاحتجاجات للقوة الأمنية الباطشة إلا أنها لم تفت في عضد الشارع الأهوازي، وظل الأهوازيون متأهبين لكل حراك اجتماعي يندد بالواقع السياسي في البلاد.

أسباب امتناع عرب الأهواز عن المشاركة في الاحتجاجات الشعبية في إيران

إذا كان الأهوازيون مستائين من الأوضاع في إيران، إذاً ما الذي جعلهم يمتنعون عن المشاركة في الاحتجاجات الأخيرة؟ نعتقد أن هناك عدة أسباب وليست سبباً واحداً، تقف وراء هذا الموقف السلبي من الاحتجاجات، وهي كالتالي:

أولاً: المعروف عن إيران أنها بلد الشعوب المتعددة والثقافات المختلفة، ويشعر السائح فيها بأنه في بلاد عدة ومجتمعات مختلفة، دينياً وثقافياً واقتصادياً، هناك الشيعة والسنة وبعض الأقليات الدينية الأخرى، هناك الفرس والكرد والبلوش والعرب والأذريون والتركمان، والكيلكيون واللور، هناك الأغنياء في طهران وأصفهان وشيراز، والفقراء في بلوشستان والأهواز (خوزستان) ولرستان، وهناك العشرات من الفروق والاختلافات على كافة الأصعدة والمجالات.

وعلى الرغم من المحاولات المستميتة والجهود الجبارة التي تبذلها الحكومات الإيرانية، سواء قبل ثورة عام 1979 أم بعدها لصهر الشعوب الإيرانية في ثقافة واحدة هي الثقافة الفارسية، إلا أنها لم تفلح في ذلك تماماً، وبقيت الشعوب الإيرانية تحافظ على خصوصيتها على الرغم من التأثر الملحوظ بالثقافة الفارسية الحاكمة. فالبلوش في إيران مثلاً لا يزالون أهل سنة وتدين، والعرب أهل حياة يغلب عليها النظام القبلي وأعرافه الخاصة، وهم محافظون اجتماعياً. وهكذا بقيت الشعوب في إيران تمتاز إلى حد بعيد بخصوصية وطريقة خاصة في الحياة الاجتماعية. 

وبما أن أيقونة هذه الاحتجاجات تمثلت في ظاهرة "خلع الحجاب"، امتنع العرب الأهوازيون نشطاء وعامة عن المشاركة في هذه الاحتجاجات؛ إذ وجدوا أن شعارها ولافتتها الكبرى لا تنسجم مع ثقافتهم وعُرفهم الاجتماعي المحافظ. وهم يرون أن رفع هذه اللافتة (خلع النساء للحجاب)، والتركيز عليها، ليس بذي قيمة واعتبار، لاسيما إذا ما قورن ذلك بالأسباب التي تعني الشارع الأهوازي، وعلى رأسها العامل السياسي والاقتصادي. 

أحد معارض الدشداشة في الأهواز – المصور أمير عُبيداوي

خلص العرب في الأهواز إلى أن الاحتجاجات الأخيرة لا تحقق ما يصبون إليه من أهداف وغايات، وهي تعاني من سطحية في النظر وضبابية في الأهداف والغايات، هكذا رأى الأهوازيون أن التركيز على قضية واحدة وهي حرية المرأة -على الرغم من أهميتها ضمن مشروع تحرري مكتمل- تحريف للمطالب الكبرى التي يطالبون بها منذ سنين. ومطلب حرية المرأة في لباسها إن كان مطلباً لبعض الشعوب الإيرانية، إلا أنه ما كان يوماً من الأيام يشكل هاجساً للأهوازيين المحافظين رجالاً ونساءً.

وهذا السبب، إن كان فعلاً هو الذي دفع بالأهوازيين إلى عدم المشاركة في هذه الاحتجاجات، فإنه يؤكد وجود وعي جماعي لا بأس به لدى الإنسان العربي في الأهواز، ما يجعله قادراً على تمييز ما ينتمي إليه وما يتعارض مع طبيعة حياته الاجتماعية. 

ثانياً: يشعر عرب الأهواز بالغربة السياسية والثقافية والاجتماعية داخل إيران، أصبحوا بعد سنين من الإقصاء والتهميش لا ينتمون إلى المجتمع الإيراني، بل هم إلى المجتمعات العربية في الخليج وغير الخليج أقرب منهم إلى المجتمعات الإيرانية، ودليل ذلك هو النقاشات المتداولة بين نخب الشارع الأهوازي اليوم. تجد القضايا المطروحة للنقاش بين العرب في الأهواز يدور معظمها حول قضايا منفصلة عن المناخ السياسي والثقافي في إيران، هناك إشكاليات بين الأهوازيين لا وجود لها في المجتمع الإيراني، الأهوازيون اليوم يناقشون الإشكاليات نفسها التي يناقشها العرب من الخليج إلى المحيط، ثورات الربيع العربي والموقف منها، قضية فلسطين والتطبيع مع إسرائيل، الإخوان المسلمون وصراعهم السياسي مع الأنظمة العربية، السلفية والعلمانية، و… وهكذا تجد العناوين المطروحة بين عرب الأهواز تؤكد وجود هذه القطيعة بين المجتمع العربي الأهوازي وبين المجتمعات الإيرانية الأخرى ومشاكلها، ما يجعل عدم مشاركتهم في الاحتجاجات الأخيرة معقولاً ومتوقعاً.

ثالثاً: شهدت الأهواز في السنوات الأخيرة عدداً من الأحداث التي قادت إلى موجات من التظاهر والاحتجاج ضد النظام وسياساته، وفي تلك الأحداث لم يجد الشارع الأهوازي التعاطف المطلوب من الشعوب الإيرانية، ولم يتضامن معه أحد "تقريباً"، لاسيما من شعوب المدن الكبرى التي قادت الاحتجاجات الأخيرة، بل حاولت بعض هذه الشعوب ونخبها إفشال الاحتجاجات في الأهواز عبر اتهامها بالانفصالية والراديكالية الدينية وما شابه ذلك من تهم غير أخلاقية. ربما لم ينس الأهوازيون تلك الأحداث، ورأوا أنه من حقّهم عدم التضامن مع مَن تجاهلهم بالأمس القريب، وعمل على منعهم من الحصول على حقوقهم.

رابعاً: كما أشرت آنفاً فإن الأهواز قد شهدت في العقدين الماضيين ولاسيما في السنوات القليلة الماضية عدة احتجاجات قادتها بمفردها وواجهت تبعاتها بمفردها، لاقت في جميعها قمع الأمن وبطشه، وقادت تلك الأحداث إلى اعتقالات واسعة في صفوف الناشطين الأهوازيين، ما غيّبهم عن الحضور الآن في الساحة الشعبية، والمساهمة في تحريك الشارع للدخول في هذه الموجة المهمة من الاحتجاجات، ما يضيف عاملاً آخر على عدم دخول الأهوازيين إلى الاحتجاجات.

خامساً: في احتجاجات السنوات الماضية في مدن الأهواز مارس الأمن الإيراني القوة القهرية بشكل مفرط، ما أدى إلى مقتل العشرات من المحتجين، لاسيما فيما عُرف بمذبحة معشور في احتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2019، وربما يخشى الأهوازيون تكرار هذا السيناريو إن شاركوا في الاحتجاجات. والأمن الإيراني أثبت خلال الأحداث الماضية أنه لا يتردد في اللجوء إلى العنف المفرط للتعامل مع الاحتجاجات في المدن والمحافظات الحدودية مثل خوزستان أو كردستان أو بلوشستان، وما مجزرة يوم الجمعة 30 سبتمبر/أيلول الماضي في "زاهدان" عنا ببعيدة.

سادساً: كثرة الاحتجاجات في السنوات الماضية دون أن تؤدي إلى تحسن الأوضاع، سواء على صعيد المحافظة أم إيران ككل، ربما جعلت الأهوازيين أو نسبة كبيرة منهم غير متفائلين إزاء نتائج الاحتجاجات الأخيرة، ما جعلهم يمتنعون عن المشاركة فيها، وتجنب تبعاتها المحتملة.

تلك كانت بتقديري أبرز الأسباب التي دفعت بالشارع الأهوازي إلى عدم المشاركة في احتجاجات إيران الأخيرة، وقد تكون هناك عوامل أخرى لها دور ما في هذا الموضوع، لكن بشكل عام هذه العوامل مجتمعة هي السبب الرئيسي في تقاعس عرب الأهواز عن المشاركة في الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران، وربما لو دخل العرب هذه الاحتجاجات بقوة لرأينا مساراً مختلفاً من الأحداث، وهذا يؤكد أهمية الشارع الأهوازي على صعيد خلق تغيير جذري وكبير في إيران مستقبلاً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عدنان زماني
كاتب صحفي
تحميل المزيد