معادلة “الأمن مقابل النفط” في خطر.. هل اقترب الطلاق الأمريكي – السعودي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/09 الساعة 08:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/09 الساعة 08:33 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن في السعودية / gettyimages

أدى إعلان منظمة "أوبك بلس" الخاصة بالدول المصدّرة للنفط خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً بداية من نوفمبر القادم إلى حالة هياج في واشنطن؛ حيث اعتبر نواب بالكونغرس وساسة القرار بمثابة إهانة بالغة من السعودية لبايدن بعد زيارته للرياض في يوليو الماضي، وطلبه مؤخراً من السعودية زيادة الإنتاج لتقليل سعر النفط عالمياً وخفض كلفة الطاقة على المواطن الأمريكي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر القادم، ولتخفيف الأعباء عن حلفاء أمريكا الأوروبيين الذين ينتظرون شتاءً بارداً مع انقطاع الغاز الروسي. فما الذي أوصل العلاقة بين الحليفين إلى هذا المستوى؟ وما الدوافع السعودية لتبني مثل هذا القرار، مع التعهد بخفض إنتاج السعودية النفطي بمفرده نصف مليون برميل يومياً؟ وما الأدوات التي ستستخدمها واشنطن للرد؟ وهل وصل التحالف الأمريكي السعودي لنقطة اللا عودة؟

معادلة الأمن مقابل النفط

قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في 14 فبراير 1945 اجتمع الرئيس الأمريكي روزفلت على متن سفينة حربية في قناة السويس مع الملك عبد العزيز بن سعود لتدشين شراكة بين البلدين قامت على معادلة (النفط مقابل الأمن) وبمقتضاها أعطت الرياض للشركات الأمريكية الأولوية في التنقيب عن النفط واستخراجه مقابل الحصول على حماية أمريكية تكفل الأمن للسعودية من التهديدات المختلفة.

ومع اندلاع الثورة الإيرانية التي تبنت تصدير الثورة لدول الجوار، وغزو السوفييت لأفغانستان عام 1979، واقترابهم من مياه الخليج الدافئة، أصدر الرئيس الأمريكي كارتر مبدأه الذي نص على التعهد بالدفاع عن حقول النفط في الخليج ضد أي عدوان خارجي، ومن ثم تعاونت واشنطن والرياض لاستنزاف الدب الروسي في أفغانستان، كما دعما العراق في حربه ضد إيران 1980-1988- وإن حرصت واشنطن سراً على استنزاف العراق وإيران لبعضهما البعض- وكذلك حشد الرئيس بوش الأب نصف مليون جندي أمريكي ضمن تحالف دولي للدفاع عن السعودية ضد الجيش العراقي واستعادة الكويت عام 1991، كما استطاع التحالف الأمريكي السعودي امتصاص تداعيات مشاركة 15 سعودياً في أحداث سبتمبر 2001، وتعزيز التعاون الأمني بين البلدين تحت لافتة مكافحة الإرهاب.

بدايات التوتر

توالت خلال العقد الأخير المواقف الأمريكية التي أثارت حفيظة الرياض، بداية من دعوة أوباما للرئيس المصري مبارك إلى التنحي إثر اندلاع مظاهرات يناير 2011، حيث رأت الرياض أن واشنطن تخلت عن أقرب حليف لها في العالم العربي بكل سهولة، ثم جاء توقيع أوباما على الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015 وتبنيه لسياسة التركيز على آسيا لترى الرياض أن واشنطن تتخلى عنها لصالح طهران، وهو ما انعكس على استقبال أوباما في السعودية عام 2016 استقبالاً باهتاً إذ استقبله في المطار أمير الرياض دون حضور الملك أو ولي عهده. ثم جاءت حقبة ترامب التي شهدت الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، واستئناف صفقات السلاح الهجومية للسعودية لدعهما في حرب اليمن، مما انعكس على تقارب البلدين وصولاً لاستقبال ترامب في الرياض عام 2017 بحفاوة في أول زيارة خارجية له عقب انتخابه. ولكن أدى عدم رد ترامب على الهجوم الذي استهدف حقول نفط ومصافي شركة أرامكو في سبتمبر 2019 إلى شعور الرياض بعدم الأمان، وأن مظلة الحماية الأمريكية صارت مهلهلة. 

أعلن بايدن بداية عهده رفضه التواصل المباشر مع ولي العهد السعودي وصولاً لرفع السرية عن تقرير الاستخبارات الأمريكية الخاص بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، والذي يتهم الأمير محمد بن سلمان بالضلوع في الحادث، كما أدانت واشنطن بشكل متكرر وضع حقوق الإنسان في السعودية، وأخيراً جاء الانسحاب الأمريكي الأحادي من أفغانستان، واستئناف التفاوض حول الملف النووي مع إيران، ليزعج الرياض فضلاً عن أبوظبي، وهو ما عبر عنه الكاتب الإماراتي سالم الكتبي في مقال نشره في موقع جيرزواليم بوست الإسرائيلي بأغسطس الماضي أكد فيه أن تخلي واشنطن عن حكومة أشرف غني بأفغانستان أثبت أنها لا تفكر سوى في مصالحها، بغض النظر عن مصير حلفائها، وأن من حق حلفائها بالخليج التفكير في مصالحهم بعيداً عنها عبر تنويع علاقاتهم مع الصين وروسيا وغيرها من الدول، وأن معادلات القوى تغيرت؛ حيث أصبح بيد دول الخليج أدوات يمكن أن تناور بها بما يحقق مصالحها بغض النظر عن مصالح أمريكا.

التململ السعودي والردود الأمريكية

أرسلت الرياض مؤخراً عدة رسائل تشير لانزعاجها من تعامل إدارة بايدن مع ملف العلاقات السعودية الأمريكية، وهو ما برز في إعلان التفاوض مع الصين حول بيع النفط باليوان بدلاً من الدولار، وتجنب السعودية إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، واشتراط ولي العهد السعودي زيارة الرئيس الأمريكي للرياض من أجل زيادة إنتاج النفط، وهو ما حدث في يوليو الماضي، ولكن حظي بايدن باستقبال باهت، وسرعان ما لعبت الرياض دوراً محورياً في قرار خفض إنتاج النفط الأخير، مما اعتُبر بمثابة إهانة وإذلال لبايدن قبيل انتخابات الكونغرس القادمة.

رغم وجود مصلحة سعودية في ارتفاع سعر النفط نظرا لما يجلبه من عائدات ضخمة، ولمواجهة خطر انخفاض الطلب المنتظر على النفط في ظل مؤشرات الركود العالمي، فإن قرار تخفيض الإنتاج يشير إلى أن الرياض لم تعد تنظر لواشنطن كشريك في ملفات الطاقة والاقتصاد، فضلاً عما يعنيه القرار من دعم موسكو التي  تستفيد من عائدات النفط المرتفعة في تمويل حربها بأوكرانيا، ودوره في تشديد الضغط على أوروبا التي تعاني من ارتفاع التضخم والزيادات الكبيرة في أسعار الطاقة.

رداً على قرار "أوبك بلس"، أصدر مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، بياناً أعرب فيه عن (خيبة أمل بايدن إزاء قرار خفض.. موضحاً أن الإدارة الأمريكية ستتشاور مع الكونغرس بشأن آليات إضافية لتقليل سيطرة أوبك على أسعار الطاقة)، وهو ما سيعني حال حدوثه صداماً مباشراً بين واشنطن وأوبك، فيما بدأ بعض نواب الكونغرس بطرح مشروعات قوانين تقوض مظلة الحماية الأمريكية للسعودية، حيث أعلن النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي أنه سيقدم تشريعاً يقضي بسحب القوات الأمريكية وأنظمة الدفاع الصاروخي من السعودية والإمارات، وهو ما سيضعهما تحت تهديد صواريخ الحوثيين، فيما قال النائب الديمقراطي كريس ميرفي ينبغي إعادة تقييم تحالف الولايات المتحدة مع السعودية.

إن قرار تخفيض إنتاج النفط في اللحظة الحرجة التي تمر بها أمريكا وأوروبا يعضد التحذيرات السابقة بأن سياسات ولي العهد السعودي تضر بالمصالح الأمريكية، وتعزز عدم الاستقرار في المنطقة، وهو ما يشمل قائمة أحداث تتضمن احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ومقتل الصحفي جمال خاشقجي، وحصار قطر، واعتقال كبار أمراء الأسرة المالكة، مما جعل مساعد وزير الخارجية السابق، مارتن إنديك، ورئيس مجلس العلاقات الخارجية، ريتشارد هاس، يقولان "إن الولايات المتحدة بحاجة إلى شريك سعودي مسؤول"، ويؤكدان أن العلاقة بين البلدين تحتاج لإعادة صياغة لتجنب الوصول إلى مرحلة الطلاق، وذلك في ظل قناعة ولي العهد السعودي بضرورة قبول واشنطن له كما هو دون تغيير سلوكياته.

 إن السعودية مهمة لواشنطن التي يصعب أن تتخلى عنها بسهولة لصالح بكين أو موسكو، إذ تحوز الرياض 17.2٪ من احتياطي النفط العالمي، وتنتج 12.5٪ من الإنتاج العالمي. ويُرجح أن تستخدم واشنطن أدوات سياسية واقتصادية وحقوقية لتذكير ولي العهد السعودي بحاجته لها، مع التلويح بإمكانية فتح ملفات حرب اليمن التي شهدت مقتل 370 ألف شخص، وملف خاشجقي فضلاً عن التهديد بوقف عمليات الصيانة وتوفير قطع الغيار للأسلحة الأمريكية المباعة للسعودية، وصولاً إلى تشجيع أطراف داخل العائلة المالكة على اتخاذ مواقف داعمة للتفاهم مع واشنطن. وفي المجمل يبدو أن العلاقات السعودية الأمريكية وصلت منعطفاً جوهرياً، وأن فصل الخريف في علاقة ولي العهد السعودي بواشنطن بدأ يتحول إلى شتاء.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مولانا
باحث في الشئون السياسية والأمنية
باحث في الشئون السياسية والأمنية
تحميل المزيد