ما إن عادت التكهنات سريعاً بعودة "حمدوك"، رئيس الوزراء السابق، إلى منصبه في رئاسة مجلس الوزراء الانتقالي في السودان مجدداً، حتى عادت الانتقادات الشديدة لتلك التكهنات، التي لم تكن الأولى أو الأخيرة منذ استقالته في يناير/كانون الثاني، عقب التظاهرات الكبيرة ضد اتفاقه المنفرد مع قائد الانقلاب الجنرال عبد الفتاح البرهان. ذلك الاتفاق الذي لم يدُم طويلاً، خصوصاً مع موجة التظاهرات الغاضبة التي قصمت ظهر البعير، والانتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي.
الكثيرون رجَّحوا عدم صحة تلك الأخبار الرائجة، لعدم وجود أي تصريحات منسوبة للرجل تؤكد صحة ما تم تسريبه بناءً على الخبر الذي انفردت به صحيفة "الجريدة"، ثم صحيفة "اليوم التالي"، التي أشارت في صدرها أن حمدوك المقال من منصبه أواخر العام المنصرم، بانقلاب البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول، وافق مجدداً على العودة دون أي شروط تذكر، الأمر الذي قلَّل احتمالية صحة ما راج وزاد من غضب الشارع.
المراقبون اعتبروا الخطوة جس نبض للشارع، وبروباغاندا سياسية من قِبل "سلطات الانقلاب" وحلفائهم، الذين فشلوا في تشكيل أي حكومة منذ الإطاحة بحكومة حمدوك.
لم تعلق لجان المقاومة التي تقود الشارع على فكرة عودة حمدوك، حيث تعتمد اللجان على فكرة التصعيد الثوري، والتخطيط لمظاهرات أكتوبر/تشرين الأول الكبرى المحتملة، بعد أن أكملت مؤخراً صياغة "الميثاق الثوري"، الذي أعلن رسمياً عن رؤيتها السياسية، والتي نصت على رفض أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع الجيش، وتعتمد على الإطاحة به، وهذا ما يستحيل في الوقت الحالي.
إذن كيف يعود حمدوك وسط كل هذا الانشغال؟
يقول خالد الفكي، الصحفي والمحلل السياسي: تستند مؤشرات عودة حمدوك إلى محاولة تهدئة الشارع الثوري، ومحاولة إبطاء إيقاعه، في ضوء صدور جدول التصعيد المستمر، الذي يصل "ذروته" خلال 21 أكتوبر إلى 25 أكتوبر، والتكهنات بعودته هي محاولة لدغدغة مشاعر "الثوار" الذين يحترمونه مع ذلك، فإن الشارع الآن غير مهتم بعودة حمدوك من عدمها، كما يرى الشارع أنه فشل في تحقيق رغبات وطموحات الثورة وأهدافها، ولم يتخذ التدابير التي تتعلق بالانتقال الديمقراطي، لمحاصرة وسد الطريق أمام أولئك الذين يريدون عرقلة الانتقال الديمقراطي.
تأتي هذه المؤشرات من بعض القوى التي تريد منعها بزاوية ضيقة، للتسرع في الموافقة على تشكيل حكومة "الأمر الواقع"، التي يبدو أن معالمها بدأت تتشكل من قِبل تلك التحالفات مع المكون العسكري، أو غيرها من تحالفات نظام البشير، التي تسعى إلى المشاركة مع الجيش في بقية مهام إكمال الفترة الانتقالية.
تظل مسألة المراهنة على عودة حمدوك الآن أو في المستقبل غير مجدية، ما لم يفِ الجيش بوعوده بالخروج من السلطة والابتعاد عن السياسة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.