النساء يعددن الكسكس والرجال يذهبون للمقابر.. هكذا يحتفل الريف المغربي بالمولد النبوي

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/09 الساعة 08:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/09 الساعة 08:50 بتوقيت غرينتش
عيد المولد النبوي istock

تختلف أشكال الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف في الجنوب الشرقي حسب المناطق وحسب الفئات العمرية، غير أن قاسمها المشترك هو احتفالات الأطفال، فإذا كان الكبار- خاصةً المتقدمين منهم في السن- الذين يطلقون على هذه المناسبة الدينية اسم "عيد الميلود" ينشغلون يوم العيد؛ بعضهم بتبادل الزيارات والبعض الآخر بالتوجه إلى المقابر للترحم على الموتى، بينما تنهمك النساء في إعداد وجبات الكسكس والعصائد والمحمصة بالسمن وعصير التمر المعروف محلياً بـ"تحلوات"، في حين تجتهد أخريات في إعداد أشهى أنواع الحلويات لاستقبال الزوار، فإن الأطفال الذين ينتظرون هذه المناسبة بشغف كبير يشرعون في الاستعداد لتخليدها أياماً قبل حلولها بصناعة "حر واضي" أو "الفراوط"، حتى إنهم يطلقون على هذه الذكرى التي يجهلون أصلها تسمية "لعيد ن حر واضي" أو "عيد الفراوط".

تعددت الأسماء واللعبة واحدة، حر واضي، الفراوط، تفرفارت، الفرفارة… عبارة عن مروحة تصنع من عودين من القصب تلصق عند نهايتهما بالعجين ورقتان مربعتان متعاكستان على شكل رمز العلم النازي ويرتبطان بمحور عبارة عن قصبة صغيرة يدخل فيها سلك حديدي يعلق بعصا.

في صباح العيد يرتدي الأطفال ملابسهم الجديدة، ثم يأخذون في استلال "فراوطهم" المزينة بألوان الفصة والزعفران، ليشرعوا في الركض بها بين الأزقة فرادى وزُرافات، حيث تبلغ الفرحة والنشوة أوجها عندما يرى الطفل مروحته وهي تدور تحت تأثير الهواء، فيرفع من سرعته كي لا تتوقف عن الدوران وذلك منافسة لزملائه وتحدياً لهم.

يدوم الركض في الأزقة طيلة صباح العيد وحتى المساء، حيث يعتبر الفراوط بمثابة أرنب سباق ينسي الطفل كل شيء وضمن ذلك الإحساس بالتعب، ففي هذه الأثناء يكون كل تركيز الأطفال منصبّاً على المروحة العجيبة وهي ترسم دورات سريعة بألوان زاهية تتحول مع الدوران إلى لون أبيض، يدفعهم إلى التساؤل باستغراب عن السر في تحول ألوان مختلفة إلى لون واحد أبيض بياض قلوبهم البريئة من كل غل وحقد، قلوب فارغة من كل حسد وكراهية مليئة بروح منافسة أقرانهم وغيرتهم وتباهيهم بما صنعت أيديهم أو ما صنع لهم.

يعتمد بعض الأطفال على أنفسهم في صناعة الفراوط، في حين أن آخرين يلجؤون إلى أطفالٍ أمثالهم معروفين في كل قرية بإتقان صناعة الفراوط ممن يكبرونهم سناً ليصنعوا لهم ما يُدخل عليهم البِشر مما تبرع فيه أيديهم، بينما يعتبر الجد أو الأب أو الأخ الأكبر لدى فئة أخرى الصانع الذي لا يعول على غيره.

وإذا كانت صناعة "حر واضي" مجانية في القرى، فإنه في المراكز الحضرية وشبه الحضرية في الجنوب الشرقي يتخذ بعض الأطفال من صناعة الفراوط حرفة للحصول على بعض الدريهمات أياماً قبل العيد، إذ يتراوح ثمن الفرواط الواحد بين نصف درهم ودرهمين حسب العرض والطلب.

ما إن يشرف يوم العيد على الانتهاء حتى تجد الفراوط ممزقة إما بتأثير الهواء بعد يوم كامل من الجري، وإما بفعل الأطفال أنفسهم بعدما تكون قد أدت مهمتها على أحسن وجه وانتهت صلاحيتها في انتظار العيد المقبل.

اليوم مع جيل "الفري فاير" والفيسبوك أصبحت هذه اللعبة ومثيلاتها من ألعاب الأمس الجميل، حيث كانت الفرحة تُصنع من أشياء بسيطة، في تراجع مستمر، إذ في استطلاع قمنا به وشمل عشرات الأطفال بين 12 و15 سنة، جاءت النتيجة صادمة، حيث تجاوزت  نسبة الذين لا يعرفونها ولم يسبق أن سمعوا عنها شيئاً، أكثر من 90%.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى ملو
كاتب مغربي
كاتب مغربي
تحميل المزيد