منذ شهر تقريباً نشر جاريد كوشنر مذكراته في كتاب كبير بعنوان "التاريخ المكسور"، وتنبع أهميتها من منصبه ككبير مستشاري الرئيس الأمريكي ترامب، فضلاً عن كونه زوج ابنته إيفانكا، وهو ما ساهم في اعتبار الكثيرين، بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكية تيلرسون، أن كوشنر هو الشخص الأكثر تأثيراً على السياسة الخارجية خلال فترة رئاسة ترامب.
وقد لعب كوشنر دوراً بارزاً في عدة ملفات، من أبرزها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف الأمريكي بضم إسرائيل للجولان، وطرح خطة سلام للقضية الفلسطينية اشتهرت باسم صفقة القرن، فضلاً عن ترتيبه وإشرافه على توقيع 5 دول مسلمة تشمل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان وكوسوفو لاتفاقيات سلام مع إسرائيل، وصولاً إلى دوره في إتمام المصالحة الخليجية خلال نهاية عهد ترامب. وقد أوضح كوشنر في سياق مذكراته العوامل التي أثرت على شخصيته وتكوينه السياسي، وجاء العامل الديني كأحد أبرز تلك العوامل.
علاقة عائلة كوشنر بإسرائيل
عاشت جدة كوشنر في شرق بولندا، ثم هربت إلى المجر فراراً من الاضطهاد النازي لليهود، وتزوجت هناك ثم هاجرت رفقة زوجها إلى الولايات المتحدة، ولاحقاً تزوج والدا كوشنر في نيويورك ثم أنجباه في عام 1981.
التحق كوشنر بجامعة هارفارد في عام 1999، حيث انخرط في التجارة عبر شراء العقارات القديمة وتجديدها ثم بيعها بالمدينة التي يقع بها مقر الجامعة، وتدرب عقب تخرجه عام 2003 في كبرى المؤسسات المصرفية، مثل مورجان ستانلي، وجولدمان ساكس، لكنه سرعان ما ترك مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية ليلتحق ببرنامج دراسات عليا للقانون في جامعة نيويورك قبل أن ينخرط في مجال العقارات رفقة والده.
وقد حظيت عائلة جاريد كوشنر بروابط قوية مع تل أبيب، فشقيقته الكبرى "دارا" درست في إسرائيل لمدة عام قبل دخولها الجامعة، كما استضاف والد كوشنر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو حيث أمضى عطلة نهاية الأسبوع في منزل العائلة بنيوجيرسي، بل ونام نتنياهو آنذاك في غرفة نوم كوشنر، وذلك قبل أن يتزوج كوشنر بإيفانكا ترامب.
علاقة كوشنر بمردوخ وإيفانكا وكيسنجر
في عام 2007 اقترح دونالد ترامب على ابنته إيفانكا أن تتحدث إلى كوشنر لمعرفة مدى اهتمامه بشراء أحد عقاراته، فتقابلا ووقع كوشنر في حبها، لكنه ابتعد عنها بسبب اختلاف الدين، ثم تقابلا مجدداً في منزل إمبراطور الإعلام رجل الأعمال اليهودي روبرت مردوخ مالك قناة فوكس نيوز وصحيفة وول ستريت جورنال، وتوثقت علاقة كوشنر بإيفانكا التي صارحته بأنها تفكر في التحول إلى اليهودية، فأخذا يلتقيان مع حاخام لدراسة اليهودية، ثم اجتمعا مع ترامب الذي سأل كوشنر لماذا لا تغير أنت دينك؟ فأجاب: إيفانكا أرادت تغيير دينها عن اقتناع، فرحب ترامب قائلاً: (على أي حال يعتقد معظم الناس أنني يهودي، فمعظم أصدقائي يهود، كما أنهم يحبونني في إسرائيل).
وفي السياسة اعتمد كوشنر على نصائح هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي السابق، حيث يشترك كيسنجر مع كوشنر في اعتناق اليهودية، وقد نصحه كيسنجر قائلاً: (توخّ الحذر مع من تتفاعل معهم في كل بلد، العلاقة معك هي عملة قيّمة في واشنطن، اختر بعناية من تريد أن تمنحه هذه السلطة)، وطلب منه أن يتصل به في أي وقت يحتاج فيه لمشورته.
تعطيل قرار مصري في الأمم المتحدة
قبيل تسلم ترامب لمنصب الرئيس، اتصل ديرمر السفير الإسرائيلي في واشنطن بكوشنر، وهو في الأصل أمريكي المولد تخلى عن جنسيته ليتفرغ للعمل السياسي في إسرائيل، ثم تولى منصب سفير تل أبيب في واشنطن عام 2013، وأخبر كوشنر أن نحو 20 دولة بقيادة مصر تستعد لتقديم قرار يندد بتوجه إسرائيل لضم الضفة الغربية باعتبار ذلك يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وأخبره أن إدارة أوباما تنوي الامتناع عن التصويت، ما سيمثل تخلياً أمريكياً غير مسبوق عن إسرائيل. فرأى كوشنر أن من المهم إعلان ترامب معارضته للقرار، ورغم أنه من النادر أن يعلق الرئيس المنتخب خلال الفترة الانتقالية على سياسة الرئيس المنتهية ولايته، إلا أن ترامب وافق على كسر البروتوكول لمصلحة إسرائيل.
وبالفعل نشر ترامب بياناً ندد فيه بالقرار، وفي اليوم التالي اتصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإبلاغ إدارة ترامب أن فريق مصر في الأمم المتحدة تحرك دون إشرافه، وأن مصر ستلغي طرح القرار. لكن بعد يومين أعادت ماليزيا ونيوزيلندا والسنغال وفنزويلا تقديم القرار، وصوّت عليه مجلس الأمن بنسبة 14 إلى صفر، حيث امتنعت إدارة أوباما عن التصويت عقاباً منها لنتنياهو على إدانته الاتفاق النووي مع إيران في خطاب ألقاه أمام الكونجرس عام 2015.
شمعدانات وتمائم، وافتتاح حديقة باسمه في القدس
في بداية تولي ترامب للرئاسة دعا جاريد وإيفانكا للمكوث في غرفة نوم لينكولن التي تقع في الطابق الثاني من البيت الأبيض، حيث أشعلا فيها شمعدانات السبت وصليا. وأخبرهم أحد العاملين في البيت الأبيض أن هذه هي المرة الأولى التي تُضاء داخله شموع السبت. وكذلك علق كوشنر في مكتبه بالبيت الأبيض "مزوزاه"، وهي تميمة تحمل شعارات دينية تعلق على أبواب الأسر اليهودية، كما تعلقها أيضاً الحكومة الإسرائيلية على أبواب المباني الحكومية والسفارات، وخلال لقائه مع ملك البحرين قدم كوشنر له لفافة توراة كهدية، وطلب منه أن يضعها في الكنيس اليهودي بالمنامة.
تكريماً لجهود كوشنر في خدمة المصالح الإسرائيلية وبالأخص دوره في عقد اتفاقات إبراهام للتطبيع مع عدة دول عربية، فقد افتتح رئيس الوزراء نتنياهو في عام 2020 بحضور كوشنر حديقة تتكون من 18 شجرة زيتون في غابة مخصصة لأشجار الزيتون التي زرعها رؤساء دول زاروا إسرائيل، وقال نتنياهو خلال الحفل: (من خلال تلك الحديقة، سنضمن أن تعرف الأجيال القادمة ما هي مساهمتك). أما السفير الأمريكي في إسرائيل فريدمان، فقد أطلق رسمياً على ساحة في السفارة الأمريكية بالقدس اسم ساحة جاريد كوشنر.
تذخر مذكرات كوشنر بالعديد من الأحداث التي يُظهر فيها انحيازه المطلق للجانب الإسرائيلي، وهو ما يجعلها جديرة بالقراءة لأنها تبين دوافع أحد أبرز صناع السياسة في عهد ترامب، وتشرح خلفيات صراعات وتفاهمات واتفاقيات مهمة حدثت خلال فترة زمنية قريبة تمتد من عام 2016 إلى بداية عام 2021، وتطغى تداعياتها حتى الآن على العالم العربي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.