اعتقلته أمريكا 17 عاماً ونال حريته في صفقة تبادل.. القصة الدرامية لأسير طالبان الأخير

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/22 الساعة 12:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/23 الساعة 21:31 بتوقيت غرينتش
مسؤولون في حركة طالبان-رويترز

أعلنت حركة طالبان، في 19 سبتمبر/أيلول، الإفراج، في صفقة تبادل أسرى، عن الحاج بشير نورزاي، بعد سجنه 17 عاماً في أمريكا مقابل الإفراج عن المهندس الأمريكي والجندي السابق في البحرية، مارك فريريش، الذي اختطفته طالبان في أفغانستان عام 2020 خلال عمله في أحد المشاريع، وفي ذات الوقت نشر البيت الأبيض تصريحاً مقتضباً أعلن خلاله (الإفراج عن مواطن أمريكي في صفقة تبادل تضم أحد أباطرة المخدرات المسجونين في الولايات المتحدة)، ووجه الشكر بشكل خاص لقطر لمساعدتها في إتمام الصفقة، وعقب ذلك استُقبل الحاج بشير استقبالاً حافلاً في مطار كابل، فما هي قصة الحاج بشير؟ ولماذا  ثار الجدل بين طالبان وواشنطن حول طبيعة دوره؟

من هو الحاج بشير نورزاي؟ وما دوره في تأسيس طالبان؟

من الكتب النادرة التي تطرقت إلى دور الحاج بشير في تأسيس حركة طالبان، كتاب دونه الملا عبد الحي مطمئن، الناطق الرسمي باسم الملا محمد عمر مؤسس طالبان، وقد نشره بلغة البشتون عام 2017 بعنوان (الملا محمد عمر وطالبان وأفغانستان)، وتُرجم إلى الإنجليزية عام 2019. 

وقد برز دور الحاج بشير في قندهار منذ حقبة الغزو السوفييتي، فهو زعيم قبلي من قبيلة نورزاي بقندهار، قاتل خلال الجهاد الأفغاني ضد الشيوعيين مع الاتحاد الإسلامي بقيادة سياف، ثم انضم إلى الحزب الإسلامي جناح مولوي يونس خالص، وسيطر على مركز مديرية ميوند بقندهار.

وفي ربيع عام 1994، انخرط مقاتلو الحاج بشير في صراع مع مقاتلي الأستاذ عبد العليم التابع لسياف، الذين أرادوا إقامة نقطة تفتيش بالقرب من ميوند. ووقعت معركة ضارية بينهم أسفرت عن مقتل 17 شخصاً من أتباع الحاج بشير، وكانت هذه خسارة فادحة للحاج بشير الذي لم يسبق له التورط في نزاعات محلية حتى ذلك الحين.

وبحسب رواية مطمئن لحيثيات تأسيس حركة طالبان في عام 1994، نقلاً عن الملا محمد عمر، فقد استشرت بالمنطقة خلال الحرب الأهلية ظاهرة الميليشيات ونقاط التفتيش التي تستولي على أموال الناس، ويدمن أفرادها اغتصاب النساء والأطفال، وبدأ السكان في سؤال طلبة العلوم الدينية بقندهار عن أسباب صمتهم تجاه الجرائم المنتشرة، فبادر الملا عمر في يونيو 1994 لعقد اجتماع في مسجد شارك فيه عدد من طلاب العلوم الدينية لمناقشة دورهم في مواجهة جرائم الميليشيات، فاقترح المجتمعون على الملا عمر الحصول على فتوى من قاضي المنطقة المفتي محمد پاسني، فقابله الملا عمر وعرض عليه الوضع، وخلص پاسني بعد مشاورة ثلاثة علماء آخرين إلى وجوب التحرك ضد عناصر الميليشيات. لكن اعتذر العلماء عن إصدار فتوى مكتوبة لخوفهم من فتك عناصر الميليشيات بهم في ظل عدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم، كما قالوا للملا عمر ليس لديك قوة عسكرية للتحرك ضد الميليشيات، فقال لهم الملا عمر: (سنبدأ جهادنا، وإذا نجحنا فعليكم أن تدعمونا وتعطونا فتوى، وإذا فشلنا أو استشهدنا فلن يضايقكم أحد). 

وفي ظل احتياج الملا عمر لمركبة يتنقل بها عبر المدارس الدينية في المنطقة لعرض مشروعه على الطلبة، خاطب الحاج بشير نورزاي الذي عانى من ميليشيا عبد العليم، فوافق ووفر للملا عمر سيارة بسائق، كما قدم شخص آخر يُدعى سروار دراجة نارية، وبدأ الملا عمر في القيام بجولاته على الطلبة، واستجاب له 54 طالباً من مدارس مختلفة، لكن واجهته مشكلة أخرى تتمثل في افتقاده للعتاد والسلاح، فطلب مساعدة الحاج بشير الذي قدم مجدداً سيارة طراز تويوتا داتسن وشاحنة تويوتا طراز هينو، وتحرك الطلبة التابعون للملا عمر لتنفيذ أولى أنشطتهم في منطقة ميوند مسلحين بالسيوف والعصي، حيث أقاموا نقاط تفتيش في السوق لتأديب قطاع الطرق وأفراد الميليشيات. وعقب نجاحهم في فرض الأمن بالسوق، قدم لهم الحاج بشير 20 قطعة سلاح وثلاثة ملايين قطعة من النقد الأفغاني، ومن ثم بدأوا في التصدي لنقاط التفتيش التابعة للميليشيات في قندهار، ثم اتسع حجم الحركة ونطاق عملها تدريجياً حتى سيطرت على العاصمة كابول في عام 1996.

الحاج بشير بعد الغزو الأمريكي

إثر الغزو الأمريكي لأفغانستان في نهاية عام 2001، انهارت دفاعات حركة طالبان، وقرر قادتها اللجوء لأسلوب حرب العصابات، وبحسب رواية مطمئن في كتابه، فقد توسط الحاج بشير لوزير الخارجية مولوي وكيل أحمد متوكل، واعداً إياه بأنه سيعيش حياة طبيعية في أفغانستان فيما لو قبل بالجلوس مع الأمريكيين. ونقل له تطمينات من الجانب الأمريكي، لكن فور وصول متوكل إلى قندهار، قيده الأمريكيون بالأصفاد، وأعلنوا أمام وسائل الإعلام اعتقاله وأرسلوه إلى معتقل غوانتانامو، وهو ما قطع الطريق على مساعي الحاج بشير لإقناع آخرين من كوادر طالبان بالاستسلام.

وبحسب تقرير لنيويورك تايمز نُشر في عام 2007، فقد اعتقل الحاج بشير  عقب الغزو الأمريكي مباشرة، وجرى استجوابه لمدة 6 أيام حول مسؤولي طالبان وأنشطتها، ووافق على التعاون مع الأمريكيين مقابل إطلاق سراحه،  وقد سلم في نهاية يناير/كانون الثاني 2002 نحو 15 شاحنة محملة بالأسلحة، بما في ذلك حوالي 400 صاروخ مضاد للطائرات سبق أن أخفتها طالبان في أراضي قبيلته. 

راود الأمل الأمريكيين في أن يقودهم الحاج بشير إلى القبض على الملا عمر والتعرف على الشبكة المالية لطالبان والقاعدة،  لكن مع انزعاجه من غدر الأمريكيين بمتوكل وعدم وفائهم بتعهداتهم غادر بشير إلى باكستان، وبدأت واشنطن في استخدام المعلومات المتوافرة عن  انخراطه في زراعة المخدرات للإيقاع به، وأطلقت عليه لقب بابلو إسكوبار الأفغاني، ووجهت له لائحة اتهام سرية في عام 2004، ورتب معه عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي سلسلة من الاجتماعات في باكستان ودبي، ثم استدرجوه إلى نيويورك في أبريل/نيسان 2005 بعد تقديم وعود له بعدم القبض عليه، ولكنهم اعتقلوه بعد أسبوعين من المحادثات معه في أحد الفنادق، ووجهت له اتهامات بتصدير مخدرات بنحو 50 مليون دولار إلى الولايات المتحدة في أواخر التسعينيات، وحُكم عليه لاحقاً بالسجن مدى الحياة. ولكن مع إصرار طالبان على الإفراج عنه لدوره في تمويلها عند بداية تأسيسها، نجحت في تحقيق مساعيها بعد رفضها طوال عامين الإفراج عن المهندس الأمريكي مارك فريريش سوى مقابل الحاج بشير، وبذلك أسدل الستار على ملف بشير نورزاي، الذي ظل يوتر العلاقات الأفغانية الأمريكية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مولانا
باحث في الشئون السياسية والأمنية
باحث في الشئون السياسية والأمنية
تحميل المزيد