تدهور حقوقي ونظام يجمع الغنائم.. ماذا جنت مصر من “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/21 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/21 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
مصر - رويترز

في 11 سبتمبر 2022، ومع ذكرى مرور 21 عاماً على هجمات 11 سبتمبر 2001 الشهيرة، التي أسفرت عن تدمير البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي في نيويورك، وضرب مبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، ما أدى لمقتل 2977 شخصاً، مرت الذكرى الأولى لإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر.

مرَّت الذكرى الأولى للاستراتيجية في صمت، وهل يستحق الميت سوى الدفن، وهي ولدت ميتة، وإن رأى البعض ألا يستبق في الحكم عليها، علَّها تبعث أملاً، ولو كان ضئيلاً، وتوُجِد سبيلاً للضحايا، ولو كان ضيقاً.

في ختام كلمته في حفل التدشين الباهت أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2022 "عاماً للمجتمع المدني"! لكن العام -كما كل وعوده- شهد انهياراً مروعاً في حالة حقوق الإنسان إذا ما قورنت الانتهاكات بالأعوام السابقة له، وبقيت نظرة الرئيس لمواطنيه المعتقلين باعتبارهم أسرى أو مجرد أوراق للتفاوض مع حكومات الخارج الغربية حول المساعدات والمعونات.

لم تتوقف في عام 2022 الاعتقالات، والإخفاءات القسرية، والانتهاكات، وآخرها السيدة رباب الصباحي محمود (33 سنة)، مصابة بحالة متأخرة من الصرع، وزوجة معتقل يقبع في سجنه منذ 2014، لم تجد القوات شقيقها المطلوب أمنياً، فقررت اعتقال الأم الطاعنة في السن، فأغشي عليها، فاعتقلت ابنتها (33 عاماً)، رغم صراخ طفلتها، وحالتها المرضية، وظلت 5 أيام "رهينة" لدى الأمن الوطني في المنصورة، قبل أن تُعرض على نيابة أمن الدولة العليا، ويتم تقنين اعتقالها، بورقة ممهورة بتوقيع النائب العام، محامي الشعب -سابقاً- الذي تخلى طوال 10 سنوات عن شعبه وعدالته، وبات مقصلة للقتل والحبس والموت والتعذيب بلا رحمة ولا وجل.

هذه صورة مصغرة لا تعبر عن واقع ممتد وأفق أسود يبحث التائهون فيه عن متنفس وذرة هواء في الحرية، صورة معتمة لن تشير إليها صحيفة ولا وسيلة إعلامية موالية، مع تأميم المجال الإعلامي والسياسي والحقوقي الرسمي بقوة وغشم.

معركة صفرية

رغم إطلاقه الاستراتيجية لا زال الرئيس الذي جاء ووصل للحكم عبر انقلاب عسكري، يعتقد أن الشعب يجب أن يدفع فاتورة "25 يناير" حتى الأبد سياسياً واقتصادياً وحقوقياً، ولا يُخفي أن الانتهاكات هي السبيل للاستقرار، فكل ما تعلمه طوال سنوات عمره الـ 70 ومن درس سلفه المخلوع حسني مبارك، أن الانفتاح والتسامح يعنيان التمرد والثورة والإطاحة بالنظام وخلع الحاكم، وكأنهما متضادان في معركة صفرية لا يجتمعان.

حتى تبييض الصورة التي أرادها النظام بدايةً من وراء استراتيجيته نساها، وكأنها كانت لحظة النهاية للجدل الذي أثير عن حقوق الإنسان، وانتهت معها مجموعة الحوار الوطني بدورها الخارجي الواضح وتبريراتها التي تبدو أقرب للمنطقية: "تتعامل مع ما هو متاح".

كانت ضمن أهداف الاستراتيجية أيضاً تقنين الخطاب التبريري، ليظهر موحداً، وتفعيل التعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، للحصول على أشكال الدعم الفني والمالي المتاحة الذي ُيفترض أنه كان يُقدم للجمعيات والمنظمات الأهلية المستقلة، وفي بناء القدرات والتدريب، وهي أهداف نُسيت وتم تجاوزها بسبب عدم عقلانيتها أو انشغال النظام بأزماته الاقتصادية الداخلية عنها.

خلال عام من تدشين الاستراتيجية وقعت بعض الأحداث والمستجدات الهامة، منها:

  • ظهرت "تسريبات ديسكلوز".. والتي كشفت عن جريمة كبرى مخفية، لن تطال توابعها النظام المصري بمفرده وحسب، ولكن ستسحب معه فرنسا قلعة الحريات، لتضع رقبتها ونظامها وقضائها في الوحل، بعد تسريب مئات الوثائق الرسمية الفرنسية السرّية التي تكشف أن باريس قدّمت معلومات استخباراتية للسلطات المصرية "استخدمتها القاهرة لاستهداف مهرّبين عند الحدود المصرية – الليبية بالقتل، وليس جهاديين بخلاف ما هو متّفق عليه".
  • تم إخفاء سائح فرنسي على مدار عام كامل خضع خلاله للإخفاء القسري، وحتى بعد عودته لبلاده لم يجرؤ على البوح والكشف عن تفاصيل ما تعرض له حتى اللحظة.
  • الاستمرار في اعتقال رجال الأعمال الذين يرفضون التخلي على أصول شركاتهم أو جزء منها، بالقوة للسلطة.
  • استمرار الإزالات ونزع آلاف المواطنين من مساكنهم وأحيائهم، تحت سيف قانون المنفعة العامة المعيب، من إجل إنشاء طريق أو كوبري يخدم فئات بعينها، حتى الأموات لم يتجاوزهم القانون وساوى في الانتهاكات بينهم وبين الأحياء، ولم يحترم صمتهم. 
  • بدأ النظام يبرر أفعاله في خطاباته الخارجية ويساوم الغرب: "أنا مسؤول عن إحياء 100 مليون نفس والحفاظ عليهم، وهذا أمر ليس باليسير"، "هل أنتم مستعدّون كأصدقاء أوروبيين ودول مهتمة بحقوق الإنسان أن توفروا لنا ذلك؟ مستعدّون لتوفير توأمة جامعات مصرية مع جامعتكم المتقدّمة لتقديم نوع من التعليم الجيد"؟

تقنين المساومات والمواءمات

خلال العام المنصرم نجح النظام أيضاً في تحويل قضية السجون والمعتقلين من قضية رأي عام معقدة ومتشابكة، إلى ملفات فردية مجزأة ومفتتة، ما سمح له بحيز كبير من المناورة وخفف من وطأة الضغوط التي يتعرض لها ومنحه المزيد من الوقت،  فافرج عن المعتقلين الأمريكيين في صمت، في ظل تفاهمات مع الإدارة الأمريكية، ظل بعضها سراً بمنأى عن تناول وسائل الإعلام.

كما أفرج عن الناشط الفلسطيني المصري رامي شعث بطلب من الرئيس الفرنسي، مقابل تنازله عن جنسيته ومغادرته البلاد وصمته الذي فشل في تأمينه، بعد أن فضح الناشط ما يجري في السجون من انتهاكات، وكشفه أسباب اعتقاله، وتهديده بأقاربه الموجودين في مصر حال علا صوته، كما تم الإفراج عن السيدة علا القرضاوي بضغوط قطرية بينما استمر الاحتفاظ بزوجها أ/ حسام خلف كرهينة مقابل اختفائها، كل ذلك تحت شعار "تخلى عن جنسيتك تكن حراً".

الغرب لا يتعلم

بعد حجب 130 مليون دولار من أموال المساعدات، تقول وزارة الخارجية الأمريكية إنها طرحت أمام المسؤولين المصريين ما وصفته بالقلق العميق بشأن قضايا حقوق الإنسان، مشيرة إلى أن الاعتقالات السياسية في مصر تمثل "تحدياً هائلاً"!

هذا الكلام يتكرر منذ ولجت الإدارة الأمريكية البيت الأبيض، هذه المرة أكدته بمنحة قدرها 170 مليون دولار!

الاتحاد الأوروبي نفسه يفكر في دعم النظام، وتؤكد المديرة التنفيذية للبنك الأوروبي للإعمار والتنمية، هايكة هارمغارت، أنه تقرر تقديم دعم لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار لتعزيز عمليات التحول الأخضر والتخلص من محطات الطاقة القديمة والمساهمة في مشروع جديد لطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وذلك بالتزامن مع قمة المناخ التي سيمنع المتظاهرين بالقوة من دعمها والتعاطي معها!

وكأنهما يقولان للنظام لا ضغوط، استمر على ما أنت عليه وهاتِ ما في وسعك، هذه حدودنا في التعاطي معك، كلام مجرد من الضغط، مع مكافآت مالية.

الشيء الحقيقي الوحيد الذي عبرا عنه – ربما – هو وجود قلق.. هذا التعبير المصمت والواهن وغير الجدي لن يجدي… يجب تعديل السياسات، ومنع تقديم أي دعم إلا بشرط وجود تغيير استراتيجي حقيقي في التعامل مع ملفات حقوق الإنسان . وأن يكون الحديث عن جذور سياسات أفضت لاعتقال عشرات الآلاف من السياسيين وسجناء الرأي، لا عن قضايا فردية، ويكون العائد الإفراج عن العشرات أو هذا وذاك. 

كما يجب رفع القيود المفروضة على المجال العام، والسماح للبشر بالتنفس، والعمل، والتحدث دون خوف من الاعتقال. لا بد من تغيير قوانين الحبس الاحتياطي والتظاهر، والاستماع إلى المنظمات المستقلة.

تقديم صكوك غفران على بياض للنظام، سيُقابل بالمزيد من الوعود التي لا تتحقق وإفراجات ورقية يقابلها اعتقالات مضاعفة، ولجان عفو وحوار ينبثق عنها لجان، لتظل ورقة السجناء بعمر النظام كما هي، يبتز بها العالم بأسره كيفما يشاء وقتما يشاء.

تقول الاستراتيجية الوطنية في عامها الأول إن العالم يستمر لعام آخر في السقوط الأخلاقي.. فيما النظام الذي ولد قاتلاً بلا أخلاق لا يتوقف عن تحقيق وجمع المكتسبات، بينما معارضيه في السجون الحصينة، الأوفر حظاً منهم يخرج لقبره والباقي يلقى التعذيب والتعنت ويتعرض للانتهاكات وفى النهاية يوصي أهله مع انقطاع الأمل بفتح أبواب العزاء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مفرح
حقوقي مصري و مدير تنفيذي لـ (committee for justice) في جنيف
حقوقي مصري و مدير تنفيذي لـ (committee for justice) في جنيف
تحميل المزيد