80 تلميذاً بالفصل وأعداد المعلمين تتناقص.. كيف تسببت الحكومة المصرية في كارثة تعليمية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/18 الساعة 08:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/18 الساعة 08:47 بتوقيت غرينتش
تلاميذ المدارس في مصر/ Shutterstock

أشارت بيانات مركز معلومات وزارة التربية والتعليم بمصر إلى بلوغ عدد الطلاب 25 مليوناً و62 ألف طالب خلال العام الدراسي السابق 2021/2022، موزعين ما بين 22.5 مليون طالب بالمدارس الحكومية و2.6 مليون طالب بالمدارس الخاصة، كما بلغ عدد المدارس 59 ألف مدرسة موزعة ما بين 49 ألف مدرسة حكومية، وأقل من عشرة آلاف مدرسة خاصة. 

وبلغ عدد المدرسين 988 ألف مدرس موزعين ما بين 874 ألف مدرس بالتعليم الحكومي و114 ألفاً بالتعليم الخاص، وهي الأرقام التي تشير إلى استحواذ التعليم الحكومي على نسبة 90% من عدد الطلاب، و83% من عدد المدارس و85% من عدد الفصول الدراسية ونسبة 89% من عدد المدرسين. 

ومن هنا فسوف نستعرض واقع التعليم الحكومي الأكثر استيعاباً لغالب الطلاب، والأكثر تناسباً مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية لغالبية الأسر، حيث يتطلب الالتحاق بالتعليم الخاص مصروفات دراسية أعلى، تختلف باختلاف الشرائح الاجتماعية ونوعيات تلك المدارس الخاصة، والتى تبلغ أقصاها بالمدارس الدولية التي لا تستطيع سوى شريحة محدودة من المجتمع الوفاء بمصروفاتها الباهظة والتي تكون بالدولار غالباً. 

ورغم أن وزارة التربية والتعليم وهي الوزارة المسؤولة عن التعليم قبل الجامعي بمراحله المختلفة، بداية بمرحلة ما قبل التعليم الابتدائي مروراً بالتعليم الابتدائي والإعدادي إلى الثانوي بتخصصاته المختلفة، تحظى بأكبر موازنة بين الوزارات الحكومية الأربع والثلاثين، إلا أن ذلك يرتبط بكبر عدد العاملين بها بالمقارنة بأية وزارة أخرى، وهو العدد الذي بلغ 1 مليون و297 ألف موظف، موزعين ما بين 873 ألف مدرس و424 ألف مدير وموظف وعامل. 

75% من موازنة التعليم للأجور 

وهكذا تستحوذ أجور العاملين بالتعليم دائماً على النصيب الأكبر من الموازنة المخصصة للوزارة، حيث بلغت النسبة 75% بختام موازنة عام 2019/2020، إلى جانب مستلزمات أداء العملية التعليمية التي تستحوذ على حوالي 7% من المخصصات، بحيث لا يتبقى سوى أقل من 17% للاستثمارات التي تتجه لبناء فصول دراسية جديدة، لاستيعاب الزيادة السنوية في عدد الطلاب نتيجة زيادة عدد السكان، ولهذا ظلت تلك الاستثمارات لسنوات طويلة تقل عن الاحتياجات المطلوبة من الفصول الجديدة.

مما دفع المدارس إلى زيادة كثافة الفصول الدراسية، حتى تجاوزت الثمانين طالباً ببعض مدارس محافظتي الجيزة والإسكندرية، وهو ما يحول دون إمكانية استيعاب الطلاب للدروس، أو إمكانية تفاعل المدرسين معهم خلال الحصص، أو حتى تحقيق انضباط العملية التعليمية في ظل الضجيج الناجم عن زحام الفصول، وإمكان انتقال العدوى من الطلاب المصابين بالأمراض إلى زملائهم، وبما يساهم في زيادة معدلات التسرب من التعليم نتيجة عدم تواؤم الكثيرين مع تلك الظروف التعليمية غير الطبيعية. 

ومع قلة عدد المدارس اضطرت الإدارات التعليمية بالمحافظات، لتعدد الفترات الدراسية داخل المدرسة الواحدة خلال اليوم الواحد، مما تطلب تقليل زمن الفترة الدراسية وبالتالي تقليل زمن الحصص، مما يقلل من كفاءة العملية التعليمية، إلى جانب إلغاء حصص الأنشطة كالتربية الرياضية وغيرها. 

وتشير البيانات الرسمية إلى بلوغ معدل كثافة الفصول بالتعليم الابتدائي الحكومي بالعام الدراسي الأخير 55 تلميذاً بالفصل، وكان هذا المعدل قد بلغ أقل من 45 تلميذاً بالفصل قبل تولي الجيش السلطة في يوليو/تموز 2013، لكنه في ضوء نقص الاستثمارات المالية المخصصة لبناء فصول دراسية جديدة، تستوعب الطلاب الجدد للحفاظ على هذا المعدل.

70 تلميذاً بالفصل بمحافظة الجيزة 

 ارتفع معدل كثافة الطلاب تدريجياً بمرور السنوات حتى بلغ 55 تلميذاً كمعدل متوسط لعموم المحافظات، ويزيد العدد عن ذلك ليصل إلى 70 تلميذاً بالفصل الابتدائى بمحافظة الجيزة، و63 تلميذاً بمحافظة الإسكندرية و62 تلميذاً بمحافظة القليوبية و59 تلميذاً بمحافظة القاهرة، حيث تظهر مشكلة نقص الأراضي اللازمة لبناء المدارس وارتفاع قيمتها بحضر تلك المحافظات. 

وفي مدارس التعليم الإعدادي بلغ متوسط كثافة الفصل على مستوى المحافظات 50 تلميذاً بالعام الدراسي الأخير، وكان هذا المعدل أقل من 42 تلميذاً بالفصل قبل تولي الجيش السلطة، لكنه استمر بالارتفاع خلال السنوات الماضية، وتجاوزت بعض المحافظات المتوسط العام للبلاد بالتعليم الإعدادى الحكومي، ليصل إلى 66 تلميذاً بمحافظة الجيزة و56 تلميذاً بالإسكندرية، و54 تلميذاً بمحافظة القاهرة و53 تلميذاً بمحافظة الفيوم. 

وامتد ارتفاع كثافة الفصول إلى التعليم الثانوي ليصل المتوسط العام للبلاد بالعام الدراسي الأخير، للتعليم الثانوي العام الحكومي إلى 43 طالباً مقابل 39 طالباً قبل تولي الجيش السلطة، و47 طالباً بالثانوي الزراعي مقابل أقل من 38 طالباً قبل تولي الجيش، و47 طالباً بالتعليم التجاري مقابل أقل من 38 طالباً قبل تولي الجيش. 

28 ألف فصل مطلوبة سنوياً 

وكان وزير التعليم السابق طارق شوقي قد صرح في نهاية العام الماضي، بأن هناك احتياجاً سنوياً لبناء 28 ألف فصل دراسي، لاستيعاب الطلاب الجدد الداخلين لمراحل التعليم، بخلاف الحاجة لعدد آخر لتقليل مشكلة ارتفاع كثافات الفصول المتراكمة عبر السنوات الماضية. 

وهاهي بيانات مركز معلومات التعليم تشير إلى إضافة 16 ألف فصل دراسي جديد بالعام الدراسي الأخير، أي حوالي نصف ما حدده الوزير لاستيعاب الداخلين الجدد للمدارس؛ وبالتالي عدم بناء فصول لتقليل مشكلة الكثافات المرتفعة، ويعد الرقم الذي تم لتلك الفصول والبالغ 16 ألف فصل دراسي هو أعلى رقم سنوي منذ تولي الجيش السلطة.

 حيث تراوح العدد السنوي خلال السنوات التسع الماضية، ما بين عشرة آلاف كأعلى رقم، وأقل من أربعة آلاف فصل كأقل رقم، كما شهدت إحدى السنوات نقص العدد الإجمالي نتيجة استبعاد عدد من الفصول بسبب تهالكها البنائي أعلى مما تم بناؤه بتلك السنة.

مما دعا الكثيرين للمقارنة بين تخصيص ميزانيات لا تكفي لبناء الفصول، والدخول في مشروعات أقل جماهيرية مثل بناء عاصمة جديدة متخمة بأبراج ومظاهر ترف لا تتسق مع العجز المزمن بالموازنة، والتي تتخذه السلطة كمبرر لتلك المخصصات غير الكافية للتعليم قبل الجامعي، والتي لم تفِ في أي من السنوات التسع الماضية بالحد الأدنى الذي حدده دستور 2014، والبالغ 4% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. 

ويتوقع استمرار مشكلة نقص الفصول الجديدة عن الوفاء باستيعاب الداخلين الجدد للتعليم أو تقليل مشكلة الكثافات العالية، بسبب عدم المواءمة ما بين زيادة مخصصات بناء الفصول الجديدة بالموازنة المحددة من قبل وزارة المالية، وارتفاع تكاليف البناء نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء خاصة حديد التسليح والأسمنت وكذلك لأراضي البناء، حيث بلغت تكلفة بناء الفصل الواحد على أقل تقدير نصف مليون جنيه.

عجز حاد بأعداد المعلمين 

 بينما خصصت وزارة المالية لهيئة الأبنية التعليمية، وهي الهيئة المسؤولة عن بناء الفصول الجديدة، وصيانة الفصول القديمة المتهالكة بالعام المالي الأخير 2021/2022 نحو 7.4 مليار جنيه، مقابل 10.8 مليار جنيه بالعام المالي الأسبق، وبالطبع لا تذهب كامل القيمة المخصصة لهيئة الأبنية التعليمية لبناء الفصول، حيث تتجه نسبة منها لأجور العاملين بالهيئة ونسبة أخرى لشراء المستلزمات الخاصة بالعمل الإداري، ليتبقى نحو 6 مليارات و526 مليون جنيه، تكاد تكفي لبناء حوالي 13 ألف فصل جديد. 

المشكلة الثانية الرئيسية التي تعاني منها المدارس الحكومية هي نقص عدد المدرسين، حيث لا يتم تعويض عدد الخارجين إلى المعاش بعدد بديل منذ سنوات، امتثالاً لمطلب صندوق النقد الدولي بتخفيض عدد الموظفين بالحكومة، وهكذا بلغ عدد المدرسين بالعام الدراسي الأخير 874 ألف مدرس بنقص 23 ألف مدرس عن العام الدراسي الأسبق.

استمراراً للنقص في عدد المدرسين خلال السنوات الدراسية الأربع الأخيرة، والتي انخفض العدد خلالها بأكثر من 73 ألف مدرس، بمتوسط سنوي أكثر من 18 ألف مدرس. 

وكان وزير التعليم السابق قد حدد حجم العجز في عدد المدرسين بنحو 323 ألف معلم، بخلاف من خرجوا للمعاش بالعام الدراسي الأخير، بينما أعلنت الحكومة عن عزمها تعيين 30 ألف مدرس، بداية من العام الدراسي الجديد والذي سيبدأ أول الشهر القادم، وتكرار تعيين نفس العدد لمدة خمس سنوات ليصل العدد الذي ستتم إضافته إلى 150 ألف مدرس، وهو ما يعني أن العدد الجديد أقل من نصف العجز الذي كان موجوداً بالعام الدراسي الأخير وحده.

وخلال السنوات الخمس المقبلة سيخرج عدد كبير من المعلمين الحاليين إلى المعاش، كما سيزيد عدد الملتحقين بمراحل التعليم؛ نتيجة زيادة السكان خلال تلك السنوات، مما يعني استمرار مشكلة نقص المعلمين خلال السنوات المقبلة، بما لها من تأثير سلبي على جودة العملية التعليمية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ممدوح الولي
كاتب صحفي وخبير اقتصادي
كاتب مصري وخبير اقتصادي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقاً.