مؤسسات حكومية تتفرّج وطائفية سياسية تحكم.. ما الذي أوصل العراق إلى هذه الحالة من “اللانظام”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/02 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/02 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
مسلحون من ميليشيات مقتدى الصدر يعتلون مركبة محترقة لقوات الأمن العراقية/ رويترز

مشاهد الاشتباك المسلح بين القوى العراقية في المنطقة الخضراء في بغداد، فعلّت ذاكرتنا بشكل غير مسبوق حول مشاهد العنف والحرب الأهلية في كل من العراق ولبنان. نتج عن هذه الاشتباكات الجديدة ما يقارب من 30 قتيلاً وأكثر من ألف جريح بين المدنيين والقوات الأمنية. ولكن النتيجة الخطيرة التي أصبحت جلية للجميع هي تهميش دور المؤسسات الحكومية وعدم قدرتها على السيطرة على الأوضاع، إذ وقفت قوى الأمن والجيش العراقي موقف المتفرج من هذه الاشتباكات وهذا إن دل على شيء فهو يدل على هشاشة النظام السياسي العراقي ومؤسساته. وهنا لا بد من طرح سؤال محوري وهام هو: ما الذي أوصل العراق إلى هذه الحالة من اللانظام؟ وما هي الوصفة السحرية التي يمكن تقديمها للعراقيين قبل أن تعود الأزمة إلى الواجهة مرة أخرى؟

في التاريخ الحديث، افتقر العراق إلى الأمن والأمان منذ غزو القوات المحتلة الأمريكية له، فلم يكن الهدف صدام حسين كما تدّعي القيادات الأمريكية ولم يكن الهدف أسلحة الدمار الشامل التي لم يجدوا لها أي أثر في العراق، وإنما الهدف كان عبارة عن نشر الفتنة الداخلية في العراق. العراق الذي امتلك في يوم من الأيام رابع أقوى جيش على مستوى العالم وأصبح يهدد بشكل واقعي الكيان المحتل والمصالح الأمريكية المباشرة.

عند محاولة تحليل أي حدث في العراق عليك العودة إلى عملية التجويع الممنهج للشعب العراقي بعد التسعينيات والتي اعتبرت مرحلة تمهيدية لغزو العراق عسكرياً وتحويله إلى دولة فاشلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

لتحقيق المشروع السابق، كان لا بد على المحتل أن يقوم بحل الجيش العراقي (الهدف الأول) وبالفعل فما هي إلا أشهر وأعلن بول بريمر (الحاكم الفعلي للعراق آنذاك) حل الجيش العراقي بشكل كامل ومن ثم قاموا بتهميش هذا الجيش ومن بعد ذلك عملوا على ترسيخ مفهوم الطائفية وقاموا بتوزيع المؤسسات الحكومية والمناصب العليا على أساس الطائفة وليس على أساس الكفاءة.

إن كل ما يشهده العراق اليوم من مآسٍ هو نتيجة المشاريع المتلاحقة للاحتلال الأمريكي، هذه المشاريع التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه. وبالطبع فإن هذا المشروع تم استنساخه من التجربة اللبنانية القائمة على المحاصصة السياسية بين الطوائف.

لم يتخلَّ الغرب يوماً عن عقليته الاستعمارية القائمة على مبدأ "فرّق تسُد"، وإنما قام بتغير الشعارات وحسب، وبناءً على هذا فقد تم تحويل مفاهيم الاستعمار والاحتلال إلى مفاهيم نشر الحرية والديمقراطية والليبرالية، وبهذا أصبح تفتيت الدول والأنظمة أمراً أسهل نوعاً ما، فبدلاً من الاستعمار والاحتلال المباشر الذي سيقابل بمقاومة شعبية تلحق الخسائر بالمعتدين، استُحدث الدفع نحو الحروب الأهلية وتفتيت الدولة من الداخل وبواسطة أبنائها.

في الحقيقة ليس مهماً أبداً من اصطنع الأزمة في العراق ومن قام بتأجيجها. الأزمة الحقيقية هي أزمة هوية واحترام المؤسسات والتوجه نحو بناء الدولة التي تمثل كافة أطياف أبنائها وتحمي مصالحهم الوطنية. يكفي الشعب العراقي تمزقاً وتشتتاً وعليهم جميعاً أن يتأملوا الحالة اللبنانية والعراقية للوصول إلى الوفاق الوطني.

يتم نهب ثروات العراق بشكل يومي ويتم توظيفها في خدمة المصالح الأمريكية، ففي الوقت الذي تحتاج أوروبا والولايات المتحدة إلى نفط العراق فإن عملية نقل هذا النفط إلى الغرب تصبح سهلة وسلسة ولا معرقلات تقف أمامها، وفي غير هذه الأوقات تصادر الخزانة الأمريكية أموال العراقيين وتمنع عودة هذه الأموال إلى البنك المركزي العراقي.

كما يمنع العراق من استيراد الكميات المناسبة من الغاز والكهرباء من إيران وذلك بطريقة غير مباشرة عبر العقوبات الأمريكية على نظام الدفع العراقي كما يمنعون العراق من محاولة جذب الشركات الغربية كالشركة الألمانية "سيمنز" وذلك كي يعيش العراق في ظلام دامس ويبقى متخلفاً عن ركب التنمية. بينما تروّج السفارة الأمريكية الضخمة والمحمية بنظام دفاع جوي (على أرض عراقية) بالمثلية والشذوذ الجنسي تماماً كما تفعل في لبنان.

هناك مشتركات عديدة في الحالتين العراقية واللبنانية ليس آخرها التجسس على قوات الجيشين وتحويلها لإسرائيل أو الاستفادة منها في عملية زعزعة الاستقرار في كلا البلدين وتحويلهما إلى دول توابع للرغبات الأمريكية.

لا نعتقد بأنّ الأزمة انتهت وذلك على الرغم من الانسحاب من ساحات التظاهرات أو المؤسسات الحكومية. ونحن نبني اعتقادنا هذا على أدلة تتعلق بأن محاور الأزمة الرئيسية لم تتغير، ولذلك ما حدث هو عبارة عن تأجيل للمواجهة أو تأجيل للأزمة.

إن الحل الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم هو أخذ العبر من التجارب السابقة والدعوة لعقد مؤتمر وفاق وطني وتغليب المصلحة الوطنية العراقية على مصالح الأحزاب والفرقاء السياسيين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حامد أبو العز
باحث سياسي فلسطيني
باحث سياسي فلسطيني
تحميل المزيد