لم تعد الصورة النمطية للمثلي المتقصّع في المشية والكلمة والضحكة، مستساغة ولا مقبولة في الإعلام والدراما العربية على وجه الخصوص، والعالمية بشكل عام، لم يعد سلوكه مستهجَناً ولا مرفوضاً، بل لم تعد هذه الصورة التي كانت تتعمد إظهاره بوضع غير طبيعي ولا فطري مطلوباً وجودها في الدراما أصلاً، بل صارت الصورة التي تم تعميمها على كافة الأفلام والمسلسلات ووسائل الإعلام كالتالي: رجل مكتمل الرجولة (ظاهرياً فيما يبدو)، متأنق بالبدلة وربطة العنق، ذو شخصية قوية لافتة للنظر، متحدث لبق، يعتلي المناصب، ويلج إلى النجاح من أوسع الأبواب.
كيف اختفت الصورة التقليدية للمثلي (الأقرب إلى الواقع) من الدراما؟ ولماذا اختفت؟ هل لأنها لم تعد موجودة في الحياة اليومية؟ هل حدثت طفرات جينية في التكوين البيولوجي للمثليين المعاصرين؛ فجعلتهم أكثر فحولة من ذي قبل؟! هل حدث ذلك فقام الإعلام مشكوراً بنشر ذلك، وتصحيح الصورة الذهنية الخطأ عن مجتمع المثليين الطاهر البريء؟!
الإجابة تقبع في الحفلات الخاصة، والمناسبات العامة للمثليين، والمظاهرات التي يخرجون فيها مطالبين بالاعتراف بهم، الصورة لا تزال كما هي، الصبي المتقصّع في المشية والكلمة والضحكة، كما صورته الدراما المصرية على وجه الخصوص، الصورة بحذافيرها ستراها في هذه الحفلات البشعة، ويكفي أن تشاهد أحد المقاطع التي ينشرها المحتفلون بـ"شهر الفخر" مثلاً لتفاجأ بأن هذه الصورة القديمة المنطبعة في ذهنك لا تزال موجودة بحذافيرها، فقط حاول أن تبتعد قدر الإمكان عن المقابلات المتلفزة للقنوات التي ترعى مثل هذه الفعاليات؛ لأنها تجتهد في تجميل الصورة. شاهد الفيديوهات الحية وسترى عجباً.
أما الحفلات الخاصة التي تتسرب بعض جوانب منها، فحدِّث كما تشاء، فالمشاهد فيها بلا أي نوع من أنواع التحفظ الذي يراعى في الحفلات العامة. كمٌّ كبير من التناقضات البصرية والسمعية لا يمكن إغفاله، (هذا فضلاً عن مظاهر الانحلال التي لا يتسع المقام هنا للحديث عنها)، يمكنك سماع أصوات غير متراكبة ولا متناغمة مطلقاً مع صور الشخوص التي تراها، وحتى على مستوى الوحدة البصرية الواحدة، قد تفاجأ بقدر كبير من التشويش حينما تشاهد رجلاً ذا لحية كثة قرر فجأة أن يلوّن وجهه بالأصباغ النسائية الفاقعة، وأن يلبس تنورة نسائية قصيرة تُظهر شعر ساقيه الكثيف المشعث الكائن فوق حذاء نسائي أحمر صارخ بكعب عالٍ! سوف تراه يتجول في الساحة متقصّعاً بكعبه العالي، يوزع القبلات النسائية بأطراف أصابعه على الرائحين والغادين! فما هذا العبث؟!
العامل المشترك في هذه الحفلات هي حالة الحيرة التي تستطيع أن تستشفها في عمق عيون هؤلاء، فكثير منهم لا يعاني سوى من إشكالات نفسية بسيطة ضخّمتها الآلة الإعلامية المجرمة، التي زرعت في عقولهم الباطنة هذه الأفكار المسمومة، وجعلت منها شيئاً عادياً. لذا سترى كثيرين منهم يمارسون بأجسادهم شيئاً لا تقبله روحهم، فيشعرون بالتناقض والارتباك والتوتر.
ما حدث هو أن هذه الصورة النمطية لم تعد ملائمة للتوجه العالمي الجديد الذي يرى غير الطبيعيين هؤلاء أناساً طبيعيين جداً ومتوائمين مع الطبيعة الإنسانية، لذا كان لابد من إظهارهم بمظهر البشر الأسوياء، وهم ليسوا كذلك.
الأمر أشبه ما يكون بإضفاء صفة العقل والحكمة على مجتمع المصابين بالذهان في مستشفيات الأمراض العقلية، ورفع لافتة على عنبرهم تسمّيه عنبر الحكماء، ونشر ذلك في الجريدة الرسمية، لا على سبيل السخرية والإضحاك، ولكن على سبيل الحقيقة والواقع. وهذا قمة التهريج المعرفي والتدليس العلمي. فلا عنبر المجانين صار عنبراً للحكمة والعقل، ولا المثليون صاروا طبيعيين على الفطرة.
نعود للصورة الحالية للمثلي في الدراما المعاصرة والإعلام؛ التي أصبحت تتعامل بصورة مركزة مع اللاوعي الجمعي للعامة، والعبث بهم وبمعتقداتهم التي رسختها التجارب الواقعية التي خاضها الناس مع أشباه هذه النماذج، فهي مشاهدة وموجودة بينهم، وإن كانت نادرة، فضلاً عن الموقف الديني والعلمي والنفسي من هذه الحالات والحالات المشابهة، غير الخاضع للضغوط العالمية المشبوهة.
هذه الصورة الجديدة التي أخذت وسائل الإعلام والمنظمات العالمية على عاتقها نشرها لا تنقل الواقع المعيش لهؤلاء، وإنما تروج لنمط آخر من المثلية يعتمد على الممارسة المحرمة والميل إليها، دون أن تصحبه معاناة بيولوجية أو نفسية لدى الشخص المثلي، فالصورة الجديدة تقول إنه مجرد رجل ارتأى فجأة أن يمارس الجنس مع رجل آخر؛ لأنه يحب ذلك ويميل إليه، فقط، وبلا أي مبرر آخر. (أو امرأتين بالطبع).
والأنكى من ذلك هو منح هذه الممارسة صك الشرعية والاعتراف العالمي بحقها في الوجود، وترويج أنها متوافقة مع الطبيعة البشرية، التي اكتشف المثليون فجأة أن الأجناس البشرية صارت الآن ثلاثة (ذكر وأنثى ومثلي) بفعل التطور العلمي والطفرة الفكرية العالمية!
لسنا هنا بصدد تفنيد الأفكار الترويجية للمثلية، فهذا قد أُفردت فيه مقالات وكتب وحلقات مصورة كثيرة، لكن الذي يهمنا هنا هو محاولة قراءة وفهم الغرض وراء هذا الترويج الإعلامي اللاهث لهذه الجرائم الاجتماعية.
يحاول الإعلاميون بشق الأنفس عند استضافة شخصيات من هذه النوعية أن يضفوا على اللقاء حالة من السمو والرقي الفكري من جانب، ومن جانب آخر تغذيته بجانب رومانتيكي وعاطفي بين الشريكين الممارسين لهذا الإجرام. لتخرج في المحصلة للمشاهد خلطة مقنعة تماماً، ترسم صورة حالمة لهذه العلاقات المعادية للفطرة.
مثلاً إحدى هؤلاء الفتيات يتميز حسابها على تويتر بنشرها لصورها العارية ومقاطع من حفلات صاخبة تضج بمظاهر الانحلال والسكر، لكنها حينما أتت بصاحبتها التي تشاركها العلاقة الآثمة إلى البرنامج غيرتا من هيئتيهما بصورة كاملة، وارتدتا ملابس محتشمة للغاية، وكان كل حديثهما منصباً حول القبول المجتمعي للآخر في ظل حالات الكبت الأبوي الذي تمارسه الأغلبية المستبدة، والمحاولات المستميتة من المجتمع المتطرف لقتل حالة الحب السامية التي نشأت بينها وبين حبيبتها!
انظر لعمق الأفكار.. قطعاً هذه ليست أفكارهما، وإنما ما أملاه عليهما إعداد البرنامج، وأحسب أن إحداهما لا تستطيع صياغة عبارة واحدة تحتوي على مثل هذا المعنى، كما حدث هذا فعلياً في لقاء مع فتاة أخرى في البرنامج نفسه كانت مليئة باللجلجة والتردد وعدم القدرة على الإيضاح.
حلقة أخرى في البرنامج نفسه كانت مع إمام مسجد مسلم مثلي في دولة أوروبية، تخيل هذه الخلطة! (مسلم – إمام مسجد وليس مجرد متدين – وسيم – طلق اللسان – مهذب ومتقبل لفكر الآخرين)، كل هذه الأوصاف للتلبيس والترويج لفعلٍ من أقبح الأفعال المخالفة للفطرة والعقل والدين، ومحو الصورة النمطية الحقيقية للمثلي، وإعادة تشكيلها بما يتناسب مع التوجهات العالمية الجديدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.