الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل.. تحديات الداخل اللبناني فيما بعد الاتفاق

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/23 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/23 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
هوكشتاين في لبنان/ صفحة الرئاسة اللبنانية

خلال الأسبوع المنصرم شهدت الصالونات السياسية اللبنانية نقاشات متعددة حيال ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل والردود المنتظرة من الوسيط الأمريكي في ملف الترسيم آموس هوكشتاين؛ حيث جرى إرساء أجواء إيجابية من خلال توقعاتها بالتوصل إلى اتفاق قريب على الرغم من أنها لم تحمل جديداً جذاباً يوحي بالشكل النهائي للحل الذي بات مبنياً على الموقف الإسرائيلي من الطرح اللبناني.

قد تكون المرة الأولى منذ أن استأنف هوكشتاين مهمته نهاية يونيو/حزيران الماضي التي يرسل فيها المسؤولون الإسرائيليون رسائل مباشرة وغير مباشرة بهذا السيل من المواقف حول ما هو متوقع من ملف ترسيم الحدود، ما أعاد إلى الأذهان المراحل السابقة التي كانت فيها الساحة اللبنانية مسرحاً للمواقف والنظريات المختلفة قبل توحيد الموقف اللبناني؛ مما هو مطروح في مطلع أغسطس/آب الجاري.

والقيادة اللبنانية المتفقة بالإجماع على موقف واحد بشأن ملف الترسيم البحري مع إسرائيل لن تناقش الأمر أو تطلق موقفاً قبل تسلّمها ورقة مكتوبة تمثّل الردّ الإسرائيلي الرسمي على ما حمله هوكشتاين إلى تل أبيب، لذا فإن الجانب اللبناني بُلغ أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا يتوجه إلى الولايات المتحدة غداً لإجراء محادثات مع مسؤولي ملف الترسيم مع لبنان.

بالتوازي كان السجال المفتوح داخلياً حول تشكيل الحكومة والأسماء المعدلة في تشكيلة ميقاتي المقترحة على رئيس الجمهورية ميشال عون، مسرحاً لتبادل التهم بين رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، حيث لا يشبه السجالات الدائرة حول الترسيم واحتمالية التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، والصراع الحكومي المستمر بين ميقاتي وباسيل لا يبدو أنه يحمل أي مؤشرات للحلّ. أما السجال اللبناني الإسرائيلي فيبدو قادراً على الوصول إلى اتفاق، لكن المسألة ترتبط بالتوقيت الإسرائيلي على مقربة من انتخابات الكنيست وحسابات الأحزاب الإسرائيلية.

لذا فإن الجانب اللبناني حريص على إتمام الترسيم قبيل 31 نوفمبر/تشرين الثاني منعاً لانزلاق عسكري بحري إضافة لأن رئيس الجمهورية ميشال عون يسعى لتحقيق ولو إنجاز أخير من عمر عهده تعيد تعديل صورة المرحلة الرئاسية بعد انهيار البلاد خلال فترة حكمه مع صهره وتياره وتعوِّض الفشل.

كما يريد من هذا الإنجاز النفطي والغازي تأمين ذخيرة سياسية لمرحلة عودة باسيل للسلطة، ولذلك يتمسك عون بفكرة عدم تسليم موقع الرئاسة تحت أي ظرف، ما لم يراعِ نص الدستور ومقام الرئاسة الأولى لجهة عدم تسليم البلاد لحكومة تصريف أعمال، وما لم يراعِ أيضاً تمثيل الفريق المسيحي في شكل صحيح. وهذا يعني، عملياً، التمسك ببقاء الرئاسة في متناول فريقه السياسي، في محاولة للقول إنه لا يزال المسيحي الأقوى في لبنان.

لذا يسعى عون وفريقه إلى الإسراع في إتمام الصفقة البحرية والتي من شأنها أن تخدم تحقيق هذه الأهداف، ما يتيح بدء الاستفادة من الثروة في الغاز والنفط، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي. فأي عهد جديد ينطلق من هذين الإنجازين سيعود إلى ممارسة دور فعال أكبر في مرحلة إعادة تركيب الجمهورية وإعادة تشكيل العقد الاجتماعي، لذا فإن فريق المستشارين الخاص بعون وباسيل يشيرون عليه أنه إذا ما غادر القصر 31 أكتوبر/تشرين الأول، والبلاد غارقة في مستنقع الأزمات المزمنة، فسيكون ذلك ضربة له وللتيار العوني، وسيستغلها خصومه كالقوات والتغييرين والكتائب والاشتراكي وبري لتعميق خسارته وإضعافه سياسياً.

ولذلك، هو يعمل لتجنب هذا السيناريو بأي ثمن معقول، وبالمقابل فإن الرئيس ميقاتي كذلك حريص على إنجاز الترسيم والتشكيل والدخول لبرامج صندوق النقد بهدف تمهيد مرحلة إعادة تكليفه كونه لا بديل سُني عنه طالما الحريري خارج اللعبة.

رئاسياً وأمام دخول البلاد في المهل الدستورية لانتخاب بديل عن عون، لم يوفق حزب الله حتى اللحظة في تعديل موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لإعلان تأييده ترشيح فرنجية. لكن فرنجية لا يزال يراهن على أمرين؛ الأول على الحزب لدفع باسيل بالقبول به، لكن باسيل استغل زيارته للراعي منذ أيام، ليعلن مجموعة من الرسائل وصلت إلى حدّ إلقاء اللوم على حليفه -الحزب- ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتحميلهما مسؤولية دفع البلاد للذهاب إلى الفراغ الرئاسي. والمقصود برسالة باسيل هنا القول إنّه لن يخضع لضغط الثنائي الشيعي في هذا المجال في حال حصوله.

ولأن باسيل بات مقتنعاً أن حزب الله الذي جيّر قوته الانتخابية الكاملة لمصلحة التيار العوني على حساب بقية الحلفاء وتحديداً حلفاء النظام السوري ما أدى لرسوبهم رسوباً مدوياً، لذا فإن باسيل يقول في كل مجالسه أن حزب الله لن يتخلّى بسهولة عن علاقته معه خصوصاً في هذه المرحلة الإقليمية الدقيقة وخاصة أن الأكثرية في البرلمان ليست دقيقة بيد الحزب وحلفائه، لذا فإن باسيل يراهن على حاجة الحزب له، وهو ما يعني أيضاً أن لقدرة حزب الله بالضغط على باسيل حدوداً معينة في هذا الملف بالتحديد.

بل إنّ هنالك من يقول إنّ الحزب الذي كان أعطى كلمته بدعم ترشيح سليمان فرنجية، أعطى في المقابل كلمته لباسيل بأن يكون ممراً إلزامياً للاستحقاق الرئاسي وأن يحظى مرشح الحزب للرئاسة بموافقة باسيل. صحيح أنّ ذلك جعل باسيل مقتنعاً بأن لا حظوظ رئاسية جدّية له، لكنه عزز لديه الاقتناع بأنّه سيكون صانع الرئيس المقبل.

وعليه يجد حزب الله نفسه مضطراً للبحث عن تسوية رئاسية في الداخل بالتنسيق مع الخارج، وعلى الرغم من عدم توافر ظروفها حتى الآن فإنه أعاد فتح قنوات تواصله مع الفرنسيين وهو يحاورهم بشكل منتظم، والحزب يدرك أن السعوديين سيكون لهم كلمتهم في اختيار رئيس الجمهورية ومن ثَم رئيس الحكومة وهو بات محتاجاً لغطاء سعودي-عربي لرئيس حكومة مقبل.

لذلك فإن زيارة المرجع الشيعي عمار الحكيم للسعودية وهو يقيم معظم أوقاته في بيروت ليست تفصيلاً، فالعديد من الأطراف وضعتها في إطار فتح إيران والحزب أكثر من بوابة في علاقتها مع السعودية عبر مراجع وشخصيات سياسية.

لذا فإن حزب الله قد يجد نفسه مضطراً في المرحلة المقبلة ومع إيقاع المصالحات الإقليمية والاتفاق النووي على تقديم تنازلات، وهو يعمل على إعادة تقييم المرحلة المقبلة ودراستها مع حلفائه، ومن ثَمَّ الإعلان عن وثيقة سياسية جديدة تواكب مقتضيات التطورات الدولية والإقليمية المقبلة.

والحزب كان قد أعلن منذ مدة وعلى لسان أمينه العام عن استعداده للانخراط في تكوين الدولة مع الحديث الدائر عن طاولة أوروبية-عربية بالتنسيق مع إيران لإعادة إطلاق عقد اجتماعي جديد للبلاد.

وهذا الأمر يتزامن مع تحضيرات إقليمية لتوقيع الاتفاق النووي وانعكاساته على المنطقة، وتجلى ذلك في اجتماع العلمين بحضور قادة الأردن ومصر والإمارات والعراق، بالمقابل فإن طاولة أخرى ستكون جاهزة لبحث ملفات الإقليم على ضوء الاتفاق النووي وتحديات توقيعه باجتماع تعده قطر لقادة دبلوماسيين وأمنيين لتلافي أخطاء الماضي والاتفاق السابق وإعادة تشبيك الحوارات وتنويعها مع إيران وتركيا.

وعلى الرغم من أن كل المناخات الإقليمية تقود إلى التهدئة والتوافق، فقد تكون هناك فرصة لتجاوز المأزق الآتي في لبنان وانتخاب رئيس يرضي الجميع، وتشكيل حكومة جديدة. وثمة إشارات إلى أسماء تتمتع بهذه المواصفات المطلوبة رئاسياً.

ولكن، إذا كان الاتجاه الخارجي استفزازياً، فإنّ فرص التوافق الداخلي قد تكون ضئيلة، وهنا ستكون المخاوف دون سقف محدد؛ حيث سيشهد الصراع الداخلي على موقع الرئاسة ودور كل من الحكومة والمجلس النيابي اشتباكات سياسية قد تنعكس على الشارع، وسيتجاوز الطابع السياسي إلى الطابع المذهبي، في ظل التصيد الروسي لأي خطأ لخصومه في المنطقة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد