الاتجاه لتعليم الطفل لغة جديدة يعتبر من أهم الأفكار التي تشغل الكثير من الأسر، خاصة في عصر الانفجار المعرفي والثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي نعايشها، وكما أن لتعلم لغة ثانية فوائد متعددة وأهمية كبيرة في الحياة بمختلف جوانبها، فيجب أن ننتبه للهدف من التعلم، والتوقيت المناسب للبدء في التعلم، ومدى تأثير ذلك على تكوين الطفل نفسياً.
في مقالنا الحالي سنعرف معاً السن المناسبة لتعلم الطفل لغة جديدة، وتأثير ذلك على نفسيته، وما الهدف من تعلم لغة جديدة؟ وماذا نفعل إذا كان الطفل ثنائي اللغة؟ وما الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتعليم الطفل لغة جديدة؟
ما السن المناسبة ليبدأ الطفل بتعلم لغة جديدة؟
يفضَّل أن يتم التركيز على اللغة الأم لدى الطفل حتى عمر 5 سنوات، وذلك حتى يتشبع من لغته الأم ويحصِّل أكبر قدر من المعرفة والمصطلحات التي بها، ويكوِّن مخزوناً لغوياً أساسياً سليماً منها، ولا يجب البدء قبل ذلك، حيث ورد في تقرير "منظمة اليونسكو" أن لدى الطفل العربي 3000 مفردة لغوية وأغلبها عامية، بينما الطفل الغربي لديه 16000 مفردة من حصيلته اللغوية، ونجد أثر هذا الفرق واضحاً بين الأطفال في الطاقات والإبداعات، لذا يجب ألّا يكون تعرض الطفل للغة ثانية إلا بشكل طفيف -أي مجرد تعرف فقط عليها- أو المنع التام، والتركيز التام والأكبر على لغته الأم، ومن ثم يمكنه البدء بتعلم لغة ثانية من عمر السادسة، ويمكن البدء باللغة الإنجليزية لكونها لغة عالمية وعلمية.
هل الأفضل تعلم العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية، أم العربية؟
يفضل تعلم العلوم، وخاصة الرياضيات باللغة العربية؛ لأن العمليات العقلية التي يقوم بها الطفل أثناء الرياضيات أهمها "ترجمة اللغة والعملية الحسابية"، لذلك يجب أن تظل لغته الأم هي لغة "الخطاب العقلي" الخاص به.
هل تعلُّم لغة ثانية يؤثر على المكون النفسي للطفل؟
بالطبع، فإن تعلم لغة جديدة يؤثر على المكون النفسي للطفل، ولكن هذا التأثر قد يكون إيجابياً عندما تكون البيئة الأسرية والمدرسية داعمين للطفل، وقد يكون التأثير سلبياً عندما لا يتوفر هذا الدعم أو يعنف الطفل في المدرسة والبيت ويتهم بالغباء لعدم سرعة تعلمه مثلاً، فإن ذلك يؤثر بالطفل ويدمره نفسياً ويبني بينه وبين تعلم أي لغة جديدة حاجزاً نفسياً، قد لا نستطيع هدمه أو علاجه مرة أخرى.
لماذا تريد تعليم طفلك لغة ثانية؟
في البداية، وقبل تعليم طفلك لغة جديدة، يجب أن تحدد الهدف أولاً من التعلم، لماذا تريد تعليمه لغة جديدة؟ هل أحد الأبوين أجنبياً؟ هل تعيشون في بلد أجنبي؟ هل من أجل الثقافة فقط؟ إذا كان طفلك ثنائي اللغة بمعنى أنه يتعرض للغتين في آن واحد، فيجب أن يتم ذلك بشكل مخطط له، بحيث يكون (منظماً وثابتاً، وألا يتم الخلط بين اللغتين بنفس الجملة، أو نفس الوقت)، ويمكن توحيد اللغة داخل البيت مثلاً بالعربية، وخارج البيت يتم التحدث بلغة البلد الذي يعيشون به. أما إذا كان طفلك يكتسب لغته الثانية بالتعلم، وليست لغته الأم، فهنا يجب البدء في تعليمه بعد اكتساب لغته الأم بشكل سليم، أي بعمر 5 أو 6 سنوات. ويمكن تطبيق ذلك من خلال الاستراتيجيات التالية:
(١) والد واحد، لغة واحدة: تستخدم هذه الاستراتيجية عندما تكون الأم مثلاً من أصل عربي، والأب من أصل أجنبي، فبهذه الحالة يتحدث كل والد مع طفله بلغته، وبذلك يكتسب الطفل اللغتين كلغته الأم. ويمكن أيضاً استخدام تلك الاستراتيجية إذا كان أحد الوالدين متقناً للغة أجنبية، ولكنها ليست لغته الأم ويريد تعليمها لطفله، فهنا يمكنه التحدث بها مع طفله طوال الوقت، وسيكتسبها الطفل كلغته الأم.
(٢) الزمان والمكان: يمكن استخدام هذه الاستراتيجية إذا كان أحد الوالدين يود تعليم طفله لغة ثانية، لكن معرفته بهذه اللغة محدودة أو أن لديهم مصدراً آخر لتعلم اللغة مثل دورات اللغة أو الاختلاط بمتحدثين من تلك اللغة، أو عندما يود الوالدان تعليم طفلهما هذه اللغة لكن بقدر محدد، فيمكن تطبيق تلك الاستراتيجية بطريقتين، إما بتحديد وقت معين للتحدث مع الطفل بهذه اللغة والقيام بأنشطة معه متعلقة بتلك اللغة لمدة نصف ساعة إلى ساعتين على حسب الهدف، أو بتحديد أنشطة معينة يومية ويمكن تغييرها للتواصل مع الطفل وتمرينه عليها.
(٣) لغة الأقليات في المنزل: عندما يكون الأهل لغتهم الأم العربية مثلاً، لكنهم مقيمون ببلد أجنبي، وغير متقنين للغة البلد المقيمين به، فهنا يمكن التركيز على اللغة العربية في المنزل، ومساعدة الطفل على تعلم اللغة الأجنبية من الخارج من خلال دورات تعلم اللغة، والتعايش المجتمعي مع أهل البلد المقيمين بها، وهكذا يتعلم الطفل اللغتين.
إذن.. كيف تُعلم طفلك لغة جديدة؟
بداية، يجب أن تعلم أن كل طفل كائن مستقل بذاته، مختلف عن كل الأطفال الآخرين، وله طريقة خاصة به في التعلم، تلك الطريقة تناسبه هو وحده، وتأتي بأفضل النتائج معه هو وليس كل الأطفال الآخرين، وتلك الطريقة تعتمد على عدة عوامل وهي (السن – النموذج المفضل – الشخصية)، ويجب أن تختار الطريقة التي تناسب طفلك.
أولاً: عامل العمر: الطفل حديث الولادة يكون كامل تعليمه من خلال الحواس فقط، أما من عمر ٢ إلى ٧ سنوات فإن الطفل يبدأ في التفكير والاستنتاج، لكن تتمحور اهتماماته حول نفسه، لكنه يقل تدريجياً من سن ٧ سنوات حتى ١٢ سنة.
بعد عمر الـ١٢ سنة يصبح الاستنتاج لديه أقوى، ويستطيع خلاله الافتراض والاستنتاج واختبار استنتاجاته، وبناء عليه عندما نود تعليم الأطفال الأصغر سناً، فيجب أن تكون المعلومات بسيطة ومباشرة وواضحة، وأن يكون الموضوع شخصياً بمعنى أن تعلمهم وتعطيهم أمثلة على أشياء ترتبط بهم، لكن الأطفال الأكبر سناً فإن تعليمهم سيكون من خلال الإرشاد وجعلهم يستنتجون بعض المعلومات، وجعل التعليم مرتكز على العالم من حولهم، حيث إن اهتماماتهم في تلك المرحلة تتركز حول البيئة المحيطة بهم.
ثانياً: النموذج المفضَّل: هناك 4 نماذج أساسية للتعلم وواحد منهم سيكون هو المفضل لدى طفلك؛ وهذا يعود لطريقة عمل مخ الطفل، وليس لديك أنت ولا لطفلك اختيار في أي النماذج سيأتي بالنتيجة الأفضل لطفلك للتعلم، وهذه النماذج هي (الرؤية – السماع – القراءة والكتابة – المعايشة والتفاعل) فيجب أن تكتشف أي الطرق من هذه الأربع هي الأمثل لتعلم طفلك لتستخدمها لصالحه وترى نتائج مثمرة في أقرب وقت، وذلك يأتي عن طريق التجربة لكل النماذج الأربعة تلك، وترى أي نموذج فيها كانت (استجابته فيه أسرع، واستمتاعه فيه أكبر، وانتباهه فيه كان لمدة أكبر)، وبذلك تكون هي طريقة تعلمه.
ويمكن اختبار تلك النماذج من خلال الآتي:
(١) اعرض على طفلك صوراً واطلب منه أن يردد الكلمات التي بها وراقب انتباهه ومدى استمتاعه.
(٢) غنِّ مع طفلك أغنية تعليمية وعلمها له وراقب أيضاً مدى انتباهه واستمتاعه معك.
(٣) اقرأ لطفلك قصة مصورة حتى إن كان لا يستطيع القراءة وراقب مدى اهتمامه بالنظر للكتاب معك.
(٤) علم طفلك باللعب معه مستخدما كلمات اللغة التي تود تعليمها له ومراعياً سنه ومستوى الكلمات التي تستخدمها وطولها، فالصغير نبدأ معه بكلمة، ثم كلمتين، فجملة وهكذا، وأيضاً تراقب مدى استجابته وانتباهه واستمتاعه معك، وتأخذ ملاحظاتك وتركز في الهدف الذي تطبق الطريقة من أجله لتحديد طريقة التعلم المناسبة لطفلك وتركز عليها بعد ذلك معه.
ثالثاً: الشخصية: والهدف هنا معرفة طبيعة شخصية طفلك التي تنعكس على طريقة تعلمه، فالطفل الاجتماعي يحب التعلم في وجود أطفال آخرين، فهذا سيناسبه التعلم الجماعي، حيث يتولد لديه حس التنافسية ولا يخشى ارتكاب الأخطاء، مما يساعده على التعلم بشكل أسرع. أما الطفل الأكثر هدوءاً ويخشى ارتكاب الأخطاء أمام الآخرين، فإن أداءه لن يكون جيداً ضمن إطار التعلم الجماعي، لذا يجب أن يكون التركيز الأكبر له على التعلم الفردي، مع الحفاظ على الجماعي لتحسين المهارات الاجتماعية والتواصل.
إضافةً لكل ذلك لا يجب إهمال عامل التحفيز، فيجب أن يكون التعلم ممتعاً وخالياً من الضغط، وكذلك الانتباه لمدى التركيز لدى الطفل ومعرفة مدة الانتباه لديه قبل أن يبدأ تركيزه في التشتت، فيجب تنويع الأنشطة المستخدمة معه وذلك للحفاظ على انتباهه وتركيزه لمدة أطول، كما يجب التكرار، حيث إن التكرار يشعر الطفل بالثقة في نفسه وأنه يعرف الكثير.
توصيات للوالدين: إذا أردت تعليم طفلك لغة جديدة، فإضافة لكل ما سبق يجب أن يكون لديك طاقة وحماسة نحو تلك اللغة وتشعر بها طفلك حيث ستنتقل إليه تلك الطاقة ويكتسبها منك، وكن صبورا ولا تقلق إذا لم يستوعب ويتكلم من البداية، فالطفل دائما يحتاج وقتاً للاستيعاب حتى يظهر التطور لديه شيئاً فشيئاً.
اجعل لطفلك جلسات متكررة قصيرة خلال اليوم لتعلم اللغة أفضل من جلسة واحدة طويلة، بحيث تكون مدة الجلسة ربع ساعة فقط للطفل الصغير، ويمكن زيادة الوقت تدريجياً بعد ذلك.
علم طفلك باللعب، فمثلاً عندما تود مراجعة الكلمات معه لا تقل له ما معنى كرة؟ لكن يمكنك طباعة صور للكلمات التي تريد مراجعتها معه بحيث تكون في حجم ورقة "الكوتشينة" ويكون وجه الورقة الصورة والوجه الآخر الكلمة الدالة عليها، وتضع أمامه الصور، ويمكن تطبيقها بطريقتين إما أن تشير للصورة، وتسأله ما هي؟ وإما تتلفظ بالكلمة الدالة عليها الصورة وتطلب منه إيجادها، وإذا قام بالاختيار الصحيح يحتفظ هو بالكارت، أما إذا أخطأ تحتفظ أنت به، وبالنهاية تقوم بالعد وترى من لديه بطاقات أكثر، وبهذا يكون الطفل قد تمرن على الاستماع والنطق للكلمات الأجنبية.
أما بالنسبة للكتابة فالأفضل من ترديد حروف الكلمة ثم نطقها كاملة بشكل تقليدي هو أن تطبقها بطرق أخرى مبتكرة مثل ألعاب "الكلمات المتقاطعة" ويمكن تصميمها بحيث تكرر الكلمات أكثر من مرة فتساعده على تأكيد الحفظ بتلك الطريقة. أيضا طريقة تخمين الحرف الناقص ونطق الكلمة مع التأكيد في النطق على الحرف الناقص، وكذلك طريقة إعادة ترتيب حروف الكلمة ونتدرج معه من السهل للصعب وتعزيز إجابته الصحيحة وتشجيعه عليها.
وختاماً، فإن تعلم لغة جديدة مهم جداً لحياة الطفل العلمية والعملية، ولكن الأهم هو اختيار الطريقة الأنسب للتعلم والحفاظ على نفسية الطفل أثناء التعلم والحرص على أن يستمتع بتعلم لغة جديدة لا يجبر عليها، ولا يكون هدفنا الأكبر التظاهر بها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.