لماذا ننأى بأنفسنا كمغاربة عن “الحديث في السياسة”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/18 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/18 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
مواطنون مغاربة في المغرب - shutterstock

ليس الحديث عن السياسة بالنسبة للعديد من المواطنين المغاربة سوى فخ كبير، يُنصب لكل من يتجرأ على التفكير بصوت عالٍ، ولهذا يتحفظ الكثير منا بمناقشة ممارسات النظام أو تقييم الديمقراطية الهجينة، التي يفترض أننا ننعم بنعيمها. 

فإن نظامنا المغربي يستخدم تكتيكات في غاية الدهاء في تضليل الرأي العام، والتنصل من المسؤولية من خلال إلقاء اللوم على جهات خارجية وإبداع سيناريوهات مختلقة لتشتيت الانتباه الحقوقي الدولي والمحلي. وبعيداً عن المراوغات المغربية-الجزائرية، فإن علاقتنا بالسياسة كشعوب مغاربية ليست بالعلاقة الحسنة. 

ننظر للسياسة على أنها اختصاص السياسيين وحملة الشهادات الجامعية والصحفيين والمحللين، ننسى أو نتناسى أن السياسة هي التي تحدد ظروف عيشنا والحقوق التي نتمتع بها، كأنه لا ناقة لنا ولا جمل في القرارات التعسفية التي يتخذها سياسيون لا يهمهم أمرنا، ولا تؤرقهم همومنا ومشاكلنا. 

ولربما يكون عدم اهتمامنا بالمشهد السياسي في أوطاننا نابعاً من إدراكنا أننا شعوب ليس بيدها حيلة أمام الفساد السياسي المتفاقم، وأن السياسة الانتخابية والمعارضة الشرسة ليست سوى محاولة بائسة لإصلاح نظام فاسد حتى النخاع. 

 كان ولا يزال العالم جاهلاً بمكامن المغرب العميق ومشاكل أهله وهمومهم اليومية وحقوقهم المسلوبة التي تعتبرها المؤسسات الحقوقية الدولية من أبسط الحقوق التي تضمن العيش الكريم لأفراد المجتمع، ويصادق المغرب الدولة على الاتفاقيات التي يفترض بها أن تضمن لمواطني البلد الواحد المساواة، في حين يظل المغرب الشعب متسولاً لحقوقه ومُطَالَباً بواجبات أكبر من التزام الدولة بما وعدت به خلال حملات انتخابية فحواها وعود كاذبة وتوعدات بإعادة تربية المواطن الذي وصلت به الوقاحة إلى أن يتجرأ ويطالب بتكريس مبدأ المسؤولية والمحاسبة على أرض الواقع. 

اليوم نجلس أمام شاشاتنا التلفزيونية، ونتفرج على تهكم أصحاب البذلات الراقية والأحذية اللامعة واستهانتهم بقدراتنا الفكرية، نرى ابتسامات الانتصار التي اعتلت وجوههم بعد أن تجاوزوا الامتحان الوطني بنجاح وتمكنوا من الحصول على مقعد في البرلمان ليتحدثوا باسمي واسمك، وباسم المنسيين في المغرب العميق في الجبال والأرياف ليحدثونا عن الأرستقراطية وأنَّ من جدَّ وجد. 

أما نحن فلم نجد أمام المشهد كلاماً يعبر عن مأساتنا. المضحك المبكي في الأمر كله أن البعض منا لا يزال على إيمانه الساذج بالشخصيات، بالرغم مما تجرعنا من خيانات سياسية. نؤمن بهم حتى موعد انتخابات أخرى لنجدد إيماننا ونثق بأشخاص يشبهونهم إلى حد كبير، يحملون الأجندات نفسها وينهبون من المال العام ما ينهبون. لهم ملفات عدلية عالقة في المحكمة لأنهم فوق القضاء، يهينون كرامتنا علناً ويصرخون في أوجهنا كل أزمة، يلقون اللوم علينا بدل تحمل مسؤولية قراراتهم الجائرة، ونستمر على ثقتنا العمياء وتظاهرنا بالجهل ونحن بواقعنا أعلم. 

نحن لسنا شعوباً جاهلة أو ذليلة، ولكننا نرى في السياسة "بُعبعاً" قادراً على ابتلاعنا ونفضل أن ننعم بشيء من الهدوء وراحة البال على أن نخسر كل شيء مقابل حقوق لنا نتخلى عنها بمحض إرادتنا. ذلك لأننا لُقنّا في مدارس الطاعة أن نخاف الحرية وكل السبل التي تؤدي إليها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

آية العنزوق
كاتبة مغربية في مجال التاريخ والفلسفة
تحميل المزيد