تأسس حزب "العدالة والتنمية" التركي، في 14 أغسطس/آب 2001. ووصل إلى سدة الحكم بعد الانتخابات التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني 2002، ومنذ ذلك الوقت ما زال يتربع على سدة الحكم في البلاد.
اليوم 14 أغسطس/آب 2022، يحتفل حزب العدالة والتنمية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، بذكرى تأسيسه الـ21، وهو الحزب الذي وصل إلى الحكم بعد عام واحد من تشكيله وما زال يحكم البلاد منذ 20 عاماً، وتعد الانتخابات العامة المقبلة أحد التحديات للحزب الذي يحكم البلاد منذ فترة طويلة.
تعتبر انتخابات 2023 الرئاسية في تركيا مهمة للغاية وهي قد تكون بداية لتحوُّل تاريخي ستعيشه تركيا في ظل الأزمات الدولية المتلاحقة. إذا لم يتغير شيء إلى ذلك الحين فإن حزب العدالة والتنمية سيدخل الانتخابات برئيسه الحالي رجب طيب أردوغان.
مطلوب من المرشح الرئاسي أن يحصل على نسبة تصويت 50+1 في الجولة الأولى، وهو ما استطاع أردوغان أن يحققه في عدد من المرّات. لكن ما يجب الإشارة إليه هناك هو أن الانتخابات المقبلة تعتبر مختلفة نسبياً عن سابقاتها؛ وذلك لأن تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية تواجه معضلات معقدة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأمني، هذه المعضلات تتطلب حلولاً مبتكرة وجديدة للنجاح في مواجهتها.
على الصعيد الاقتصادي
تعاني تركيا اليوم من أزمات اقتصادية عديدة؛ أولها انهيار العملة التركية إلى مستويات قياسية بحيث وصل سعر صرف الليرة التركية إلى ما يقارب 18 ليرة تركية لكل دولار وهذا يعتبر رقماً قياسياً.
التضخم هو المعضلة الثانية التي تواجه تركيا، حيث وصل معدل التضخم إلى معدلات قياسية بلغت ما يقارب 70%، وهو الأكثر منذ 24 عاماً. إن معدلات التضخم تؤثر سلباً على حياة المواطن العادي وتغيّر من سلوكه الانتخابي، ولذلك لا بد لرجب طيب أردوغان أن يعالج مسألة التضخم وبقية المعضلات الاقتصادية قبل بداية الانتخابات.
وهنا يجب أن نذكر بأن تحسين الاقتصاد الداخلي، وخفض معدلات التضخم، والبحث عن الاستقرار الداخلي، وجذب الاستثمارات الخارجية، جميعها توفر بيئة مناسبة لجذب الأصوات الانتخابية.
إن الزيارات التي قام بها أردوغان للسعودية والإمارات لم تجلب الاستثمارات المنتظرة، وعليه فقد غيرت تركيا من توجهاتها الاقتصادية نحو الشرق بشكل عام وإيران بشكل خاص. وهذا يعود بطبيعة الحال إلى فتور العلاقة مع الولايات المتحدة التي خذلت حلفاءها في أكثر من مناسبة، لا بل قامت بابتزاز تركيا في صفقة الطائرات الأمريكية وهددت تركيا بالعقوبات إذا ما أرادت الأخيرة شراء صواريخ روسية من طراز (إس-400).
التوجهات الجديدة للحكومة التركية سوف توفر لها إمدادات غاز من إيران بشكل شبه دائم وبأسعار معقولة، في الوقت الذي تقف فيه أوروبا على قدم واحدة بانتظار الشتاء القارس، في ظل توقع قطع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا. كما قام الطرفان خلال القمة الأخيرة التي عُقدت في طهران بتوقيع اتفاقيات تجارية لرفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى ما يقارب 30 مليار دولار سنوياً. هذا الهدف في متناول الأيدي؛ وذلك بسبب الحدود البرية المشتركة وسهولة نقل البضائع.
على الصعيدين السياسي والأمني
إن أكبر معضلة واجهت تركيا خلال تاريخها الحديث هي أزمة اللاجئين السوريين. وجود 3 ملايين سوري على الأراضي التركية كان بداية لتوتر مستمر بين الشعب التركي وهؤلاء اللاجئين. ولطالما أخلفت الولايات المتحدة وأوروبا وعودها في دعم تركيا مادياً للاستمرار في استضافة اللاجئين السوريين، وهذا ما شكّل عبئاً مستمراً على كاهل أنقرة وتحوَّل فيما بعد إلى متغير انتخابي مهم تلعب عليه المعارضة التركية. إن التحولات الأخيرة في مشهد العلاقات التركية-السورية الرسمية يأتي في هذا السياق. تصريحات وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو، لا تعتبر مؤسِّسة للتعاون السوري التركي؛ وإنما كاشفة لهذا التعاون.
يجري الحديث منذ أشهر عن تنسيق سوري-تركي على المستوى الاستخباراتي. وعليه فإنَّ تقاطع المصالح فيما يخص عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، ومواجهة معضلة الانفصال الكردي في الشمال السوري ضرورات فرضت هذا التعاون.
ختاماً، إن الملف الاقتصادي والملف السياسي والأمني يعتبران محددين مهمين لتحديد الرابح والخاسر في انتخابات 2023، ولذلك يُنتظر من حزب العدالة والتنمية أن يُظهر مرونة كبيرة في ملفات التضخم والهجرة والبطالة والعلاقات الخارجية، وعليه فإن هذه التغيرات إذا ما نتج عنها رضا لدى المواطن التركي، فعندها فقط يمكن الحديث عن فوز محتمل للعدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.