"التمسحة".. مصطلح سوري زمني يعني اعتياد الصدمات المتكررة، إلى درجة عدم التأثر بأي حدث مهما كان تأثيره الظاهري كبيراً. بعد التصريحات التركية الأخيرة حول "العلاقات مع النظام السوري" هل تَمسَّح السوريون؟
4170 يوم تحديداً مرَّت على ذكرى تغير حياة كل سوري حين خرج الملايين منهم إلى الشوارع، أملاً في تغيير قد يحسن أحوال بلادهم، بشكل ينعكس إيجاباً على واقعهم الاجتماعي والاقتصادي.
حرفياً، لم يمر يوم واحد منذ 15 مارس/آذار عام 2011، دون أن يحفل شريط أخبار الشاشات العالمية بالأخبار السلبية الواردة من سوريا، ومع مرور الأيام وهجرة ملايين السوريين وانتشارهم في الأصقاع تنوعت هذه الأخبار، التي كانت سابقاً محصورة بعمليات القتل التي يتعرضون لها قصفاً وتعذيبا وحرماناً، إلى نوع جديد كان في مجمله يتحدث عن حالات الغرق في المتوسط، والاختناق في الشاحنات، وخلال السنوات الأخيرة باتت العنصرية التي يتعرض لها السوريون في دول اللجوء أبرز ما يقابلني كمتصفح لوسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي.
هل لك عزيزي القارئ العربي أن تتخيل هذا الأمر؟ تستيقظ يومياً على مدار أكثر من 11 عاماً وأنت تتابع هذا الكم من الأخبار والمواقف السلبية، وتترقب كيف سيؤثر هذا الحدث عليك كمتلقٍ، بل كسوري بالدرجة الأولى.
لعل أبرز ما دفعني إلى الكتابة عن هذا الآن هو الموقف التركي الأخير الذي أعلن عنه وزير الخارجية التركي، مولود تشاوويش أوغلو، بخصوص الأزمة السورية، حين أكد إجراء تواصل مع نظيره السوري فيصل المقداد في بلغراد، وهو تطور كبير في الموقف التركي، الذي تعتبره شريحة كبيرة من السوريين وإلى زمن ليس ببعيد ضامناً للشعب السوري، بعد أن وضع على مدى سنوات خطوطاً حمراء حذر من تجاوزها مراراً.
كوني سورياً بالمقام الأول لم أصدم بتلك الدرجة من التصريحات التركية، فلتركياً أولاً وأخيراً مصالحها، وهي تحاول لملمة ملفاتها قبل الانتخابات المرتقبة العام القادم، إلا أن ما لفتني هذه المرة هو ردة الفعل السورية، التي كنت جزءاً منها حين ابتسمت عند قراءة الخبر وأكملت التصفح، دون أن أكلف نفسي عناء تبعاته، فقد مللت كغالبية أبناء شعبي من "القلق مما سيأتي".
عادةً ما كان يتفاعل السوريون مع الأحداث بشكل يتناسب معها، من منّا لا يتذكر الطفل السوري "إيلان الكردي"، الذي غرق قبالة السواحل التركية، وزلزلت صورته -التي أظهرته مسجًى على بطنه على أحد الشواطئ- وكالات الأخبار العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومن المؤكد أن جميعنا يتذكر غالبية المواقف العنصرية التي تعرض لها السوريون على مدى سنوات، وتأثرنا بها في ذلك الوقت، كقصة الصحفية "بيترا لازلو" الهنغارية، التي ركلت لاجئاً سورياً يحمل ابنه وأوقعته أرضاً عام 2015، أثناء محاولتهم العبور إلى صربيا.
هل تتذكرون هذه الأحداث؟ بالتأكيد جميعنا يتذكرها جيداً، إذاً تذكروا الآن كيف تعاطيتم معها، وكيف كان شعوركم وقتها، وقارنوا بين شعوركم آنذاك، وما تشعرون به الآن تجاه أي من المواقف المرتبطة بالشأن السوري الآن.
لا شك في أننا جميعاً نشعر بالغصة حالما نرى أياً من هذه المواقف، إلا أن ما يغيب الآن هو ردة الفعل الساخنة والشعور بهول الحدث.
ولا شك أيضاً في أن كثرة هذه المواقف وتكرارها وغياب محاسبة مرتكبي الجرائم والأفعال العنصرية بحق هذا الشعب قد ولّد حالة من اليأس والشعور بالإحباط من عدم حدوث أي تغيير إيجابي، إضافة إلى أن المغترب السوري بات مشغولاً بتأسيس حياة جديدة تعوضه عما عاناه على مدى سنوات.
باختصار فقد أتقن السوري فن اللامبالاة، وأصبح قادراً على التكيف دون التأثر بشكل كبير يستنزف طاقته، ويعيد إليه ذكريات تسحبه إلى الماضي، دون أن يؤثر به فعل أو خبر أو تصريح سياسي، وهو ما يطلق عليه اختصاراً "تمسَحة".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.