بين سندان الشارع ومطرقة العدالة والتنمية.. ما خلفيات التعديل الحكومي المنتظر في المغرب؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/13 الساعة 13:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/13 الساعة 13:53 بتوقيت غرينتش
الحكومة المغربية/ الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء

كشفت مجلة "جون أفريك الفرنسية"، يوم 12 أغسطس الجاري، معلومات تفيد بقرب إحداث تغيير حكومي مُهم بالمغرب، وأنه بطلب من الملك محمد السادس، فإن رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش يعد تغييراً مهماً في الفريق الحكومي. وكشفت تفاصيل تخص قرب إعفاء وزيرين اثنين، ينتميان إلى نفس الحزب (حزب الأصالة والمعاصرة). ويخص الأمر أمينه العام عبد اللطيف وهبي، الذي يشغل منصب وزير العدل، والسيد عبد اللطيف ميراوي وزير التعليم العالي.

أخبار مثل هذه تطرح سؤال موثوقية الخبر وصحته، وما إذا كانت مجلة فرنسية مطلعة على تفاصيل لا تتوفر لغيرها من الصحف والمجلات والمواقع المغربية؟

ثمة دلالات خمس تجعل تسريب هذه المجلة الفرنسية صحيحاً، أولها أنها مقربة جداً من بعض أصحاب القرار، وثانيها، أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تسريب أخبار بهذا الحجم لهذه المجلة بعينها وتكون مطابقة لما يحدث في الواقع، والثالثة، أن التعديلات الحكومية من حيث التوقيت الزمني أصبحت مطردة في فصل الصيف، وقبيل ذكرى ثورة الملك والشعب، والرابعة أن عادة الملك أن يتجاوب بنحو ما مع الانتظارات الشعبية ومع الانتقادات التي تطال الحكومة، حتى يترسخ الاعتقاد بوجود ملكية مواطنة بالمغرب، والخامسة أن بعض الوزراء ارتكبوا أخطاء كبيرة، تتجاوز التدبير إلى الدخول في مجالات محفوظة، خاصة بصلاحيات الملك ووظيفته الدستورية.

لهذه الأسباب الخمسة، يصير من الضروري تجاوز سؤال الموثوقية إلى طرح ثلاثة أسئلة أخرى أكثر أهمية، الأول متعلق بحدود التعديل وهل يخص فقط وزيرين أم أكثر من ذلك؟ والثاني يرتبط بالحيثيات التي أملت هذا التعديل، والثالث يتعلق بما إذا كانت هناك ترتيبات مستقبلية للمشهد السياسي تتجاوز هدف إضفاء الحيوية على عمل الحكومة بإعفاء الذين فشلوا في أدائهم.

المجلة الفرنسية تتحدث عن ترتيب لتعديل مهم، لكنها تذكر فقط وزيرين، وتتحدث عن رغبة ملكية في إضفاء الحيوية على العمل الحكومي، لكن ثمة في الحقيقة عدم تناسب بين أهمية التعديل وبين الاقتصار فقط على وزيرين اثنين، إلا إذا تمت قراءة الأمر من زاوية سياسية، أي ما يمثله إخراج وزيرين من حزب واحد (في إشارة لإخراج حزب الأصالة والمعاصرة من الحكومة).

بعض المصادر القريبة من القرار تتحدث عن جولتين للتعديل، تكون فيها البداية بوزيرين قبيل ذكرى ثورة الملك والشعب على أساس أن يتم التعديل بكل تفاصيله بعد فترة من الزمن.

تبدو هذه الرواية مقنعة، لاعتبارين اثنين: الأول، أن الزمن الضيق المتبقي في هذا الصيف لا يكفي لإجراء مشاورات كبيرة (أشبه بمشاورات تشكيل الحكومة) لتحقيق هذا التعديل الحكومي المهم، ولذلك، سيتم إعطاء الانطلاقة بما هو ضروري، أي إعفاء الوزراء أصحاب الأخطاء الكبرى، وإن كان ذلك يحمل دلالة سياسية عن مدى بقاء حزب الأصالة والمعاصرة أم احتمال مغادرته للحكومة.

سؤال الحيثيات الداعية للتعديل الحكومي على جهتين: الأولى تدبيرية، وضمنها نسجل أخطاء كبرى لوزير العدل، كان أسوأها دخوله في المجال المحفوظ (مجال إمارة المؤمنين) وحديثه عن عزمه الإتيان بمدونة أسرة حداثية، وأنه سيخرجها بقواعدها، مع أن هذا المجال محفوظ لإمارة المؤمنين (المجال الديني) ومؤطر بخطب ملكية يتحدث فيها الملك بصريح العبارة بأنه "بصفته أمير المؤمنين، لن يحل حراماً ولن يحرّم حلالاً"، دون أن نغفل حديثه التهديدي لأحد مسؤولي وزارة الثقافة بمدينة تارودانت كأنه ينتحل صفة الأجهزة الأمنية عند قوله: "أنا أعرف لون الجوارب التي تلبسها".

في حين كان من أخطاء وزير التعليم العالي أنه أدخل الجامعة في دوامة توتر غير مسبوق، وأبطل العمل بجملة إصلاحات، وعُرف برنامجه بتوقيف السياسات والقرارات السابقة دون تقديم أي مشروع بديل، ناهيك عن فشله الذريع في التعاطي مع مشكلة الطلبة المغاربة العائدين من جامعات أوكرانيا، ثم الحديث عن اشتباه في تورطه في ملف فساد كبير كشفت بعض الصحف عن حيثياته (شبهة تقاضيه مستحقات مالية كبيرة من جامعات فرنسية مقابل تقوية النفوذ الفرنكفوني بالمغرب في الوقت الذي كان فيه رئيساً لجامعة القاضي عياض).

الحيثيات التدبيرية تكفي في الإعفاء، لكنها لا تعبر في الجوهر عن مفهوم "التعديل الحكومي المهم"، فتغيير اسم باسم من داخل نفس الحزب، هو شيء متواتر في التعديلات الحكومية، والوصف الأقرب إليه هو التعديل التقني، وليس التعديل المهم.

واضح أن الحيثيات السياسية هي التي تبرر الحاجة لتعديل حكومي مهم، والأرجح أنه مرتبط بتسوية مُناخ الأغلبية الحكومية، وبالرغبة في إنهاء الخلافات داخلها، فنخب حزب التجمع الوطني للأحرار (حزب رئيس الحكومة) باتت مقتنعة بأن السيد عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة خلق إشكالاً حقيقياً لرئيس الحكومة، ليس فقط من جهة عدم التزامه بالتضامن الحكومي (أي وجوب الالتزام بالدفاع عن سياسة الحكومة)، ولكن أيضاً من جهة عدم الخضوع لمشروعية رئيس الحكومة، والتسبب في خلق معارضة داخل الأغلبية الحكومية لسياساته، لا سيما ما يتعلق بالمحروقات.

التردد واضح بين الحيثيات التدبيرية والحيثيات السياسية، فالأولى تبرر تعديلاً حكومياً تقنياً، لكنه مؤثر بحكم أن وزيراً محتملاً إعفاؤه من الحكومة يمثل الأمين العام لحزب سياسي، والثانية تبرر إعادة خلخلة لتركيبة الحكومة، بإخراج حزب وإدخال آخر.

الخلفيات التي تحكم التعديل الحكومي متنوعة، وذلك من زاوية نظر النخب السياسية، فالنخب العليا (أصحاب القرار) تحذوهم رغبة في إجراء تعديل حكومي، حتى بدون وجود هذه الحيثيات، وذلك لاعتبارين اثنين، الأول أنها لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام موجة التذمر الشعبية الواسعة من الحكومة، وقد دأبت في مثل هذه الظروف على إجراء تعديل حكومي لتثبيت السلم الاجتماعي ووضع الفعالية الحكومية في دائرة المساءلة، وقد حصل مثل هذا التعديل في عهد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، إجابة عن حراك الريف.

والثاني، أن عين هذه النخب ممتدة إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي، بالشكل الذي يرتب موازين القوى بين الموالاة وبين المعارضة، لا سيما وأن ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية قصم شرعية الحكومة، ورفع من سهم حزب العدالة والتنمية، بما قد يعطي إشارة إلى احتمال عودته القوية في الانتخابات القادمة.

البعض يجادل في هذا السيناريو، ويكتفي بتحليلات دوافع النخب العليا بالخوف من الفراغ، ففي اللحظة التي تتكسر فيها شرعية الحكومة، ويضعف منسوب الثقة الشعبية فيها، يطرح سؤال الفراغ، الذي لا يهم معه من أن يمثل حزب العدالة والتنمية المعارضة القوية، بل يهمهم فيه سؤال من يستطيع ممارسة الوساطة بكفاءة لإيقاف الحراك الشعبي؟

نخب الحكومة، وبشكل خاص نخب حزب التجمع الوطني للأحرار، يؤطر سلوكها محددان: الأول رغبتها في إزالة المعارضة داخل الحكومة، فهي لا تريد حزباً في تشكيلة الحكومة يضع رجلاً في الأغلبية ورجلاً أخرى في المعارضة، ولا يتحمّل مسؤوليته في الدفاع عن سياسة الحكومة ولو تعلق الأمر بالمحروقات التي يتربع رئيس الحكومة على رأس أكبر شركاتها بالمغرب، والثانية، أنها تريد كبش فداء تنسب إليه التعثر في العمل الحكومي، حتى تؤسس لشرعية جديدة، تعيد فيها ممارسة لغة الوعود بالفاعلية والنجاعة والإنجاز.

نخب المعارضة، وتحديداً حزب العدالة والتنمية، لا تنظر لهذا التعديل المحتمل على أنه مؤثر، ولكنها تقرأ دلالته السياسية البعيدة، أو تقرأ إشارة النخب العليا، فليس ثمة من شك أنها ستستثمر هذا التعديل المحتمل لتأكيد أطروحتها، وأن ما بُني على باطل (انتخابات 8 سبتمبر غير المفهوم نتائجها) لا يمكن أن يكون له ثمار مرضية، ولتؤكد أن الحكومة أصبحت عارية أمام التذمر الشعبي، وأنها لا تملك رصيداً سياسياً ولا قدرة تواصلية للقيام بدورها الدستوري، وأن أي تعديل حكومي لن يحل المشكلة بقدر ما يؤجلها لبعض الوقت.

من الصعب جداً أن نتوقع في المدى القريب خلخلة للتركيبة الحكومية بخروج حزب ودخول آخر، فالنخب العليا لا تريد بأي حال من الأحوال أن تعطي في هذا التوقيت المشحون إشارة بوجود أزمة سياسية، ولذلك، فهي تدير الموضوع بقدر كبير من التؤدة، وعينها على ترتيب وضع سياسي مستقبلي، يتم فيه تطويق سيناريو الفراغ، وأيضاً منع الاستفراد بالمعارضة السياسية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد