كان الاحتلال الإسرائيلي من خلال العملية الأخيرة، التي سماها "الفجر الصادق" وما تبعها من عمليات في الضفة وفي جنين، كان يبحث بموجبها عن مستهدفات متعددة، أهمها أنه يريد تفكيك الوحدة الفلسطينية الشعبية والمقاومة، واستنزاف قدرات المقاومة من خلال تشتت الساحات، وهي رؤية استلهمتها سلطة الاحتلال من خلال نتائج عملية سيف القدس، التي بينت وحدة الصف الفلسطيني، وعززت من الموقف الشعبي للمقاومة "حماس"، التي أظهرت بدفاعها عن كل فلسطين استجابة لنداء فلسطين والأقصى.
هذا التوجه انتبَهت لخطورته واستدركته قوى الاحتلال، وأرادت في تقديري أن تعيده بمنطق مختلف تستنزف من خلاله قدرات المقاومة، وتضغط شعبياً لتفقد المقاومة الحاضنةَ الشعبية الفلسطينية التي هي مصدر صمودها، كما أنها تدق إسفين الفتنة والفرقة بين فصائل المقاومة.
إلا أن فصائل المقاومة ليست بالخِب، ولا هي من السهل خداعها، فأول ما كان منها أن تشكل غرفة عمليات موحدة تنسق فيما بينها على مستوى العمليات اللوجيستية والمعلوماتية، وأيضاً على مستوى التصريحات وتبادل الأدوار، بالإضافة إلى المرونة التي أبدتها حركة حماس نحو التهدئة كخيار يتزامن وفتح المجال لحركة الجهاد الإسلامي نحو التصعيد، لخلق نوع من موازنة الردع وإجبار الاحتلال على التراجع.
إنها استراتيجية إدارة الصراع والمعركة بكل أبعادها العسكرية والاجتماعية والاقتصادية، ولأن حركة المقاومة الإسلامية حماس هي التي يقع على عاتقها مسؤولية القطاع، كان لها أن تنظر بحكمة وتبصر لاستراتيجية الكيان وأهدافه المستقبلية، وأيضاً إلى الوضع الداخلي في القطاع.
إذاً على إثر ذلك هل يبقى الكيان ملتزماً بالهدنة؟ الإجابة ليست مطلوبة، فهو يبحث عن إسقاط نتائج سيف القدس، وأول ما كان يريد من ذلك تشتت الساحة الفلسطينية وانهيار الحاضنة الشعبية للمقاومة.
بواقعية، وبعيداً عن الحماسة وضرورة الخطاب التفاؤلي، فهناك كلمة لا بد منها، وهي أن المقاومة بكل فصائلها مجتمعة ليست مؤهلة وحدها في اللحظة الراهنة لإدارة الصراع على كامل فلسطين، وأن أي حرب طويلة متعددة الجبهات ستأخذ من شعبيتها وتشتت تماسك الحاضنة الشعبية لها.
على الجهة المقابلة، في ذات الوقت سيعاني الشعب الفلسطيني من مزيد من الانتهاكات والقتل خارج القانون والاعتقالات، وتدمير المنازل، وبناء المستوطنات، وتدنيس المقدسات، كما أن السلطة الفلسطينية تجد نفسها أمام تحديات جسيمة، بدءاً من متطلبات الشعب الفلسطيني الأمنية المختلفة، والاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً مع العزلة المفروضة عليها من خلال محور التطبيع الذي أدار ظهره بشكل كامل للقضية الفلسطينية، وبالتالي فإنها لحظات تحتاج إلى رص الصف، ومصالحة فلسطينية.
الانقسام الفلسطيني يقف عائقاً أمام المكون الفلسطيني، ويعطي الاحتلال الإسرائيلي فرصاً إضافية لتوسعة وبسط سيطرته على كثير من المناطق الفلسطينية، ما يجعل البحث عن توحيد الصف الفلسطيني عملية ضرورية ومستمرة، وتتجدد عند تغير كل ظرف من الظروف الوطنية والإقليمية وحتى الدولية، ومن هنا كانت فكرة أنه لا بد لـ"توحيد الساحات" أن يمر عبر المصالحة.
فتوحيد الصف الفلسطيني بالمصالحة وإنهاء الانقسام وإضفاء الشرعية على الوضع السياسي والأمني الموحد على كامل التراب الفلسطيني، تحت سلطة فلسطينية موحدة، لها برنامج مشترك يدعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ويدفع بعملية السلام نحو التجسيد على الأرض على قواعد ثابتة تخدم حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، والتي يمكن البناء عليها لمواجهة الاحتلال ومخططاته.
وصحيح أن توحيد الساحات من أهم الملفات وأخطرها، إلا أنه من دون جهود مشتركة فلسطينية للأسف سيبقى مجرد حلم يراود كل حر. وصحيح أن المصالحة الفلسطينية الهدف المشترك بين كل أحرار الأمة العربية والإسلامية، كانت تعترضها جملة من الاختلافات، فإن الوضع الحالي يبدو أنه سمح بالمرونة أكثر، نحو إيجاد نقاط مشتركة بين أغلب الفصائل الفلسطينية، وتقديم تنازلات من كل الأطراف، نتيجة إكراهات الواقع، وهي قراءات يمكن البناء عليها في إنجاح عملية المصالحة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.