30 شخصاً تقاسموا دجاجةً واحدة حتى شبعوا! أنا من غزة وهذه حكاياتنا من تحت القصف

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/11 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/11 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
العدوان الإسرائيلي على غزة منتصف 2021/رويترز

تعالوا أحدثكم حديثاً لا تمل أمي من إخباري به، ولا أمل دهشة الاستماع في كل مرة كأنها المرة الأولى التي أسمع منها تلك القصص.. في عدوان 2008 على قطاع غزة كنت في القاهرة مع ابنتي، التي لم تكن تكمل حينها عامها الأول بعد، بينما كان أهلي هنا في غزة، لم يكن الإنترنت والاتصالات كما هي الآن عبر الواتس آب وغيرها، فكنت أتابع كل التفاصيل برعب وقلق عبر الشاشات بينما هم في غزة دون كهرباء لا يعلمون ما يحدث إلا كل بضع ساعات.

المهم ذات يوم اشتد القصف على محيط مدينة غزة، فنزح لحينا أناس من أطراف المدينة، بلغ عدد ضيوفنا حينها حوالي 30 شخصاً.

كانت غزة في أشد أيام الحصار؛ كيف يمكن توفير الطعام والكهرباء والماء لـ30 شخصاً بينما تعاني معظم البيوت من صعوبة توفير الماء في الوضع العادي أصلاً؟!

تقول أمي كان شباب الحي يجمعون الطحين/الدقيق من البيوت ويخبزونه جميعاً ثم يوزعونه حصصاً على عدد الأشخاص في كل منزل، ليس مهمّاً هل أخذوا منك الدقيق أو من غيرك، المهم أنك ستحصل على حصة مناسبة، خاصة إن كنت تستضيف بعض من خرجوا من ديارهم لشدة القصف. 

ساعد التعاون على مرور مسألة الخبز بسلام، أما الماء وارتباطه بالكهرباء فكان لنا جار صاحب تجارة كبيرة ولديه مولد كهرباء كبير الحجم كان يزود به المسجد بشكل دائم، ويوزعه بين بيوت المنطقة، كل بيت ساعة تزيد أو تقل لرفع المياه بالمواتير وشحن الهواتف لمتابعة الأخبار، لم يأخذ أجراً على ذلك من أحد..

تقول أمي: مرة أردنا شراء بعض الدجاج، لم نجد إلا دجاجة واحدة في محل الدجاج، أخليناها من العظم وقطعناها قطعاً وطبخناها مع فريكة، قسمناها بين النساء والرجال، بدأنا بسم الله وأكلنا، وعندما جمعنا الصحون كأنها لم تنقص، ويُقسم كل من في البيت أنه أكل حصته وزيادة حد الشبع.

كان صالون المنزل متسعاً فيفرش الجميع شيئاً تحته ويغطي نفسه بشيء آخر، ورغم أن الشتاء في شدته لكن لم نشعر بالبرد حينها.

إحدى الفتيات خصصوا لها مع ابنها وزوجها غرفة منفصلة، لكنها في أحد الأيام أصرت بشدة على النوم معهم في صالة المنزل، في تلك الليلة أصاب القصف غرفتها وانهار الزجاج مكان نومها مع الطفل. وكأنه فعلاً لا حارس كالأجل.

في عدوان 2014 رأيت شخصاً سقط من علٍ فلم يمت، قصفت المستشفى الأولى التي كان فيها، استشهد من بجواره ولم يُصَب هو، نُقل لمكان آخر قصف من جديد، أصيب من حوله مجدداً ولم يصب هو.. أيقنت من جديد أنه لا حارس كالأجل!

في هذا العدوان الأخير 2022، في أحد المنازل التي قصفت برفح آخر أيام العدوان كان هناك طفل يجلس في حضن والده، أثناء القصف طار الوالد من النافذة خارج المنزل، سقط الطفل من حضنه، خاف الولد وارتعب، انقطع عن الكلام والتعبير.. 

بعد أيام أخذ الطفلَ إخوتُه لرؤية والدهم في المستشفى، بعد رفض طويل أخيراً تكلم الطفل.. عاتب والده على تركه إياه لحظة القصف، ظن الصغير أن والده تخلى عنه، وهو لا يدري بعقله البريء أن والده لم يكن يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً كي يمسكه أو يتخلى عنه.. 

استشهد للطفل شقيقٌ في ذلك القصف، ومع حزنه وتأثره النفسي، نجا الوالد والولد واستشهد الشقيق، ولا حارس إلا الأجل..

وها هو صباح جديد..

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دعاء عمار
كاتبة وصحفية فلسطينية
كاتبة وصحفية فلسطينية
تحميل المزيد