حقيقةََ، لست بصدد الحديث عن إنجازات يورغن كلوب التاريخية، ولا حتى عن تكتيك كلوب الذي لا يُشَق له غبار؛ لأنني أعتقد أنك الآن سئمت وتبرمت من كل هذه الأمور المذكورة آنفاً، فدعنا نتحدث من منظور آخر تماماً، فرُبما أمنحك إطلالة جديدة لم تختبرها من قبل.
تحدَّث توماس توخيل، مدرب تشيلسي الإنجليزي، عن مساوئ شخصية ابن جلدته يورغن كلوب، وصفه بأنه يشعر بأنه المستضعف دائماً، واسترسل توخيل حديثه وكأنه يسرد أحداث إحدى الروايات قائلاً أن يورغن قادر دائماً على إقناعك بأنه الأضعف وغالباً ستمتثل لكلوب، حتى لو كان يواجه فرقاً تعيش في فقرِِ مدقع، وليفربول قد يَزِن هذه الفرق مئات المرات، هكذا حَشَد كلوب أكبر قدر من الدعم لفريقه في ليڤربول، حتماً فطنت لما سنتحدث عنه الآن.
"نحن لا نزال مثل بالبوا، نحن لسنا إيڤان دراغو بعد"
أعتقد أن هذا التصريح تناهى إلى أذنك من قبل، يتحدَّث فيه كلوب هنا عن فيلم "روكي" الذي صدر عام 1980، من تأليف وإخراج وتمثيل سيلڤيستر ستالون، يتحدَّث الفيلم عن أحد أجمل روايات الكفاح عبر الزمان، وعن أحد أجمل المشاهد بتاريخ السينما.
لا تقلق لسنا بصدد نقد الفيلم والتحدث باستفاضة عن مميزاته وعيوبه، لكننا بصدد الحديث عن قصة الملاكم الأمريكي بالبوا روكي. يبدأ الفيلم بالملاكم السوفييتي إيڤان دراغو الذي وصل إلى أمريكا من أجل الترويج لجولة من النزالات، يتحدثَ دراغو للإعلام عن قوة لكمته التي تصل إلى أكثر من ضعف متوسط الملاكم الأمريكي، وتلك كانت إهانة خفيَّة إلى أمريكا.
دافع الوطنية والرغبة الفطرية في إثبات نفسه، جعل أبولو كريد، صديق روكي بالبوا، يتحدى الملاكم إيفان دراغو، رغم تحفظات روكي على القتال، لكنه يوافق على تدريب أبولو، تُلعب المباراة ويسحق دراغو أبولو. بدا وكأن الفارق سحيق بين دراغو وأبولو كريد، وعلى حين غرة، وجَّه دراغو ضربة قاضية، تسببت بوفاة أبولو كريد أثناء المباراة، المدهش هو قدرة دراغو على التحدث بفتور وهدوء عن مكسبه، رغم أنه من تسبب بوفاة أبولو دون رحمة.
وهنا قرر روكي بالبوا المعتزل منذ عدة أعوام أن يأخذ بثأر صديقه، ولكن المباراة ستلعب على أرض دراغو وبين جماهيره، عاد روكي إلى التدريب مرة أخرى بعد عدة انقطاع دام لأعوام، لكن في قاعدته التدريبية في قرية نائية "خيالية" في سيبيريا.
على الجانب الآخر يتدرب دراغو مع جيش من المدربين، ويتلقى حقن الستيرويد. في الناحية الأخرى، يتدرب روكي بشكل غير تقليدي عن طريق تقسيم جذوع الأشجار الثقيلة، وتقطيع الأشجار، ورمي الصخور الكبيرة، وسحب مزلقة ثلجية مثقلة بالثلوج، والركض في الثلوج الكثيفة والظروف الجليدية الغادرة وتسلق الجبال.
يدخل المتنافسان الحلبة، تقدم الجماهير التحيَّة الحارة لدراغو، بينما يتم تقريع روكي بالبوا، تستمر المباراة لعشرات الجولات المتتالية، يتماسك روكي على الرغم من لكمات دراغو القوية المتتالية، صموده حشد الجماهير المعادية سابقاً إلى جانبه وكسب تعاطف الآلاف الموجودة داخل الحلبة، وأخيراً يفوز روكي على إيڤان بضربة قاضية، ما جعل السياسيين الموجودين لا ينبِسون، بينما تصفق الجماهير بحرارة لروكي، ألقى روكي الواهن المتشح بالدماء خطاب النصر، شارحاً كيف تحول ازدراء الجماهير المحلية له إلى الاحترام.
ومما لا شك فيه أن تأثير الأفلام على البشر بات كبيراً، حيث تُستخدم أدوات الإدخال السمعية البصرية بكثرة هذه الأيام. الآن أكثر من أي وقتِِ مضى، الجميع يشاهد مقاطع الفيديو، يمكن القول إن صناعة السينما واحدة من أكثر القطاعات تأثيراً على مجتمعنا الحديث، يمكن لكل فيديو أن يعكس المجتمع ويغيِّر الآراء، وبالفعل استخدمت هذه القوة سياسياً واقتصادياً، حيث نجح العديد من القادة في استخدام الأفلام كأدوات دعائية لأي حرب.
في حالات معيَّنة مثل حالة كلوب، يمكن للأفلام أن تجذب تعاطفك لأحدهم؛ لأنك لم ترَ هذه التفاصيل مسبقاً، فمن الممكن أن تقع بحب أحد هذه الشخصيات بالحقيقة.
كلوب يحب أن يكون المستضعف دائماً!
عُرِفت كلمة "Underdog" من مصارعة الكلاب عام 1887، تبارى كلبان أثناء هذه الفترة، بدا وكأن الفارق بين الكلبين سحيق، وبالفعل اجتاح الكلب الأقوى الكلب الآخر، تعاطف الناس مع الكلب الخاسر المستضعف، بينما تم التنكيل بالكلب الآخر، وتوارى الأطفال منه، ظنوا أن هذا الكلب قد يكون مفترساً، أو من فصيلة الأسود وليس الكلاب.
في إحدى دراسات الدكتور سمير نور محمد، أستاذ مساعد في الإدارة في مدرسة وارتون في جامعة بنسلفانيا، قام باستطلاع آراء 371 موظفاً في شركة سلع معبأة في الولايات المتحدة، وسأل عن مدى اعتبارهم مستضعفين من قِبل الآخرين. بعد 7 أسابيع، قام المشرفون بتقييم أدائهم. لقد وجدت أن تجربة توقعات المستضعفين كانت مؤشراً مهماً على الأداء، حتى بعد التحكم في توقعات الموظفين للنجاح. بعبارة أخرى، كان الأشخاص الذين اعتقدوا أن الآخرين لا يتوقعون نجاحهم أكثر عرضة لتلقي تقييمات أداء أعلى من الآخرين.
بالطبع، لا تُترجم توقعات المستضعفين دائماً إلى النجاح. هناك العديد من الأمثلة لأشخاص فشلوا في التغلب على التوقعات المنخفضة التي وضعها الآخرون لهم. إذاً، متى يؤدي كونك مستضعفاً إلى النجاح مقابل الفشل؟
تساءل الدكتور سمير إذا كان الأمر يتعلق بما نفكر فيه بشأن الأشخاص الذين يتوقعون منا. على سبيل المثال، يمكن أن نكون مدفوعين لإثبات خطأ الآخرين عندما لا نثق بآراء هؤلاء في المقام الأول.
أجريت دراسة أخيرة مع 589 موظفاً عبر الإنترنت لمعرفة ما إذا كانت مصداقية شخص ما قد تشكلت عندما عززت التوقعات المنخفضة أداء شخص آخر مقابل تقويضها. في الدراسة، قبل أن يتلقى المشاركون بشكل عشوائي توقعات مستضعف عالية أو محايدة، تم تعيين عشوائياً أيضاً معلومات حول مصداقية المراقب. على وجه التحديد، قرأ المشاركون في حالة المصداقية العالية أن المراقب كان عالي الأداء في المهمة نفسها ولديه سجل حافل من التنبؤ بأداء الآخرين. في حالة انخفاض المصداقية، قرأ المشاركون أن المراقب كان أداؤه ضعيفاً وغالباً ما كان غير صحيح بشأن أداء الآخرين.
درست 6 تجارب (العدد = 878) كيفية تأثير القوة على تركيز الصفات العاطفية للأشخاص. عُرض على المشاركين مواقف تمارس فيها شخصية ما سلطة على شخصية أخرى، وكان عليها حل الغموض المرجعي من خلال النظر في منظور شخصية أو أخرى. تظهر النتائج أن المشاركين فضلوا إلى حد كبير الحالات العاطفية للشخصية منخفضة القوة على تلك الخاصة بالشخصية عالية القوة.
قد تعتقد أن ما أقوله ما هو إلا هراء، لكن قبل بداية الموسم قامت جريدة "This is anfield" باستفتاء لجماهير الأندية، وجدوا أن هناك 10 أصوات بين 20 نادياً يريدون فوز ليفربول بالدوري، و10 أصوات مقسمة على بقية فرق الدوري الإنجليزي.
ربما كانت آفة حارة نجيب محفوظ النسيان، وآفة ليڤربول يورغن كلوب!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.