تريد الحصول على جسم مثالي؟ صحة أفضل؟ أموال أكثر؟ شهرة واسعة؟ فرصة سفر؟ وظيفة براتب خيالي؟
إذا كانت إجابتك بـ"نعم" على أي من هذه الأسئلة؛ فمن المؤكد أنك قد صادفت مئات الفيديوهات خلال تصفحك لمواقع التواصل الاجتماعي عن الطرق المختصرة للوصول إلى مرادك، وبالطبع اتبعت كل التعليمات المذكورة بها، ولسوء الحظ لم تصل بعد، فتسلل إلى ذهنك أن المشكلة لديك أنت، وأنك تحتاج متابعة المزيد من الأشخاص واتباع المزيد من التعليمات كي تصل وتحقق ما حققوه من أمجاد أوهموك بها.
لكن هل فكرت لثوانٍ إن كانت مفاتيح هذه النجاحات لدى هؤلاء الأشخاص فعلًا، وكانت الأمور بهذه السهولة، فكيف غابت عن عقول الجميع ووصل إليها صانعو تلك الفيديوهات فقط؟ ومنذ متى كانت التجارب الفردية للأشخاص قواعد عامة ينبغى على الجميع اتباعها؟
لنصل إلى إجابات دعنا نعود إلى الخلف قليلاً، إلى بدايات القرن الحالي؛ حيث كان الطبيب يحتاج إلى دراسة الطب لسنوات عديدة في نهايتها يقسم بالله العظيم على الالتزام بقواعد المهنة وسلامة المرضى والحفاظ على حيواتهم، ثم الحصول على رخصة ممارسة المهنة ووصف الدواء، وكان طريق النجاح يحتاج السيرُ فيه إلى الجد والاجتهاد والسعي المستمر، والحصول على الأموال يلزمه تعب وشقاء وبذل جهد لا يستهان به، وكانت كرامة الإنسان مقدمة على كل شيء وحياة أهل بيته سراً قومياً لا يبوح به لأحد.
أما الآن أتعرف ماذا تحتاج لتصف دواءً؟ فقط كاميرا وجهازاً متصلاً بالإنترنت وبعض المعلومات، لن نختلف على صحتها، والكثير من المتابعين مع اللباقة والأسلوب المُهندم والقسم على فعالية أي منتج تصفه لعلاج مشكلاتهم الصحية، فهم (عائلتك الثانية)، ومن بعد إعطائهم هذا اللقب سيسهل عليك إقناعهم أنك استخدمته بنفسك مئات المرات وأعطاك نتائج مبهرة، وأنك لا تعرضه عليهم لأجل مصالحك الشخصية وتمويل الإعلانات، بل لأجل الإفادة والاستفادة وتبادل الخبرات بصفتهم عائلتك الثانية، وببعض اللايك والشير يصل إلى أحد أصحاب المشكلة الذين يئسوا من علاجها ليركض وراء أمل جديد، ويذهب لشراء هذا الدواء السحري، ويتبع جميع التعليمات ولا يصل، فيعتقد أنه الأزمة وأساس المشكلة، ولن يجد حلاً في حياته إلى الأبد. هذا إذا لم يضره أصلاً.
وماذا تحتاج كي تجني الأموال؟ الكثير منها؟ لن تتغير الإجابة، لكن في هذه الحالة سنحتاج إلى فتح أبواب بيتك على مصراعيها، وتثبيت الكاميرات بالداخل، ستشاركنا لحظات استيقاظ زوجتك من نومها وحياة أطفالكما الخاصة بهم، وتفاصيل أيامكم الدقيقة، وموهبة بناتك في الاستعراض وبعض الخلافات والمقالب الشقية، ثم مبارك عليك، أصبحت أحد الأسماء التي يتم تداولها على كل لسان، وستتهافت عليك البرامج وقنوات الإذاعة والتلفزيون، ونقرأ تصريحاتك على كل المواقع، وقصة نجاحك ووصولك إلى ذاك المكان حتى يسمعها شاب يئس من حياته ومحاولاته كل صباح في كسب قوت يومه، وإثبات نفسه داخل هذا العالم، ولم تُمد يداً واحدة لدعمه، ولا تسمع له أذن.
وإن أردت أن تصبح أيقونة النجاح في حياة من حولك ستحتاج إلى عائلة من أصحاب النفوذ والثروات، وإلى أسلوب حياة فاحش الثراء يود الجميع اتباعه لتنتهز الفرصة وتقص عليهم قصة كفاحك المؤلمة وبدايتك من الصفر، الصفر الخامس أو السادس أمام رصيد والدك البنكي، وتقنعهم جميعاً أن الأمر لم يكن سهلاً، ولكنه يستحق العناء، وأنك لم تفعل شيئاً سوى الاعتماد على نفسك والخروج عن النص حتى وصلت إلى ما أنت عليه الآن، فيؤمن أحدهم بنجاحك، ويحاول أن يصنع قصته الخاصة بالمعطيات المتوفرة أمامه ولا يصل إلى ما أنت عليه، فيخيب أمله، ويعتقد أنه لن يصل إلى ما يريد أبداً لأنه لا يستحق الوصول.
إلى الآن لم أعطك إجابة حقيقية عن الأسئلة التي طرحناها في البداية واستهلكت الكثير من وقتك، أليس كذلك؟
وهذا لأنك تبحث في المكان الخطأ، إن أردت التداوي اذهب إلى الطبيب، وإن أردت الجسم السليم فاذهب إلى صالات الرياضة، وإن أردت النجاح فحاول بنفسك بما تعرفه عن نفسك وعن رغباتك وقدراتك وطاقتك، وتذكر أن تعريف النجاح لم يذكر فيه عدد متابعيك ومشاهدات محتواك، ولم يذكر حتى ضرورة أن يكون لديك أي محتوى ولا رصيدك البنكي وشكل منزلك وأسلوب حياتك الواجب عليه أن تعيشه.
وإنما لتنجح عليك أن تحاول في الطرق التي تناسبك أنت والمرسومة لأجلك لا التي يسلكها الجميع من حولك، ولتنجح عليك أن تغض النظر عما تراه على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوجه نظرك إلى أرض الواقع، فتعرف أين موقعك الحالي، وإلى أين تريد الذهاب، ثم تبدأ رحلتك، وإن أردت الاستعانة بأحد فاسأل أهل العلم والتخصص، وابحث عن المعلومات داخل مصادرها الموثوقة، لا تشارك في تحويل نفسك إلى مستهلك للوهم الذي يحاولون جاهدين تسويقه إليك، ولا تساهم في إرسال غيرك إلى شباكهم، وحاول ألا تكون طرفاً في رسم قصص نجاحهم الوهمية التي تشكك العامة في حياتهم الطبيعية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.