تتواصل فعاليات ثورة الهاشتاغ في المغرب ضد ارتفاع أسعار الوقود غير المبرر، تمكنت من خلالها من أن تخلق إجماعاً وطنياً هائلاً وإشعاعاً عالمياً مهماً جعلها توشك على تصدر التريند العالمي لأكثر من مرة، ورغم ذلك فلم تسفر تلك الثورة الافتراضية عن شيء يذكر، حيث لم تلجم ولم توقف جشع شركات المحروقات التي تجني أرباحاً طائلة دون وجه حق عبر سرقة جيوب المغاربة الموصوفة.
النتيجة تلك متوقعة، فالقائمون على الحملة الإلكترونية والمتفاعلون معها لا يملكون وسيلة ضغط حقيقية على صانع القرار، إذ إن العالم الافتراضي يبقى عالماً افتراضياً ومن يراهن عليه وحده لن يجني غير السراب، فالأمر لا يعدو كونه استعطافاً واسترحاماً لمن يقهره بسياساته من أن يكون فعلاً نضالياً حقيقياً، ولنا في تجربة مماثلة في الأردن العبرة حين تعهد المعارض ليث شبيلات الأردنيين باسترجاع أموالهم عبر الهاشتاغ، والنتيجة أنه عرض نفسه ومقترحه للسخرية والتندر.
لا نقلل من شأن أدوار مواقع التواصل الاجتماعي ولا نحملها أيضاً أكبر مما تستطيعه، والتي يمكن أن تُستغل في التوعية والتعبئة واستقطاب أصحاب الهم الواحد، لكن ما يديم جذوة النضال وما يحسم في إحداث التغيير المنشود هو الاحتجاج السلمي في شوارع البلاد، خصوصاً أن رواد المنصات الاجتماعية يسهل تشتيت انتباههم وسرعان ما يتسرب إليهم الملل فيتجهون لقضية أخرى حتى لو كانت قضية تافهة، فما لم يسعَ من يتجندون في العالم الافتراضي إلى النزول بثقلهم الجماهيري على أرض الواقع، فلن يكون مصير حراكهم غير التجاهل من جهة السلطة حتى يذبل لوحده.
أما النقمة التي يبديها جهاز الدعاية المخزني على المتفاعلين مع هاشتاغ المحروقات فليست مؤشراً على صواب موقفهم وعلى قدرتهم على التأثير على القرارات المخزنية بقدر ما يدخل ذلك في استراتيجية توسيع دائرة المحرمات المخزنية عبر الذود عمن ينتمي إلى المخزن أياً كان موقعه حتى ولو في أدنى هرمه، فلو قرر المغاربة التنازل عن انتقاد الحكومات كما خفضوا طواعية من سقفهم السياسي بعد زمن 20 فبراير/شباط لوجدت الجهاز يهاجمهم أيضاً بنفس القدر من التشنج ومن العدوانية وإن اكتفوا بانتقاد أعوان السلطة (الشيوخ والمقدمين).
وعليه، فإن مشكلتنا مع الهاشتاغ ليست فقط في افتراضيته وإنما في طبيعة مطالبه وفي اقتصاره على أسعار المحروقات، فمن صممه ومن تفاعل معه قصد أم لم يقصد يتواطأ مع أجندة السلطة حتى وهو يدّعي النضال ضدها، ذلك أن ملف رفع الأسعار ملف غير قابل للتجزئة، وحين نقرر الاحتجاج فقط على قطاع المحروقات، فإننا نُطبِّع عملياً مع واقع الزيادات الصاروخية في أسعار النقل ومختلف المواد الأساسية؛ ذلك أن الثابت في المغرب هو أن أسعار تلك السلع وإن ارتفعت تناسباً مع أسعار البنزين –المازوت- فهي لا تعود أبداً إلى ما كانت عليه من قبل حين ينخفض سوق المحروقات.
المستفز في الموضوع هو الحماس المبالغ فيه لهذه الغزوة الهاشتاغية من طرف القوى التي تصنف نفسها ممانعة، والاكتفاء بمسايرة الموجة بحجة ترك الشعب يبني وعيه السياسي، كأن المغاربة حديثو العهد بالاحتجاج، وهم الذين قطعوا أشواطاً فيه حتى لم يعد خروج الناس للمطالبة ببعض حقوقهم حكراً على النخب المثقفة، وقد وصل للمداشر والقرى الجبلية النائية، فالأولوية لاستثمار خبراته في هذا الباب بدل الرجوع القهقرى والاستقالة من تأطير الشعب وتوجيهه في انتظار وقوع المعجزات، مع العلم أن التنازلات لا تحدث إلا حين يشعر المخزن بتهديد وجودي قد يطاله.
تحول الهاشتاغ المذكور إلى ملهاة للشعب، ففي الوقت الذي يفترض فيه أن يصعد من حركته أمام هول الكوارث التي حلت به على مختلف المستويات بات أقصى ما يطلبه أن يعود لما كان عليه الحال قبل الحرب الروسية الأوكرانية في قطاع المحروقات حصراً، كل هذا دون أن يكلف نفسه عناء الخروج من قوقعته الفيسبوكية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.