متى بدأ كل شيء؟
ربما يعرف البعض حقيقة، أن نادي برشلونة قد تأسس عام 1899، لكن الغالبية العظمى قد لا يعرفون ما حدث بعد ذلك.
إنه المهاجر السويسري خوان جامبر، الذي قرر أن يرتحل إلى إسبانيا ويضع أمتعته ويقرر أن يضع أساساً فيها؛ هذا الأساس كان نادي برشلونة، نادٍ يُعبر عن هوية مفقودة لدى شعب كتالونيا.
وبالفعل حقق لهم ما أرادوا، نادياً بفريق يُعبر عنهم، وأول لقب حققه الفريق يعود إلى عام 1905، ثم ماذا؟ ثم لا شيء.. لا شيء على الإطلاق، لا ألقاب ولا خزينة تُسعف النادي لمواجهة الدنيا التي تنتظره.
في عام 1908 كاد النادي يُغلق بلا عودة، من الأزمات التي لحقت به، وكانت فكرة خوان جامبر أن يخرج بالنادي إلى نور الشمس، ونور الشمس يعني مساحة أكبر تطلب حشداً أكبر من الجمهور؛ فقرر أن ينتقل إلى ملعب جديد بفكر جديد.
كامب دي لا إندوستريا، هو الملعب الجديد الذي يُلبي رغباتهم، والذي كانت سعته لا تكفي إلا لـ1500 مشجع فقط، ومع الزيادة الشعبية للنادي ازدادت سعته لتصبح 6000.
ومن شدة حب الجماهير لفريقها ودعمها المتواصل له، لم يكن الناس يجدون أماكن للجلوس داخل الملعب، فتحول الملعب إلى حديقة عامة إن صح التعبير، الجالسون في المقاعد، والجالسون على العشب، وحتى من يعتلون أسوار الملعب للجلوس والمشاهدة.
من هنا نشأت تسمية مشجعي برشلونة بالكوليز، والتي تعني أن مؤخراتهم كانت تبدو حينما يجلسون على الأسوار لمتابعة فريقهم؛ وهو بالتأكيد ما يوضح شدة دعمهم وسيرهم خلف ناديهم.
وبعدما تزايدت شعبية النادي أكثر وأكثر، لم يعد كامب دي لا إندوستريا كافياً للحشد الجماهيري، فاضطر النادي إلى البحث عن ساحة أكبر وأعظم.
كان ذلك في عام 1922، في كامب دي ليس كورتس، ملعب يتسع لعدد الأعضاء الذي يصل إلى 20000 عضو، ومع الوقت بدأ نادي برشلونة يسير نحو الحلم الكتالوني الأشهر: أن يحتموا خلف مؤسسة حقيقية لمواجهة الديكتاتورية الإسبانية.
لحظة من فضلك..
ظل الكتلان طوال الوقت يشعرون بأن لهم فضلاً على إسبانيا كدولة، خاصة في فترة الحروب الأهلية، وشعورهم كان متعززاً بامتلاكهم أعظم حارس في ذلك الوقت: ريكاردو زامورا.
بسببه، نشأت جائزة مخصصة لحارس المرمى القادر على أن يخرج بأكبر عدد من الشباك النظيفة في الليجا، إلى يومنا هذا، وزامورا كان مقدساً، مقدساً بالمعنى الحرفي للكلمة، كان الإسبان يستخدمون صوره على قطع الشيكولاتة، والملصقات وأي منتج يريدون له أن ينتشر بين الناس، ومن شدة تقديسهم له ظهر مصطلح "لدينا حارسان: سان بيدرو في الجنة وزامورا على الأرض".
زامورا حارساً، كان عبقرياً بدرجة لا توصف، خصوصاً حينما نتحدث عن فترة كانت الكرة في مهدها، والتشكيلات الهجومية كانت مكثفة، والأفكار الدفاعية أقل تطوراً، فالحارس كان يوضع في العديد من الاختبارات، التي تثبت براعته من عدمها.
شهرة زامورا فاقت كونه مجرد حارس عظيم، فخلال تنصيب نيكيتو ألكالا زامورا رئيساً للجمهورية الثانية لإسبانيا، والأمر ذاع صيته حتى وصل إلى ستالين، استنكره وقال: "من؟ حارس المرمى؟!".
لم يكن زامورا فحسب، هو من انخرط في أمور السياسة، بل الغالبية العظمى من النجوم كانت لهم وجهات وتفضيلات سياسية، لعل أبرزهم هو جوزيب سامتيير، الرجل الذي كما أسموه "كان ثورياً" في مركز الوسط، والذي غير كثيراً في كرة القدم الإسبانية منذ ظهوره فيها.
الفتى الذي ظهر لأول مرة مع فريق برشلونة في عامه السابع عشر، وأصبح من قامات الفريق في الخامسة والعشرين من عمره، بل أصبح اللاعب الأعلى أجراً في إسبانيا كلها.
وسامتيير كان سكيراً، يسكر ويسهر، والأمور وصلت لإدارة برشلونة، لكن المشكلة لم تكن فقط في سلوكياته التي قد تؤثر عليه كلاعب، بل أيضاً في انتماءاته التي ستوثر عليه كإنسان.
سامتيير كان مؤيداً للجنرال فرانكو، رغم جذوره الكتالونية، ورغم وجوده داخل مؤسسة تكره أن يُنطق فيها حرف له علاقة من قريب أو من بعيد باسم فرانكو.
نعود إلى قصتنا من جديد
يتبادر إلى ذهنك كقارئ أن من يعيش في أزمنة الديكتاتورية لابد أن يواجهها.. صحيح؟
بالفعل هذا ما حدث، لقد أغلقت الديكتاتورية كامب دي ليس كورتس لمدة ستة أشهر كاملة، واستقال جامبر من منصبه كرئيس للنادي، وبعد أن بدأ برشلونة يلتقط أنفاسه كمولود جديد على الدنيا، تحطم قارب أسرته وتركوه عالقاً في وسط المحيط.
في ذلك الوقت كان جوزيب سانيول، أنت لا تعرف جوزيب سانيول.. حسناً.
ببساطة هو أحد أعضاء النادي المخضرمين، الرجل الذي يحارب الديكتاتورية داخل وخارج برشلونة، داخلها من خلال النادي، وخارجها من خلال الصحافة التي تشن هجومها بالقلم، على الديكتاتورية.
أخبار لا تهمك
الرئيس السابق لبرشلونة "خوان جامبر" انتحر في ظروف غامضة، فيما بعد قالوا إن جامبر قرر أن ينهي حياته للظروف التي عاشها عملياً وبصورة شخصية، حدث ذلك عام 1930.
نأسف على الخروج عن النص
ربما أنت لا تعرف أن كل من يكتب أو يتحدث بالكتالونية في ذلك الوقت، كان يتم القبض عليه وإيداعه في السجن إلى حين أن يجِدَّ جديد، وحينما وصل جوزيب سانيول إلى رئاسة برشلونة؛ فهمت الديكتاتورية جيداً أن الأمر سيصل إلى ما هو أسوأ، لذا، وفي ليلة غامضة، كتلك التي انتحر فيها جامبر، أعلنت السلطات الإسبانية مقتل رئيس برشلونة جوزيب سانيول، حدث في ذلك في عام 1936.
بعد عامين، وأثناء الحرب الأهلية، وبرغبة كاملة من الجنرال فرانكو للدخول إلى مدينة برشلونة، قنابل طائشة وصلت النادي، ودمرت كل شيء فيه، الأرض، السقف، الحائط، وحتى ما تبقى من أي شيء يشبهه.
"رفاهية برشلونة" الآن لم تكن كذلك في الماضي
حينما تنهار الدول والكيانات، يظهر من تحت الأنقاض أبناء يحفظون الجميل، كان هذا الرجل الثري الذي يطوف على الفقراء، هو مانويل ماس سوريانو، رجل الأعمال الكتالوني المقيم في المكسيك، والذي لعب في فئات الشباب لدى فريق برشلونة لكرة البيسبول.
أرسل للنادي برقية يطلب منهم أن يسافروا نحوه، إلى أمريكا والمكسيك، للعب جولة ودية تمتد لما يقارب أربعة أشهر، سيعودون منها حاملين في جعبتهم المال الذي سيشفي بعض الجروح التي أصابتهم.
ووافق النادي على طلبه، وبما يقارب 15 ألف دولار من الرحلة عاد برشلونة، لكنه لم يعد برشلونة حقاً.
لقد عاد برشلونة إلى كتالونيا تقريباً بدون نصف الفريق، نصف الفريق الذي انقسم إلى من هربوا للبحث عن فرص عمل في أمريكا والمكسيك، وبعضهم طلب اللجوء هناك، والبعض الآخر رفض أن يبقى في مكان يُحارَب بهذا الشكل.
المال الذي جناه النادي من سفرته، كان كافياً لهم ليتعاقد مع أسماء رائعة مثل كوبالا، وفي خمسينيات القرن الماضي، حينما كان ألفريدو دي ستيفانو على بُعد خطوة وقفزة من برشلونة؛ تغير كل شيء، وأصبح لاعباً لريال مدريد.
لماذا كرويف تحديداً؟
كان كرويف أكثر من مجرد لاعب، وأكبر من مجرد مناضل بالنسبة لهم، لقد فعل كرويف للقومية الكتالونية ما لم يفعله أي سياسي منذ نشأة الصراعات مع السلطات الديكتاتورية في إسبانيا.
هي الليلة التي تعود إلى عام 1974، حينما تمكن برشلونة من تدمير ملعب ريال مدريد بخماسية نظيفة، في ليلة كان الهولندي الطائر نجمها الأول والأبرع.
وحينما خرج كرويف للعودة إلى برشلونة، لم يعد بصورة عادية فحسب، بل عاد كأنه أحد الثوريين الذين أعادوا أرضاً محتلة من الجار المستعمِر.
وقالت الصحافة عنه: "لقد قدم يوهان كرويف للقومية الكتالونية خدمات لم يقدمها أي سياسي لامع منذ نشأة الصراعات مع الحكومة في مدريد".
ولم يكن يعرف كرويف أنه ضرب الشجرة بعصافيرها كلها، بحجر واحد، الحجر الواحد هو الانتصار الساحق، والشجرة بما عليها كانت إذلال فريق ريال مدريد في عقر داره، وفي نفس الوقت كان الجنرال فرانكو يلفظ أنفاسه الأخيرة على فراش الموت، وهو ما اعتبرته كتالونيا نصراً أشبه بتحرر البلد التي يعيشون فيها.
بعدها أنت تعرف كل شيء، لكن ما قبل ذلك ربما لم تكن تعرفه أو تسمع عنه، وهذه باختصار قصة برشلونة مع الفوضى، أو قصة الفوضى مع برشلونة… أو برشلونة كحركة مقاومة!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.