قبل زين الدين زيدان وكريم بن زيمة، كان هنالك العديد من اللاعبين ذوي الأصول الجزائرية الذين حملوا ألوان منتخب فرنسا، خاصة في الفترة التي كانت فيها الجزائر مستعمرة فرنسية.
ومن بين أبرز هؤلاء اللاعبين المدافع مصطفى زيتوني، الذي كان قريباً من المشاركة في نهائيات مونديال السويد 1958، قبل أن يتخلى عن المجد الكروي من أجل تلبية نداء بلاده الجزائر؛ حيث تزامن قراره الشجاع مع رفض عرض مغرٍ من نادي ريال مدريد الإسباني.
طفولة مصطفى زيتوني
ولد مصطفى زيتوني يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 1928 بالجزائر العاصمة، وبالضبط بحي بولوغين، الذي كان يُسمى في ذلك الوقت "سانت أوجان"، أي خلال فترة الاحتلال الفرنسي.
وعاش مصطفى طفولة صعبة بعد وفاة والده؛ حيث عانت والدته "الممرضة" لتربيته رفقة أشقائه الخمسة الآخرين، ويُقال إنه كان في صراع دائم معها بسبب قضائه ساعات طويلة في لعب كرة القدم بمختلف الشوارع والأحياء الشعبية للمنطقة.
بداية التألق مع فريق عسكري فرنسي
ولما بلغ عامه السابع عشر، أي في سنة 1945، انضم لنادي الأولمبي الإسلامي لسانت أوجين، لكن سرعان ما تم استدعاؤه لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية، فلفت انتباه مسؤوليه بموهبته الرياضية، فلعب ضمن نادي الفرقة الـ23 للقوات الاحتياطية للجيش الفرنسي، الذي نال معه لقبي الدوري والكأس العسكرية الجزائرية لموسم (1950-1951) ثم تم إرساله لإجراء تكوين طويل المدى بالمركز الوطني للرياضة بالعاصمة الفرنسية باريس.
وبعد إنهائه الخدمة العسكرية الإجبارية لمدة ثلاث سنوات، عاد للعب في صفوف الأولمبي الإسلامي لسانت أوجين، لكن لفترة وجيزة؛ إذ وبعد مشاركته رفقة المنتخب الفرنسي لكرة القدم للهواة في الألعاب الأولمبية لهلسنكي في سنة 1952، تلقى عروضاً من بعض الفرق الفرنسية المحترفة، فاختار الانضمام لنادي كان في العام 1953.
وفي موسم واحد فقط (1953-1954) فرض مصطفى زيتوني نفسه كأحد أفضل المدافعين في الدوري الفرنسي، وذلك بفضل حُسن تمركزه فوق الميدان ورؤيته الجيدة للعب؛ ما جعل نادي موناكو الغني يستعمل كل إغراءاته لإقناع الفريق الجار بتسريح لاعبه العربي.
محطة هامة نحو منتخب فرنسا
لعب مصطفى زيتوني في صفوف موناكو 4 مواسم، وأصبح خلالها أفضل قلب دفاع في فرنسا، فتم استدعاؤه لأول مرة للمنتخب الفرنسي الأول بمناسبة المباراة الودية أمام منتخب المجر (0-2) التي جرت ببودابست، يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1957، ثم أتبعها بـ3 مباريات أخرى أمام كل من بلجيكا (0-0) وإنجلترا (0-4) وإسبانيا (2-2).
ووضع مدرب منتخب فرنسا، في ذلك الوقت، ألبيرت باتو، الثقة في مصطفى زيتوني، في مركز قلب الدفاع، بدلاً من قائد الفريق روبيرت جونكيت، الذي كان يعتبر نجماً كبيراً في نادي ريمس.
وخلال المباراة التي جمعت المنتخب الفرنسي بنظيره الإسباني يوم 13 مارس/آذار بملعب "بارك دي برانس" بباريس، نجح زيتوني في تحييد حركة المهاجم ألفريدو دي ستيفانو، أسطورة نادي ريال مدريد، وفاز في كل الصراعات الثنائية التي جمعت بينهما.
ريال مدريد منحه "شيكاً على بياض"
وقد قام دي ستيفانو بعد نهاية المباراة بتحية زيتوني على أدائه الكبير، كما انتظره الرئيس الأسطوري لنادي ريال مدريد الإسباني، سانتياغو بيرنابيو، عند الخروج من غرف تغيير الملابس، مُقدماً له عرضاً مغرياً للانضمام للنادي الملكي.
وقد روى قصة عرض ريال مدريد، زميل زيتوني في منتخب فرنسا ولاحقاً في فريق جبهة التحرير الجزائري، رشيد مخلوفي.
وقال مخلوفي، في تصريح لمجلة sofoot، الفرنسية، ليوم 7 يناير/كانون الثاني 2014، متحدثاً عن زيتوني: "لقد توجه إليه رئيس ريال مدريد، سانتياغو بيرنابيو عند خروجه من غرف تغيير الملابس وعرض عليه صكاً على بياض للانضمام للريال.. فخلال مباراة إسبانيا قام زيتوني بشل حركة دي ستيفانو بشكلٍ كاملٍ والذي كان يعتبر في ذلك الوقت، أفضل مهاجم في العالم".
وتابع مخلوفي قائلاً: "لقد رأى رئيس الريال أنّ المدافع الذي نجح في تحييد أفضل لاعبي فريقه يستحق اللعب في ناديه".
من جانبه، أكد المرحوم عمار رواي، زميل زيتوتي في فريق جبهة التحرير الوطني، هذه القصة، مضيفاً تفاصيل أخرى عما جرى بعد نهاية تلك المباراة التاريخية، فقال لنفس المجلة الفرنسية: "لقد حاول دي ستيفانو هو أيضاً إقناع زيتوني بالانضمام لريال مدريد، موضحاً له أنه سيلعب في أفضل فريق في العالم".
وأضاف رواي أنّ زيتوني رد على دي ستيفانو قائلاً: "لا تقلق سألعب قريباً في أفضل فريق في العالم".
هذا الفريق الأفضل في العالم لم يكن بالنسبة لمصطفى زيتوني سوى فريق جبهة التحرير الوطني الجزائرية، الذي كان القائمون عليه يحضرون لتأسيسه في سرية تامة، والذي كان زيتوني ومخلوفي ورواي وآخرون قد منحوا موافقتهم للانضمام إليه قصد المشاركة في التعريف بالقضية الجزائرية دولياً والإسهام في استقلال الجزائر من نير الاستعمار الفرنسي.
وحيّ مخلوفي موقف مواطنه زيتوني، فقال: "من أجل الجزائر، تخلّى عن المشاركة في نهائيات كأس العالم؛ حيث كان سيلعب ضمن التشكيلة الأساسية لمنتخب فرنسا، كما أنه رفض عرض ريال مدريد، مُفضلاً الدفاع عن القضية الجزائرية".
تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني الجزائري
فلقد كان مصطفى زيتوني ورشيد مخلوفي (مهاجم نادي سانت إيتيان) وعبد العزيز بن تيفور (متوسط ميدان نادي موناكو) مرشحين لخوض نهائيات مونديال السويد الذي جرى في صيف 1958، ولكن وفي الوقت الذي كان من المنتظر تواجدهم في المباراة الودية لمنتخب فرنسا مع نظيره السويسري يوم 13 أبريل/نيسان 1958، اختفى الثلاثي عن الأنظار يوم 13 من نفس الشهر رفقة 6 لاعبين جزائريين آخرين ينشطون في أندية محترفة من الدوري الفرنسي لكرة القدم بدرجتيه الأولى والثانية.
فقد هرب اللاعبون المحترفون الجزائريون من فرنسا نحو تونس، مقر الحكومة الجزائرية المؤقتة، وذلك بعد عبور الحدود عبر سويسرا وإيطاليا، قصد تشكيل النواة الأولى لفريق جبهة التحرير الوطني الجزائرية، تاركين وراءهم المال والمجد، ثم تواصل هروب باقي اللاعبين إلى أن أصبح العدد 32 في نوفمبر/تشرين الثاني 1960.
وعلى الرغم من أنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، رفض في مايو/أيار 1958، طلب الحكومة الجزائرية المؤقتة، انضمام الجزائر إلى الهيئة الكروية العالمية، وعلى الرغم أيضاً من تهديد الفيفا بمعاقبة كل منتخب يخوض مباريات ودية مع منتخب جبهة التحرير الوطني الجزائري، إلّا أن زيتوني وزملاءه بقيادة المدرب محمد بومزراق، قاموا بالعديد من الجولات حول العالم للتعريف بقضية بلادهم.
فقد واجه فريق جبهة التحرير الوطني الجزائري الكثير من المنتخبات على غرار تونس وليبيا ويوغسلافيا ورومانيا والمجر وفيتنام الشمالية، بالإضافة لأندية ومنتخبات جهوية من المغرب والأردن والصين ومن أوروبا الشرقية كالاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا والمجر وبلغاريا ورومانيا وبولندا.
وكان العلم الجزائري والنشيد الوطني يُرفعان قبل بداية كل مباراة ما كان يعطي مزيداً من التعريف بالقضية الجزائرية في العالم، خاصة في ظل حضور الصحافة الدولية التي كثفت من خلال ذلك تقاريرها عن الحرب التي اندلعت في نوفمبر/تشرين الثاني 1954، بين الشعب الجزائري والمستعمر الفرنسي من أجل الاستقلال، بعد احتلال دام منذ يوليو/تموز 1830.
وشارك مصطفى زيتوني في 80 مباراة مع منتخب جبهة التحرير الوطني، سجل خلالها 4 أهداف، قبل أن يتوقف مشوار الفريق ويتم حلّه بعد استقلال الجزائر يوم 5 يوليو/تموز 1962.
7 مباريات مع منتخب الجزائر بعد الاستقلال
ولعب زيتوني، بعد ذلك في صفوف منتخب الجزائر 7 مباريات، ما بين 1963 و 1965، أبرزها تلك المواجهة الودية التي فازت بها الجزائر على ألمانيا الغربية (2-0) يوم 1 يناير/كانون الثاني 1964 بملعب "20 أغسطس 1955" بالجزائر العاصمة.
كما لعب زيتوني مع فريق رائد القبة الجزائري، وقام بتدريبه في نفس الوقت، من 1964 إلى غاية 1967، وقاده لنهائي كأس الجزائر لكرة القدم الذي انهزم فيه أمام شباب بلكور(شباب بلوزداد حالياً) بنتيجة ثلاثة أهداف لواحد.
وبعد اعتزاله رياضة كرة القدم، عمل مصطفى زيتوني بمكتب الخطوط الجوية الجزائرية بمدينة نيس الفرنسية إلى غاية 1994، وبقي يعيش في تلك المدينة إلى غاية وفاته يوم 5 يناير/كانون الثاني 2014، عن عمر 85 سنة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.