يتخبط الاحتلال الإسرائيلي، ليس على المستوى السياسي فقط وتدهور أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية، بل تتصدرها الأوضاع العسكرية أيضاً، وهي الأهم، إذ إنه كيان من نسيج عسكري، أو دولة أمنية، إن انهار الجانب العسكري فسوف تنهار ما تسمى "دولة إسرائيل".
جيش الحرب الإسرائيلي الذي نعلم جميعاً كيف بدأ تأسيسه ونشأته الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني، كانت بداياته بعصابات الهاغاناه "وتنظيم الأرغون" الإرهابي، فقتلوا وشردوا الفلسطينيين من ديارهم، وبعدها اتحدوا لتشكيل ما سُميّ بـ"بجيش الدفاع الإسرائيلي"، وهذا هو التاريخ الذي لا يخفى على أحد، للجيش الذي "لا يُقهر"!
ولعله يجدر بالذين يصدقون الادعاءات الإسرائيلية والفبركات الكاذبة بأن الفلسطيني هو من باع بيته وأرضه للمحتل الإسرائيلي، أن تستفيق عقولهم المغيبة ويقرأوا عن عصابات الهاغاناه الصهيونية وتنظيم "الأرغون" المنشق عنها، والذي ارتكب المجازر وتربع على قمة الإرهاب، وليكفوا عن دعم الرواية الإسرائيلية المضللة!
جيش الاحتلال المتغطرس ينمو ويترعرع فقط على سفك الدم الفلسطيني والعربي، فها هم اليوم يريدون استنساخ عصابات الهاغاناه الصهيونية، فقد تطرقت الصحف العبرية في الآونة الأخيرة عن أخبار تشكيل عصابات مسلحة للعمل في القدس. كأنها ستكون على غرار العصابات التي احتلت فلسطين عام 1948.
ويهدف الاحتلال لإعادة إحياء هذه العصابات لمواجهة الداخل الفلسطيني، لعدة أسباب، أولها لأن الشرطة الإسرائيلية المتوحشة أصبحت عاجزة عن إيقاف الشباب الفلسطيني الثائر الذي يدافع عن أرضه ومقدساته، ولا يبدو أن القمع ينفع معه. وثانياً لعدم قدرة الضباط وجنود الجيش الإسرائيلي على منع العمليات الفدائية الفردية والجماعية المتكاثرة داخل الأراضي المحتلة. فضلاً عن حالات الهروب من الجيش أو التهرب من الخدمة التي يقدم عليها جنود إسرائيليون خصوصاً في أوقات التوتر، ومنهم من يتعمد الفرار خوفاً من الخدمة على الحدود الشمالية مع لبنان والجنوبية مع قطاع غزة.
فيريدون إنشاء جيش موازٍ يعتمدون عليه بجدية في الوقت المناسب، لأن الجندي الإسرائيلي يدرك أن كيانه في حالة ضياع على الرغم من كل الدعم المالي والعسكري الذي يتلقاه من الدول الغربية، وربما لن يثبت في وقت الاحتياج إليه، فيريدون آخرين يظنون أن عقيدتهم تجعلهم أكثر تماسكاً.
ولا يخفى تأثير موضوع العقيدة والروح القتالية على العساكر في أي جيش من جيوش العالم، لكن الجنود في جيش الاحتلال يفتقرون إليهما، سواء في المناطق الفلسطينية المحتلة أم على جبهات القتال المتعددة، التي وبحسب التحليلات الإسرائيلية والمسربة من ضباط وقادة أمن، ليسوا على جهوزية كاملة للتصدي للجبهات في أية حرب مقبلة!
إن الضعف والوهن وعدم القدرة على القتال تتميز به القوات البرية، ورأينا في محاولات اقتحام غزة نموذجاً، خلال الحروب الأخيرة، ولا تغرنكم المناورات العسكرية الاستعراضية لهم، لأن الحروب الحقيقية تثبت جبنهم.
فكما قال أحد الضباط الصهاينة اللواء احتياط "يتسحاق بريك": يبدو الأمر رائعاً في العروض، لكن الوضع مختلف تماماً على أرض الواقع.. فلا توجد وحدات برية كافية تمتلك الخبرات في القتال.
ويضيف "اللواء بريك" في مقاله بصحيفة "يسرائيل هيوم": هناك عشرات الآلآف من الفلسطينيين المسلحين في الضفة الغربية ويمكننا أن نتوقع قيام الآلاف من العرب والبدو للمشاركة في الهجمات ضد الجيش خلال الحرب المقبلة، والوحدات في فيلق الاحتياط الصغير في الجيش لم تعد جاهزة للقتال بسبب نقص التدريب والفشل في دمج أسلحة جديدة.
فهل تقاعس جيش الحرب الإسرائيلي عن القيام بمهامه وعدم جهوزيته للقتال كان الدافع الرئيسي للبدء في تشكيل العصابات الصهيونية التي قد تقوم بعمليات إرهابية متخفية بقناع المستوطنين؟
كل ما نستطيع قوله حتى الآن إن هناك استنهاضاً جدياً لدى قادة العدو لإثارة الفوضى وقتل الشعب الفلسطيني، ولكن المقاومة لم تعد محدودة الإمكانيات، بل هي في تطور دائم، وهذا زمن الانتصارات والمعادلات الرادعة وليس زمن 1948 حين خذلت فلسطين بأسلحة صدئة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.