رجل المنعطفات الكبرى.. لماذا اغتالت أمريكا أيمن الظواهري في هذا التوقيت بالذات؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/03 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/03 الساعة 09:08 بتوقيت غرينتش
أيمن الظواهري وأسامة بن لادن - الشبكات الاجتماعية

بحلول الذكرى الأولى للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أعلن الرئيس بايدن تصفية زعيم تنظيم القاعدة الطبيب المصري أيمن الظواهري بغارة نفذتها طائرة مسيرة على منزل في العاصمة الأفغانية كابول بحي السفارات على بعد أمتار معدودة من مبنى السفارة الأمريكية في أفغانستان. وقد أعاد الحادث تسليط الضوء على جوانب من حياة الظواهري فضلاً عن الجدل حول أسباب تنفيذ الهجوم في هذا التوقيت رغم رصد تحركاته منذ بداية العام الجاري، وفق تصريحات المسؤولين الأمريكيين لوسائل الإعلام.

من هو أيمن الظواهري؟

على عكس التفسيرات الشائعة التي تعزو انتماء الأشخاص للتيارات الإسلامية بتوجهاتها المتنوعة إلى الفقر والتهميش الاجتماعي يمثل الظواهري نموذجاً يُفسد تلك السردية، فقد وُلد عام 1951 في أسرة بارزة في مصر والعالم العربي، فجده لأبيه هو الأحمدي الظواهري شيخ الأزهر الذي تأسست في عهد شياخته جامعة الأزهر، أما جده لأمه فهو الأديب الشهير وعميد كلية الآداب بجامعة القاهرة وسفير مصر في السعودية وباكستان عبدالوهاب عزام، ابن شقيق عبدالرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية، وكذلك من أبرز رموز أسرته رفاعة الطهطاوي رائد الترجمة والتعليم الحديث في مصر، والأديبة الراحلة رضوى عاشور والدة الشاعر تميم البرغوثي. 

تزامل الظواهري في كلية الطب بجامعة القاهرة مع المرشح الرئاسي السابق والمسجون حالياً عبدالمنعم أبوالفتوح بحسب مذكراته المنشورة بعنوان (شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر: 1970 – 1984)، حيث قال أبوالفتوح إنه فوجئ باعتقال الظواهري معه في نفس السجن عام 1981 رغم عدم ذيوع اسمه كناشط إسلامي وقت دراستهما في الجامعة، نظراً لأن الظواهري اعتنق منذ عام 1966 فكرة العمل السري بهدف تنفيذ انقلاب عسكري للاستيلاء على السلطة، ولم ينخرط في الأعمال الدعوية العامة مثل أبوالفتوح.

منعطفات في حياة الظواهري

لا تتولد خيارات الأشخاص في فراغ، إنما تتشكل عبر تفاعلهم مع الواقع الذي يعيشون فيه، فالظواهري من الجيل الذي ترعرع في الحقبة الناصرية، وقد تأثر بإعدام سيد قطب عام 1966، وعاصر تداعيات هزيمة 1967، وتبنى خياراً يرى أن الواقع الاستبدادي لا يسمح بالتغيير سوى عبر الانقلابات العسكرية مثلما جاء عبدالناصر ورفاقه للحكم عام 1952 بانقلاب على الملك والأسرة العلوية التي حكمت مصر منذ عام 1805. 

الظواهري
زعيم تنظيم القاعدة الذي أعلنت أمريكا عن قتله – Getty Images

وجاءت أحداث المنصة عام 1981 التي لم يكن الظواهري منخرطاً فيها لتترك بصمتها على مسار حياته، فالاعتقالات الواسعة والتحقيقات الشرسة أدت لاكتشاف واعتقال العديد من كوادر المجموعات الجهادية التي لم تكن معروفة مسبقاً، فانكشفت واعتُقلت مجموعة الظواهري، وأدرج اسمه ضمن المتهمين في قضية تنظيم الجهاد الكبرى التي شملت 302 شخص، وبرز للمرة الأولى إعلامياً حين تحدث باللغة الإنجليزية نيابة عن المتهمين من داخل قفص المحاكمة عن التعذيب الذي تعرضوا له، وحُكم عليه بالسجن 3 سنوات، ثم خرج من سجنه عام 1984 ليقرر مغادرة مصر في العام التالي نظراً لاقتناعه بأن إحدى العقبات التي واجهت التنظيمات الساعية للتغيير بالقوة هو وجود قادتها داخل البلاد، فبمجرد القبض عليهم ينكشف التنظيم ويُعتقل أفراده، مثلما حدث مع النظام الخاص للإخوان في قضية السيارة الجيب عام 1948، وتنظيم سيد قطب عام 1965، وتنظيم محمد عبدالسلام فرج 1981. 

اتخذ الظواهري من بيشاور في باكستان عام 1988 مركزاً لتأسيس جماعة الجهاد التي حاول من خلالها تطبيق رؤيته للتغيير، ثم انتقل للسودان كي يكون قريباً من مصر وبالأخص عقب اندلاع الحرب الأهلية في أفغانستان والتضييق على التواجد العربي في باكستان عام 1992، لكن سرعان ما اكتشفت الأجهزة الأمنية بمصر أغلب الخلايا السرية لجماعة الجهاد، واعتقلت نحو 800 منهم في عامي 1992 و 1993 في القضية المشهورة باسم طلائع الفتح، وهو ما تسبب في مشاكل داخلية عديدة بالجماعة، انتهت بانشقاق قائدها سيد إمام، وتولي الظواهري القيادة رسمياً بعد أن تولاها عملياً منذ تأسيسها، ثم اضطر الظواهري لمغادرة السودان رفقة بقية أعضاء الجماعات الٍإسلامية التي تواجدت هناك بعد انخراط الجماعة الإسلامية المصرية في محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995 انطلاقاً من السودان.

حاول الظواهري السفر إلى الشيشان للمشاركة في القتال ضد الجيش الروسي، لكنه اعتقل في داغستان، ومن هناك عاد إلى أفغانستان عام 1997، فتعاون مع تنظيم القاعدة وصولاً لاندماج التنظيمين معاً في صيف عام 2001 تحت اسم قاعدة الجهاد قبل شهور معدودة من هجمات سبتمبر 2001، وليتخلى عن خيار أولوية التركيز على التغيير في مصر لصالح استراتيجية استهداف العدو البعيد، ثم أصبح زعيماً للقاعدة منذ عام 2011 إثر قتل الجيش الأمريكي لأسامة بن لادن في باكستان.

من المسؤول؟  

ارتبطت المحطات البارزة في حياة الظواهري بالتشابك مع أحداث محلية ودولية؛ مثل إعدام سيد قطب، هزيمة 1967، كامب ديفيد وأحداث المنصة، الغزو الروسي لأفغانستان، الحرب الروسية على الشيشان، الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، فكل تلك الوقائع وغيرها تحدث الظواهري عن أثرها عليه في كتبه العديدة التي دوَّنها، وهو ما يدحض السردية التي روَّجها العديد من الساسة الأمريكيين بأن أحداث سبتمبر هي نتاج كره بعض المسلمين لنمط الحياة الغربي أو لرفضهم الديمقراطية الغربية، بينما الحقيقة أن تلك الأحداث هي أحد تداعيات الاستبداد في منطقتنا، والذي يحظى بدعم خارجي وبالتحديد أمريكي. 

وبدلاً من أن تدرس واشنطن الأسباب التي قادت لمشهد 11 سبتمبر، وتعالجها بموضوعية، تصرفت بروح انتقامية، فخاضت حروباً دامية في العراق وأفغانستان، خرجت منها مثقلة بالخسائر المادية والاقتصادية، واكتشفت لاحقاً التداعيات السلبية على قوتها وهيمنتها مثلما يقر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق مارك إسبر في مذكراته المنشورة مؤخراً بعنوان "قسم مقدس: مذكرات وزير دفاع خلال أوقات استثنائية"، وهو ما يعضد كلام مدير السي أي إيه الحالي ويليام بيرنز في كتابه "القناة الخلفية"؛ حيث قال: (لقد تلاشت اللحظة الأمريكية التي دامت نصف قرن في الشرق الأوسط، نظراً لتبني إدارة بوش مزيجاً من التشدد والغطرسة رداً على أحداث سبتمبر؛ مما أدى إلى مضاعفة الاختلالات وتقويض النفوذ الأمريكي).

لماذا قُتل الآن؟

الرئيس بايدن أعلن، من مقر العزل الطبي في البيت الأبيض، عن مقتل الظواهري /رويترز

إن إعلان إدارة بايدن مؤخراً قتل الظواهري بعد رصد تحركاته منذ بداية العام الجاري، ربما يُعزى لمحاولة اقتناص إنجاز جديد يرفع أسهم الديمقراطيين مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في ظل تخوف الحزب الديمقراطي من تراجع عدد نوابه على وقع الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار النفط داخل أمريكا، وهو ما يمكن توظيفه كذلك لممارسة مزيد من الضغط على طالبان بحجة مخالفتها لاتفاق الدوحة. لكن عملياً، فإن قتل الظواهري بعد عشرين سنة من مطاردته عقب أحداث سبتمبر، وبعد أن ناهز السبعين من عمره، يعكس فشل الأجهزة الأمريكية في تقفي أثاره طوال عقدين، ولن يحل المشاكل التي تواجهها أمريكا مع الصين أو مع روسيا في أوكرانيا أو مع الملف النووي الإيراني، فمشاهد الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، وتذلل واشنطن لبعض دول الخليج لزيادة إنتاجها من النفط، وتهديد الصين لزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان تعكس تراجع النفوذ الأمريكي بشكل لا يُجدي معه اغتيال الظواهري أو غيره ممن تصنفهم واشنطن ضمن قوائم الإرهاب، بل يعزز صورتهم في نظر أتباعهم ويمنحهم نهاية تراجيدية ربما ما كانت لتحدث في حال وفاتهم بشكل طبيعي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مولانا
باحث في الشئون السياسية والأمنية
باحث في الشئون السياسية والأمنية
تحميل المزيد