من الشاطر حسن، وألف ليلة وليلة، وأبو زيد الهلالي، ومروراً بقصص القرآن للأطفال والعشرة المبشرين بالجنة، وصولاً إلى آليس في بلاد العجائب وسندريلا، لا أتخيل طفلاً، أياً كان لونه وجنسه ولغته، عاش طفولته دون أن تُروى له "قصص الأطفال" من آبائه وأجداده ومعلميه.
فقصص الأطفال لها دور مهم وكبير في تكوين شخصية الطفل وتنمية خياله وقدرته على الإبداع، إضافة لتنمية الحس اللغوي والذوق الفني لدى الطفل، كما أنها تسهم في تعديل سلوك الطفل، وتؤثر على بناء مستقبله.
إذاً.. لماذا نعطي قصص الأطفال كل تلك الأهمية؟ وكيف تؤثر على أحلام الطفل ومستقبله وسلوكه وإبداعه؟ وما سر ارتباط القصة بوقت ما قبل النوم؟ وكيف تؤثر على صحة نوم طفلك؟ وما القصة المناسبة لكل مرحلة عمرية؟ وكيف نحبب أطفال التكنولوجيا الحديثة في القصص؟
هل قصص الأطفال تستحق كل تلك الأهمية؟
نعم، فهي تسهم في تكوين شخصية الأطفال، وتنمية الجوانب النفسية لديه، لما فيها من محاور متعددة، أهمها الحوار والتأمل في النفس والقدوة الحسنة، إضافة لترقيق العواطف والوجدان وتنمية المشاعر والإحساس وتخفيف التوترات الانفعالية، وتخليص النفس من الانفعالات الضارة وتكوين الميول والاتجاهات.
وتعد قصص الأطفال أفضل وسيلة نقدم عن طريقها ما نريد تقديمه للأطفال، سواء كان قيَماً دينية أم أخلاقية أم توجيهات سلوكية أو اجتماعية، فهي تستطيع شد انتباه الطفل وجذبه، كما أنها تساعد على تنمية لغة الطفل وتكوين شخصيته والوصول بها إلى درجة من النمو والنضج الذي يسمح له بأن يعيش حياته مستمتعاً بها، ومتفاعلاً مع البيئة التي يعيش فيها بمدخلاتها المتعددة.
كما أنها تنمي خيال الطفل، ويتعلم من خلالها التمييز بين الخير والشر، والصواب والخطأ، وتساعد في تقريب المفاهيم المجردة إلى عقله من خلال الصور، وتسهم في تعلمه العادات والقيم بشكل سليم، وتكسبه الحس الفني وحب القراءة، ويتعلم الطفل من خلالها العديد من الحلول للمشكلات اليومية التي يواجهها.
لماذا التربية بالقصة تحديداً؟
لأن التربية بقصص الأطفال من أنجح الأساليب التربوية وأقواها أثراً على الطفل وملائمة للطريقة الأولى، التي تعلم بها ولطبيعته البشرية التي ترفض التوجيه المباشر وتنفر منه.
وتساعد القصة على خلق لغة الحوار بين الطفل وأمه، ومن خلالها تستطيع الأم تعديل سلوك الطفل وتوجيهه أو معرفة ما دار في يومه أو عقله ونفسيته، وتعزز العلاقة بين الطفل ووالديه، فالقصة من أقوى عوامل استثارة الطفل، ولا ينحصر هذا التأثير على وقت سماعه أو قراءته، وإنما يتجاوز إلى تقليد ما يجري فيها من أحداث، وما تنطوي عليه من شخصيات ووقائع وسلوك وأخلاق في حياته اليومية الواقعية.
أثر القصة في تنمية الجوانب الشخصية للطفل
1. عقلياً: تعمل القصة على تطوير العمليات العقلية المختلفة التي تبدأ بالمستوى الحسي الحركي وتنتهي بالذكاء والانتباه والتخيل والتفكير وتكسبه الكثير من المعلومات وتغرس بعقله العديد من القيم والمبادئ الخلقية السليمة التي تساهم في تربيته وتوجيهه.
2. اجتماعياً: تعزز القصة القيم الحميدة لدى الطفل وتشعره بالانتماء لمجتمعه وتنمي لديه العادات الاجتماعية السليمة، مثل الكرم والتعاون والتضحية، وتكسبه مهارات التواصل مع الآخرين.
3. نفسياً: تنمي القصص الجانب الانفعالي لدى الطفل، فينفس من خلالها عن مشاعره المكبوتة وانفعالاته الضارة، ويخفف من حدة القلق والتوتر، ويدخل السرور والبهجة على نفسه، ويتعلم المشاركة الوجدانية، كما أنها تنمي لديه المشاركة الوجدانية من خلال التعاطف مع الضعفاء في أحداث القصة والإحساس بمعاناتهم. إضافة لذلك فهي تساعد في العلاج الطبي والنفسي للأطفال مثل الاكتئاب والاضطرابات السلوكية.
4. سلوكيّاً: نستطيع من خلال القصة تعديل سلوك سلبي لدى الطفل، أو تعزيز سلوك جيد، وهي أبسط الطرق وأقربها لنفس الطفل من خلال السرد والتأثر بأبطال الحكاية، فيقوم الطفل فيما بعد بمحاكاة ما تعلمه وتأثر به من القصة.
أثر قصص الأطفال في بناء مستقبل الطفل وإبداعه
إذا أردت إكساب طفلك المهارات اللغوية والفصاحة والطلاقة في الكلام، فالأمر ليس صعباً، عليك فقط بسرد قصة يومياً له، وليس ذلك فحسب، بل يمكنك تنمية خياله وتوسعة مداركه، وجعله ذا فكر إبداعي من خلال سردك له القصص على أن تحسن الاختيار وتجعلها ملائمة للهدف المراد تحقيقه، ومناسبة لفئته العمرية.
إضافة لذلك، فقد يدهشك أثر القصص عندما تجدين طفلك فيما بعد مقبلاً على القراءة وشغوفاً بمطالعة الكتب، مما يؤدي أيضاً لتطور مهاراته الكتابية وقدراته العقلية، لأنه يريد أن يوظف هذه العبارات والكلمات التي اكتسبها فيصبح كاتباً بارعاً في المستقبل، أو شخصاً ناجحاً مستفيداً من تجارب وخبرات شخصيات رويت له في القصص ويحاول محاكاتهم، وهكذا.
ما هي القصص الملائمة لكل مرحلة عمرية؟
إذا أردت اختياراً ملائماً فيجب مراعاة التركيبة العقلية للطفل ومراحل تطورها بداية من الحس الإبداعي والخيالي الذي يرسم صورة العالم الخارجي والمستقبل وصولاً للتركيبة المجردة التي تكون شغوفة بقراءة أمهات الكتب والعلوم.
فعادةً إذا كان طفلك صغيراً بالسن فإنه يحب القصص الخيالية، أما إذا تجاوز عمر العاشرة فإنه يحب قصص المغامرة، أما المراهق فيحب القصص العاطفية، والناضج يحب القصص الواقعية والتاريخية وهكذا.
لماذا ارتبطت القصة بوقت ما قبل النوم؟ وكيف تؤثر على أحلام طفلك؟
ارتبطت القصة بوقت ما قبل النوم؛ لأنه الوقت الأنسب لقضائه مع الطفل، حيث تنشغل الأم بالبيت طوال اليوم ورعاية الأطفال إضافة لعملها، والأب كذلك يقضى يومه خارج البيت ولا يجد الوالدان وقتاً يقضيانه مع طفلهما أنسب من وقت ما قبل النوم، وهو فرصة ملائمة للاسترخاء معهما وتمضية وقت خاص بهما فقط وذلك بسرد قصة محببة يسترجع فيها الوالدان طفولتهما أو يستهدفان تعديل سلوك أو أمر معين خاص بالطفل.
إضافةً لذلك فوقت ما قبل النوم مهم جداً لبرمجة عقلية الطفل حسب ما نريد، والتحكم بطبيعة أحلامه، فالطفل سريع التأثر والتفكير ولديه مخيلة واسعة يجب استغلالها بشكل مناسب وغرس القيم والسلوكيات الحميدة كي يقوم العقل الباطن بمعالجتها وتخزينها بعد ذلك، فيحتفظ بها عقله ويرى أحلاماً ورؤى متعلقة بها تسعده أو تجعله يعيش مغامرة جميلة.
وهناك الكثير من التجارب الواقعية الإيجابية على الأثر الإيجابي للقصص على واقع حياتهم وأبنائهم حيث تحسن نوم أطفالهم بعد أن أصبح الوالدان يقيضان معهما وقت ما قبل النوم، ويختاران القصص بعناية ويبتعدان عن القصص المخيفة، إضافة لتحسن جودة النوم لدى الطفل، ومستوى النشاط لديه في اليوم التالي، وشعوره بحالة مزاجية أفضل طوال اليوم التالي.
بالإضافة لشعوره بالخصوصية؛ لأن له موعداً خاصاً يقضيه مع والديه، وأيضاً الشعور بالحماس للوصول لهذا الوقت، وأصبح وقت النوم والاستعداد له هو الوقت المفضل لديهم، إن كانوا سابقاً ينفرون منه أو لا يستجيبون له دون أخذ قسط من "الترجيّات" كي يناموا وقت النوم، لم يعد هناك عراك ما قبل النوم بين بعضهم البعض أيضا، بل أصبحت وسيلة للتقارب الأسري بين الأبناء أيضاً ويتناقشان بعد ذلك في قصة ليلة الأمس ويتشاركونها مع أصدقائهم.
كيف نحبب أطفال التكنولوجيا الحديثة في القصص؟
إذا كان طفلك من محبي التكنولوجيا فيمكنك استغلال ذلك في ربطها بحب القصة، حيث أصبحت هناك كثير من التطبيقات تحتوي على العديد من القصص التفاعلية وغير التفاعلية للأطفال، ومنها ما هو مجاني تماماً أو بمقابل مبلغ مالي بسيط، فيمكنك مشاركة طفلك البحث والاختيار وإعداد قائمة بالقصص التي يرغب في قراءتها والاستماع لها أو التفاعل معها، وذلك وفق مرحلته العمرية، وبذلك تكون قد دمجت بين التكنولوجيا وغرس حب القصة في نفوس أطفالك بشكل عملي وبسيط.
في النهاية.. تذكر أنه لا يوجد وقت أغلى من ذاك الذي تقضيه في تربية طفلك ولا أسلوب أفضل من القصص، فلا تنتظر الوقت المناسب، فهو بين يديك، ابدأ اليوم ولا تحرمهم ونفسك من الاستمتاع بهذا الوقت والتقرب فيه لبعضكم البعض، وما تغرسه اليوم غداً يثمر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.