من هو؟
حدث ذلك في عام 2000، حينما وصل فلورنتينو بيريز إلى رئاسة ريال مدريد، وعرض على محامٍ لا يعرفه أحد، أن يكون ضمن فريقه الرئاسي ويعاون خورخي فالدانو.
الغريب أنه رفض، حسبما قال فيما بعد؛ لأنه لا بد أن يكون في مايوركا، وهو مدين لهم بشيء هو نفسه لا يعرفه، وفي عام 2003، عرف العالم كله ما هو هذا الشيء.
إنه كأس الملك، الذي توج به مايوركا عام 2003، وفي طريقهم إليه حققوا شيئاً غريباً، في ذهاب ربع النهائي، تعادلوا مع ريال مدريد في البيرنابيو، وفي العودة، في قلب مايوركا، وبحضور كل النجوم التي تأتي في ذاكرتك في الفترة نفسها؛ خسر ريال مدريد برباعية نظيفة.
في المنصة التي تبدو من أعلى نقطة قد تصل إليها عدسة الكاميرا، كان فلورنتينو بيريز، رئيس ريال مدريد، جالساً يراقب وهو لا يفهم ما أصاب حبيبه في مايوركا. إلى جواره، كان رئيس مايوركا، الرجل الذي طلب منه بيريز المعونة من قبل لكنه فضّل أن يجلس بمسمى يشبه مسمى بيريز نفسه، وكان صارماً، ومع تزايد الغلة لفريقه، لم تبدُ على ملامحه أية أمارات للفرح أو خلافه.
في تلك الليلة، كان هناك لاعب من إفريقيا، تحديداً من الكاميرون، يلعب وكأن كرة القدم ستنتهي غداً، هو لاعب ريال مدريد السابق، واللاعب الذي وصل مايوركا نظير 7 ملايين يورو فقط، ورحل عنها بـ24 مليوناً.
رحل عنها، بعد أن اجتمع معه رئيس مايوركا، وأخبره بأنه لابد أن يرحل عن مايوركا، ولا بد أن يجرب تجربة جديدة، ولن يكون هناك أفضل من برشلونة تحت رئاسة خوان لابورتا؛ هذا اللاعب هو صامويل إيتو.
نحن بالفعل نتحدث عن "ماتيو أليماني فونت" الاسم الذي يبدو عربياً، وملامحه تشبه الملامح العربية، وصرامته في العمل أيضاً.
إنه الرجل الذي رفض مقعداً في ولاية فلورنتينو بيريز، والرجل الذي حكم مايوركا من عام 2000 حتى 2005، ورحل عنها، ليطلب مقعداً أكبر، وترشح لرئاسة الاتحاد الإسباني لكرة القدم في عام 2007؛ لكن الظروف لم تمنحه الفرصة التي طمح إليها.
هناك أشياء تحدث
أليماني، المحامي الذي يمارس عمله، والرئيس الذي حكم مايوركا، في عام 2017، وجد بابه يدق، إنها أيدي فالنسيا، إنهم غارقون ويطمحون لطوق نجاة.
خافيير تيباس، رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم آنذاك، دلهم عليه، ومنحهم عنوانه وبلدته، إنها الأفلام التي نراها ونسمعها، رجل حكيم لكن بلا عمل، ودون أضواء، يظهر فجأة؛ وتصبح الحياة بسببه: قبل وبعد.
في فالنسيا، عمل كرئيس تنفيذي للنادي، لكن المشكلة كانت أكبر منه، إنه الاستثمار، بيتر ليم، رجل الأعمال السنغافوري، والذي استحوذ على 70% من أسهم فالنسيا، كان كثيراً ما يفعل ما يحلو له.
يبيع ويشتري كيفما شاء، يتفق على أشياء لا تناسب ما يقرره أليماني، والرجل كان يتعامل بمنطق الأسرة الحاكمة، زوجته شيري وابنته كيم كانا يديران معه منظومته، لدرجة أن ابنته في عام 2019 قالت لجماهير فالنسيا، الرافضة والمستاءة من حكم والدها، إنهم لا يفهمون أي شيء، وإن فالنسيا مملوك لها، ولأسرتها، سيفعلون ما أرادوا، في الوقت الذي يحبونه!
أليماني، كانت خطته تنظيف فالنسيا من آثار الماضي، وبدأ العمل حينما جلب مارسيلنيو، ومارسيلينو كان يتعاون مع أليماني بشكل يومي تقريباً.
حدث ذلك، بعد أيام من وفاة برشلونة إكلينيكياً في الأنفيلد، وقف فالنسيا أمامهم في إشبيلية، وسلبهم كأس الملك في المباراة النهائية؛ وهو أول لقب يحققه فالنسيا منذ أكثر من 12 سنة كاملة.
لكن بيتر ليم تدخل، وأفسد مخططاتهما، ورحل أليماني مغلقاً باب فالنسيا خلفه، وغادر مارسيلنيو للأبد، وفي فالنسيا، فهموا جيداً أن الاستثمار أفسد ما شرعوا في عمله، وأن رحيل اليماني ومعه مارسيلنيو؛ يعني أن فالنسيا سيعود أميالاً للخلف، وقد كان.
كعادته، بعد أن يظهر لعام يغيب أعواماً، لكن، قبل أن يغيب، كان جوزيب ماريا بارتميو، رئيس بارتميو في ذلك الوقت، في أمس الحاجة لخدماته، وإدارة بارتميو، التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، حاولت أن تجد طبيباً يعالج جراحها العميقة؛ وأليماني رفض أن يؤدي تلك المهمة.
إنهم يأتون من أجلك مجدداً، إياك أن ترفض!
عامين، عامين بعيداً عن الأضواء، حتى دقوا بابه مرة أخرى، إنها أيدي برشلونة يا أليماني.. هل نفتح؟
هذه المرة قال ماتيو أليماني نعم، قال نعم للرجل الذي كان يعرفه منذ بداية الألفية، الرجل الذي أسلمه كنزاً إفريقياً كان سبباً رئيسياً للقبي دوري أبطال في ولايته.
إنه خوان لابورتا، الذي يزاول مهنة أليماني نفسها، والذي يريد منه أن يعاونه، من هنا أصبح أليماني هو الرئيس الحقيقي لبرشلونة، ومدير التعاقدات، وحلّال أزمات لا أحد يفك شفراتها غيره.
الديون التي خلفها بارتميو وإدارته خلفهما، كانت ضخمة، للحد الذي منع برشلونة من دخول سوق الانتقالات "بقلب جامد"، بل من وراء حجاب، يأخذ فضلات غيره، يبحث عن لاعبين تنتهي عقودهم مع أنديتهم، ويحاول أن يتخلص من غيرهم ممن خُلدوا لديه.
ثم في السوق التالي، وجدوا أن الديون التي حاولوا التخلص منها لا زالت عالقة في جوفهم، وأن التخلص منها بحاجة إلى مضاد قوي يُزيحها للأبد.
فكرة الروافع الاقتصادية، كانت هي المضاد الذي سيشربه برشلونة ليتخلص من حموضة ديونه؛ والتي تنص على أن يبيع برشلونة أصوله المستقبلية نظير مبالغ طائلة من الأموال.
مما قيل، عن حنكة ماتيو أليماني في المفاوضات، أنه يتبع نهجاً مميزاً، المفاوضات لها مدة زمنية محددة، وينتظر في الوقت المناسب ليُقدم عرضاً، أو يراقب أفضل عرض تم تقديمه ثم يبحث عما يقترب منه أو أقل بشروط ومزايا إضافية.
وأصبح برشلونة مطالباً بعدة خيارات، أهمها هي معالجة قضية ديمبيلي، اللاعب الذي وصل في صيف سنة 2018، بعد رحيل البرازيلي نيمار عن الفريق، وهو اللاعب الذي لم يمنح برشلونة أية نقطة من العسل طوال فترة وجوده داخل النادي.
وكان برشلونة أيضاً، أمام عدة قضايا لا بد من إيجاد حلول لها، فورية وقاطعة، على رأسها بالطبع تجديد عقود كلٍّ من: رونالد آراوخو وجافي، وبالتأكيد عثمان ديمبيلي، إما ببيعه أو ببقائه حسب ما يحدده النادي.
في الجوار، وبعد رحيل ميسي، تخلت الشركات الراعية عن حماية برشلونة، ودون أي نجم يمكن الوثوق به؛ ظهرت سبوتيفاي، بعقد خيالي، 280 مليون يورو على 3 سنوات، كأغلى عقد رعاية لفريق في تاريخ كرة القدم.
وأصبح أليماني أمامه ألف حيلة للتفكير بهدوء ورزانة، من هنا بدأ برشلونة يخرج من وراء حجابه، ويدخل سوق الانتقالات متسائلاً: "بكم هذا؟".
ويدخل برشلونة موسمه الجديد، وفي جعبته جافي، ورونالد آراوخو، وعثمان ديمبيلي، ورأينا ليفاندوفسكي يرغب في الوصول، ورافينيا ينتظر حتى اللحظة الأخيرة أن يضع برشلونة عرضه على الطاولة، وكوندي يصل في وقت كان قد اتفق فيه على كل شيء مع تشيلسي تقريباً.
كل هذا، يعود الفضل فيه، ليس للابورتا، بل لرئيس مايوركا السابق، والمحامي الذي يبدو اسمه عربياً، وصرامته في العمل لا توصف، الرجل الذي رفض مقعداً في ولاية بيريز، وطمع في مقعد أكبر لدى الاتحاد الإسباني، وأعاد معه فالنسيا للوقوف على المنصات، وها هو يعيد إحياء برشلونة من جديد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.