تراجعت شعبيته إلى 22.3% لكنّ خطته تسير بنجاح.. الهدف التالي لقيس سعيد هو النقابات

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/27 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/28 الساعة 04:48 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيّد (مواقع التواصل الاجتماعي)

لا يمكن أن يكون هناك خلاف جدي على أن استيلاء قيس سعيد على السلطة في تونس قبل عام كان انقلاباً، وعلى أن الوثيقة التي نشرها موقع Middle East Eye البريطاني توضح ما سيحدث قبل شهرين من تحرك سعيد كانت خطة حقيقية نفذها بالفعل، وعلى أن تونس تتجه الآن نحو الديكتاتورية. 

حتى السياسيون الذين دعموا سعيد قبل عام، ثم تحوَّل ضدهم لاحقاً، لن يجادلوا في ذلك. ناهيك عن النقابات التي دعمته، أو في الواقع التونسيين الفقراء، فقد تراجعت شعبيته من 80% إلى 22.3%. 

حتى الشباب، الذين كانوا مقتنعين العام الماضي بأن سعيد سيطهِّر البلاد من الفساد، منقسمون الآن. 

تنتشر معارضة حركة النهضة الإسلامية المعتدلة، التي لا تزال أكبر حركة سياسية منفردة، ضد محاولاته لجمع كل سلطات الدولة بين يديه دون أي ضوابط أو توازنات، وتتجاوز هدفه الرئيسي. 

بعد مرور عام يتخذ سعيد خطوة مهمة لفرض قبضته على السلطة بشكل ملموس، من خلال فرض دستور يقضي على جميع الضوابط والتوازنات على حكمه بمرسوم. أظهرت نتائج استفتاء يوم الإثنين 25 يوليو/تموز، وفقاً للأرقام الأولية الصادرة عن مفوضية الانتخابات، نسبة إقبال منخفضة بلغت 27.5% فقط. 

خطوات مهمة

يبدو أن سعيد هو المؤلف الوحيد للدستور الذي طرحه للتصويت، كان له مؤلفون آخرون، لكن سعيد قام بتجريف نصه بالجرافات. وقد رفض صادق بلعيد، رئيس اللجنة الاستشارية التي عيّنها سعيد لكتابة الدستور الجديد، المسودة النهائية. 

كشف بلعيد أن سعيد أجرى تغييرات جوهرية على النسخة المقدمة إليه من اللجنة، كان بلعيد أحد أقرب المقربين لسعيد.

يلغي الدستور الجديد دستور 2014 التونسي، الذي استغرق عامين ومشاورات مكثفة على الصعيدين المحلي والوطني. إنه يركز جميع السلطات في أيدي الرئاسة على الحكومة والقضاء والسلطة التنفيذية، وبالتالي يقضي على مبدأ الفصل بين السلطات الذي يُعتَبَر ضرورةً لأية ديمقراطية أخرى.

لتمريره، اضطر سعيد إلى إقالة لجنة الانتخابات التونسية التي أبلت حسناً في سبعة انتخابات سابقة، ثم تعيين رجال مؤيدين له. حتى اللحظة الأخيرة خرق سعيد القواعد التي وضعها بنفسه، مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون. اتُّهِمَ سعيد بانتهاك قانون الانتخابات من خلال بث مقطع فيديو على قناة رسمية يوم التصويت. 

جميع الأحزاب قاطعت الاستفتاء، باستثناء حزب واحد، ولم يكن هناك مراقبون. 

وبالتالي، فإن نتائج مثل هذا الزيف لن تعكس الواقع، لا شك أن سعيد نفسه سيتظاهر بالدهشة من النتيجة، لكن هذا سيكون بمثابة عودة إلى أسوأ سنوات ديكتاتورية ما بعد الاستعمار في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.  

تظاهرت صحيفة The Nation، الناطقة بلسان الرئاسة في كينيا، بالدهشة عندما أعيد انتخاب جومو كينياتا، وهو سلطوي سيئ السمعة، كما لو أن الحزب الحاكم، الاتحاد الوطني الإفريقي الكيني، لم يفُز بكل المقاعد في كل انتخابات من عام 1969 إلى عام 1988. 

هكذا سيكون الأمر في تونس اليوم. 

في اللحظة التي تظهر النتائج الرسمية سوف يُثبَّت هذا الدستور، لا يوجد حد أدنى للإقبال على التصويت، مثل المطلب المعتاد الذي يقضي بأن يصوت 55% من السكان لصالحه. 

سعيد، الذي تمرَّسَ كمحامٍ دستوري، لا يهتم بالتفاصيل، يريد السلطة المطلقة، والآن يعتبر نفسه سلطاناً، رجل يستطيع أن يرى ما وراء حاجات الحاضر، حاكم مُنزَّل من الله، كان هناك العديد من هؤلاء في الماضي، ومثل هؤلاء ينتهون بشكلٍ سيئ دائماً تقريباً. 

ما مِن تصريح مرور مجاني 

الجبهة التونسية لمقاومة الديكتاتورية يقودها قضاة شجعان، هذه مفاجأة، لكنها تمثل تقدماً من نوع ما، لم يكن الأمر كذلك في عهد الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، حيث كانت المحاكم ذراعاً تابعاً تماماً للرئاسة، لكن زملاء سعيد السابقين في مهنة المحاماة لا يملكون أي شيء.

ليس كلهم، والبعض مستعد لقبول ما أصبح يُعرف في العهد السوفييتي باسم "عدالة الهاتف"، عندما كانت الأحكام تُرسَل إلى القضاة على أيدي الحزب. 

نظمت نقابة القضاة إضراباً لمدة شهر؛ احتجاجاً على إقالة 57 من بينهم. اتهمهم سعيد بالفساد وحماية الإرهابيين، لكن معياره لمن يحمي الإرهابيين معروف بأنه فضفاض؛ أي قاض يعصي أوامره. 

تُوضَع الآن قائمة جديدة بالقضاة العصاة -أو ذوي التفكير المستقل- وسوف تتضمن القاضي الذي رفض قضية غسيل الأموال الملفقة ضد راشد الغنوشي، رئيس البرلمان السابق ورئيس حزب النهضة.

جاء الادعاء بأن الغنوشي قبِل أموالاً من حكومات أجنبية وغسلها من خلال منظمة أخرى تعمل كواجهة، من جانب صحفي بريطاني شهير في الشرق الأوسط، لكن تقاريره قد تكون معيبة بقدر ما كانت رائعة.

نشر الراحل روبرت فيسك الادعاء بأن الغنوشي تلقى مبالغ مالية كبيرة من أمير قطر عشية الانتخابات. كان مصدره وزير الخارجية السوري آنذاك، وليد المعلم، الذي كان هو التالي في قائمة انتظار جمهور الأمير.

رفعت حركة النهضة دعوى قضائية وفازت بها، كان على صحيفة The Independent البريطانية أن تدفع الثمن، وأن تقدم اعتذاراً سخياً: "نود أن نوضح أن السيد الغنوشي وحزبه لم يقبلوا أي تبرع من دولة أجنبية في انتهاك لقوانين تمويل الأحزاب التونسية، نعتذر للسيد الغنوشي".

رُفعت دعوى قضائية على صحف عربية أخرى كررت هذا الادعاء، وخسرتها وتهربت من الغرامات، وفعلت إحداها ذلك من خلال إعادة تشكيل شركتها في لندن. 

في الأسبوع الماضي، قاضي التحقيق لم يكن لديه أي من مثل هذه الاتهامات. وزعمت النيابة أن الغنوشي له صلات بجمعية نماء التونسية المتهمة بغسل الأموال. 

ورفض القضاة قبول طلب النيابة بالقبض على الغنوشي، بينما كان لا يزال قيد التحقيق، لكن القضية نفسها ما زالت مستمرة. بعد جلسة استغرقت تسع ساعات أطلق القاضي سراح الغنوشي، رغم استمرار التحقيق معه بشأن مزاعم أخرى.

كانت هناك سمات مزعجة أخرى للقضية، لماذا جرت جلسات الاستماع في محكمة مكافحة الإرهاب بدلاً من محكمة تتعامل مع مخالفات مالية؟ حتى لو ثبتَت التهمة فلا علاقة لها بالإرهاب. 

لو نجح الادعاء هذه المرة لكان من السهل بيع القصة للتونسيين، يذهب الأمر على هذا النحو: "النقص في المواد الغذائية الأساسية لا علاقة له بي، هناك مؤامرة في البلاد لخلق هذا النقص، وهذه القوى المظلمة تتآمر ضد أناس طيبين مثلك ومثلي". 

هكذا يفكر سعيد ويتحدث مع من انتخبه، إنه واهم، وكاذب تماماً، وغير مسؤول بالنظر إلى عمق الفقر والبطالة في البلاد. ويصدقه عدد أقل وأقل من التونسيين. 

الهدف التالي

النهضة تزداد قوة، عاد الأعضاء للانضمام، والغنوشي نفسه مستعد تماماً للقيام بما قد يكون بالنسبة له فترة ثالثة في السجن، لقد سُجِنَ في عهد الرئيسين الراحلين بورقيبة وبن علي.

سيكون سجن الغنوشي بمثابة رسالة لجميع الأحزاب السياسية، مفادها أنه لا مجال للتعددية السياسية. ويقول مساعدو الغنوشي المقربون إن ذلك سيقوي النهضة لا العكس. 

لن تسقط السماء على جبهة الإنقاذ الوطني، التي شكلها الإسلاميون مع تسعة أحزاب أخرى وجماعات المجتمع المدني، زعيمها أحمد نجيب الشابي ليس إسلامياً، لكنه يستطيع التمييز بين الخلافات السياسية والديمقراطية نفسها.

مع إزاحة زعيم حزب النهضة من الطريق سيكون هدف سعيد التالي هو النقابات.

مع الدخل القومي الإجمالي البالغ 45 مليار دولار في عام 2021، ونقص السلع الأساسية البالغ 36 مليار دينار (حوالي 12 مليار دولار)، فإن المالية العامة التونسية ستتجاوز حدود الأزمة قريباً جداً. يتدفق النقد من الخليج والاتحاد الأوروبي، لكن أمل سعيد الوحيد هو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، والذي سيطلب بالتأكيد سعراً مرتفعاً لخطة الإنقاذ، كما فعل في مصر.

سيطالب صندوق النقد الدولي بخفض الدعم وتسريح عمال القطاع العام.

كان نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، قد تعرض بالفعل لصدام في المحاكم بشأن محاولة الحكم بعدم شرعية ولايته الثالثة، وكان قد خاض محاولة واحدة للإضراب العام. وفي الاستفتاء كان الاتحاد العام التونسي للشغل حريصاً على السير على حبل مشدود لإدانة الدستور، مع السماح للأعضاء بالتصويت بما تمليه ضمائرهم. 

سيكون من المستحيل بالفعل معرفة عدد التونسيين الذين اتبعوا دعوات المقاطعة وعدد الذين ظلوا بعيدين عن مراكز الاقتراع. المسرح مهيأ لصدام عظيم بين السلطان التونسي الجديد والنقابات، التي تعد الحركة الجماهيرية المنظمة الأخرى الوحيدة بعد النهضة.

إن الديمقراطيين في تونس، الذين يتعرضون لضغوط شديدة، لن يتوقعوا كلمة مساعدة من معاقل مَن يعلنون أنفسهم ديمقراطية من جانبهم هم فقط- الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لقد أعربوا عن قلقهم العميق بشأن ما يفعله سعيد، بينما كانوا يبذلون كل جهدهم لتجنب وصفه بأنه انقلاب.

لقد اتبعوا نفس قواعد اللعبة في مصر، وكانوا سيفعلون الشيء نفسه في تركيا لو نجحت محاولة الانقلاب هناك، لكن مرة أخرى تُظهر تونس بالمثال العملي كيف أن جيرانها الأوروبيين غير لائقين. 

إنهم يريدون حقاً سحق الربيع العربي، والديمقراطيون في تونس هم آخر براعمه الذابلة. 

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ديفيد هيرست
كاتب صحفي بريطاني
ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، وكبير الكتاب في الجارديان البريطانية سابقاً
تحميل المزيد