داخل مصعد مبنى عملي، كانت السماعات تهدر في أذني بأغنية لتامر حسني، لن أنسى يومها النظرة التي رمقتني بها زميلة حين نظرت لي باستغراب شديد ممزوج باستهجان، قائلة: تامر حسني!
الحق أنني شعرت باستياء شديد من طريقتها، للمرء الحق أن يسمع من يشاء، لكنني أيضاً أفهم منطقها، هي -وكثيرين مثلها- يرون تامر حسني مطرباً لجمهور معين فقط، المراهقين أو "الأندر إيدج"، الذين يتوجه لهم بأعماله وأغانيه، فيكتسح ويكتسب أرضية واسعة، وبناء على وجهة النظر تلك، صار سماعي له علامة على تدهوري الفكري –برأيها- وتراجع ذوقي الموسيقي والغنائي!
النجاة من غياهب السجن
قليلون هم من يتخطون العقبات بخفة، تامر حسني واحد من هؤلاء، ما زلت أذكر خبر إلقاء القبض عليه، مطلع عام 2006، حين تم اتهامه وقتها بتزوير أوراق رسمية للتهرب من تأدية الخدمة العسكرية، وأُدين بالفعل، وحُكم عليه بالسجن لمدة عام.
الشاب الذي كان في بدايات المجد، تبتسم له الحياة بعد ألبومين ناجحين، أحدهما مشترك مع المطربة شيرين عبد الوهاب عام 2002، والثاني منفرد عام 2004، كان على وشك الانطلاق حين تعرَّض لتلك الكبوة بصحبة زميله هيثم شاكر، الذي كان قد بدأ قبله، لكن استجابة الاثنين للمشكلة بدت مختلفة كلياً.
حصل تامر على إفراج من السجن الحربي، وسارع لارتداء ملابس التجنيد وجرى نقله إلى وحدة الشؤون المعنوية، حيث أنهى فترة تجنيده، ليسارع بعدها إلى الخارج.
الحق أنني توقفت كثيراً عند تلك النقطة، فالمسافة بين الإفراج عنه في السجن الحربي وتجنيده كانت "أسبوع إجازة"، قضى بعدها 6 أشهر في التجنيد، إلا أنه لم يضيعها سدى، فقد سارع إلى تسجيل أغنية، فضلاً عن إحياء حفل بالاستاد، تبرع بعائدها لصالح ضحايا إحدى حوادث القطارات، ولذوي لاعبي كرة القدم منهم لاعب الأهلي المصري محمد عبد الوهاب.
في العام نفسه، أطلق تامر حسني ألبوم "عينيا بتحبك"، والذي حقق مبيعات عالية ليلحقه بألبومين في العام 2007، "الجنة في بيوتنا" و"يا بنت الإيه".
من هنا بدأت حالة التماهي مع "نجم الجيل"، ذلك الذي يعبر عن حالة الصراع مع الذات، بأغانٍ دينية، وأخرى لاحقة من عينة "هي دي"الشهيرة بإيحاءاتها الصادمة، والتي اعتبرها البعض محرضة على التحرش.
تامر الاستثنائي
بعيداً عن التناقض، يبقى إصرار تامر حسني لافتاً للغاية، ذلك الطفل الذي انفصل أبواه، فوجد نفسه وشقيقه بصحبة والدتهما، وحدهما فجأة.
الفتى الصغير الذي عمل في مهن عديدة في طفولته، من بيع العطور، إلى العمل في مجال البناء، وبيع البنزين، والبقالة، قطع على نفسه وعداً: "وعدت أمي أن أكون حاجة، ونفذت وعدي، هي كل الرحلة وسبب الفضل في اللي أنا فيه".
الحق أن تامر، أوفى بوعده للدرجة التي دفعت والدته للتأكيد على أن صغيرها تحمل المسؤولية في وقت مبكر، حتى صار ليس ابنها فقط، ولكن "الأب" لها ولوالده ولشقيقه، حيث راح يرعى الجميع، لم يحصل تامر من والده على مال ولا عناية، فقط ورث عنه صوته الجميل جداً.
"خليك فولاذي.. وده مش تعبير مجازي، عاوزاك الدنيا جامد، وده مش وقت التعازي"
كلمات مميزة لأغنيته -التي أحبها كثيراً- سبق له تطبيقها بحذافيرها في حياته منذ الطفولة وحتى قمة النجاح، مبادئ تامر أنقذته في أوقات عديدة، وهو أمر عبر عنه بوضوح في لقاء لاحق له مع الإعلامي، عمرو الليثي، حين قال: "مريت بظروف قاسية جداً على أي طفل، شعور الإحباط يجيلك حاجة، وإنك تصدقه دي حاجة تانية، تزعل تحزن لكن تقول لأ، مش هاشتغل، حياتي ضاعت، ماليش لازمة، مفيش الكلام ده خالص، في ناس ظروفهم أصعب ووصلوا، وفي مشاهير ظروفهم تحت الصفر ووصلوا، آمنوا بربنا، ربنا أكرمهم على قد التعب".
دائرة تامر حسني المقربة ضيقة، لكن من دخلها أكد أنه شخص "متواضع جداً" و"جدع" يشهد على ذلك عشرات المواقف الإنسانية اللافتة في حياته، والتي فسرها البعض بأنها "شو إعلامي"، لكنها في رأيي نابعة من قلبه حقاً، يكفي أن تكتب في خانة البحث "موقف إنساني" متبوعاً باسم تامر حسني حتى يفاجئك سيل من مقاطع الفيديو والأخبار، لتامر مع أشخاص مرضى ومعاقين، أطفال ومسنين، داخل مصر وخارجها، يقدمها ليس على طريقة الشو، ولكن بمنتهى الود واللطف.
تفاصيل الاتفاق السري بين بسمة بوسيل وتامر
نظام خالٍ من السكر، طبق السلطة فيه هو البطل، ربما يبدو هذا عادياً، لكنه ليس كذلك بالنسبة لي، حين سمعته بصحبة الإعلامية منى الشاذلي يقول: "باتعزم، ويجيبولي الحاجات اللي بطلبها فالاقي المكرونة، بحس إن دموعي هاتنزل، قاعد ومش قادر أمد إيدي".
فهمت جيداً تلك الشخصية، التي تشمل أسرتها بالعناية والحب والاحترام، يمكن فهم هذا الأمر جيداً عبر مطالعة صور حفل تامر حسني في المسرح الروماني عام 2016، حيث حضر الحفل ليس فقط زوجته ووالدته، ولكن والده وزوجة أبيه وشقيقه الصغير البالغ من العمر وقتها 12 عاماً، مع اختلاف الأماكن، فبينما جلست الأم في الصفوف الأولى، جلس الوالد بعيداً وسط الجمهور.
ولا أنسى تلك المشادة التي وقعت بينه وبين زوجته بسمة بوسيل، وقتها كتبت بسمة رسالة عبر صفحتها الشخصية:
"لكل الناس اللي بتبعتلي صور وفيديوهات لتامر وشايفة إنه مش بيعملي احترام سواء في صور أو فيديوهات.. ياريت تبطلوا تبعتولي أي حاجة عشان مش فارقلي أي صور، وكماأاحب أعرفكوا ان احنا بقالنا فترة منفصلين، بنحضر أوراق الطلاق، لو سمحتوا احترموا مشاعر كل حد فينا، وبطلوا على الأقل تبعتولي انا اي حاجة، وبالتوفيق للجميع".
قبل أن تعود وتحذف المنشور بعد دقائق من نشره، ثم تعيد نشره مرة أخرى، وسط حالة من الجدل حول علاقتهما.
وقتها فاجأ تامر الجميع، ولم يقم بالتصعيد، على العكس، قام بكتابة رسالة عبر صفحته الشخصية قال خلالها: "بسمة حبيبتي.. للأسف أنتي ما فكرتيش كويس وسلمتي ودنك لشر السوشيال ميديا علشان كام تعليق كلامهم فارغ نسوكي إنك عرفتيني وأنا مشهور ودي طبيعة شغلي اللي عرفتيني وحبتيني بيها إزاي وصلوكي للزعل والبعد فترة، المهم أنا مش زعلان منك ولا يرضيني زعلك إنتي حبيبتي وأم ولادي، أنا ضهرك وسندك مهما حصل بس اللي عايز أقوله لعل يكون سبب خير في توعية ناس كتير ليه لما أي حد بيزعل من حد بيطلع يكتب عليه في السوشيال ميديا، طب حتى يكلمه الأول، إيه علاقة الناس بمشكلة شخصية بين اتنين ممكن تتحل بالتليفون أو بزيارة رحيمة بينهم، وياريتها مشكلة أصلا.. ربنا جعل بينا مودة ورحمة علشان كدة للأسف إنتي عارفة إن فيه ناس طبيعتهم حب خراب البيوت، ومش هنخلص منهم.. بس إنتي اللي هتتخلصي من فكرة إنك تسمعيهم، مع إنك ما كنتيش كدة".
كانت مجموعة من الصور ومقاطع الفيديو لتامر في حفلاته قد أثارت غضب بسمة، إلا أنه وبمجرد انتهاء المشكلة، بدا أن هناك اتفاقاً سرياً تم عقده بين الاثنين، صارت من بعده بوسيل "ملازمة" له في كل وأي مكان، بل تشاركه في حفلاته وعمله عموماً، فتختار بصحبته "البطلة" التي ستظهر في الفيلم كما هو الحال في الفيلم الأخير.
حسناً، أعجبني التزام تامر ناحية زوجته لكنني توقفت كثيراً عند هذا الفيديو، حين أمسكت بسمة بالمايك وقررت أن تغني، حينها التفت تامر فجأة مع غضب وفزع بادٍ على وجهه قبل أن يتعقل وسط تصفيق الجميع من حوله، لصوت بسمة بوسيل الجميل، فتفاعل مثلهم، لكن قراءتي لتعبيرات وجهه لم تكن كقراءة الآخرين، لم تكن ملامحه لرجل داعم ومشجع لزوجته كي تغني وتخرج صوتها في وجوده، الحق أن بسمة ارتضت التراجع للخلف أمام صوت زوجها، وضحت بمستقبلها المهني لترجح كفة حياتها العائلية، فيما دفع هو ثمن هذا التزام بملازمتها واحترامه لمشاعرها ومساحة لم يفردها سواه لزوجته، ربما باستثناء المخرج محمد سامي وزوجته مي عمر.
لهذا كرهت "بحبك"
حسناً، بعد كل هذه المثالية واللطف، والذكاء على كل المستويات، ما الذي وصل بشخص ناجح ومميز كتامر حسني لهذه المرحلة من الابتذال وانعدام الاحتراف في فيلم "بحبك"؟ الفيلم الذي قام بتأليف أغانيه وكتابته وإخراجه والقيام ببطولته أيضاً، محاولاً تطبيق أسطورة "الفنان الشامل".
بالعودة لتصريحاته السابقة كان تامر حسني قد أكد في لقاء سابق أنه كلما تم نقده تمادى في استكشاف ذاته، هكذا انتقل من مرحلة الغناء إلى مرحلة التأليف والتلحين: "في بداياتي كنت كلما لجأت لشاعر أو ملحن لا أجد شيئاً جيداً، هكذا كتبت ولحنت يا نور عيني، وأغنية كل مرة بشوفك فيها، ويا تاعبني، وأنا مش عارف أتغير، وما يحرمنيش منك، وأنا ولا عارف، و ارجعلي، ولولاك حبيبي".
ليس هذا فحسب، فقد وصل الأمر لأبعد من ذلك لاحقاً، حيث انتقل تامر من مرحلة اقتراح فكرة الفيلم، كما هو الحال في "حالة حب"، و"عمر وسلمى" بأجزائه، و"نور عيني"، و"البدلة"، إلى اقتراح الفكرة وحبكة القصة، كما هو الحال في "الفلوس"، ثم أخيراً صار يكتب القصة والسيناريو والحوار، كما هو الحال في "مش أنا"، وصولاً إلى القصة والسيناريو والحوار والإخراج كما هو الحال في "بحبك".
شاهدت فيلم "بحبك" ولم أتمكن من استكماله، وفهمت لماذا تم وصفه بأنه جريمة كاملة، ولماذا أيضاً ظهرت تحذيرات من دخوله، شاهدته بعدما لفتتني النزاعات التي دارت حول إيراداته.
ففي 16 يوليو الماضي خرج منتج الفيلم حسام حسني –شقيق تامر حسني – ليؤكد أن الفيلم فاق التوقعات، وحقق 236 مليون جنيه، وقتها كذَّبه كثيرون فمثلاً أكد بعض اليمنيين أن ورود اسم اليمن من بين الدول مصدر الإيرادات كذب، مؤكدين: "ليس لدينا سينمات!"، فضلاً عن هجوم نقاد من بينهم "طارق الشناوي"، الذي كذَّب الأرقام، ليعود لاحقاً ويصحح موقفه عقب مكالمة مع شركة سينرجي، حيث تراجع مؤكداً: "إيراداته حقيقية، وتأكدت بنفسي"، لكن مهلاً، هل يتعلق الأمر بالإيرادات؟
قبل أيام كان فيلم "عمر وسلمى2" يعرض على الشاشات، وقد شاهدته للمرة المليون بسعادة، وضحكت من جديد على المشاهد كأنها المرة الأولى، كذلك الأمر مع كثير من أفلام تامر التي أراها –رغم خفتها وبعض التحفظات عليها- مضحكة، لكن هذا الفيلم بالذات، ومن بين أفلام تامر كلها، "سقطة".
يبدأ الفيلم بأغنية، لا أدري سياقها أو أهميتها، ثم تبدأ سلسلة من المواقف التي يُفترض أنها مضحكة، مع سلسلة مذرية من "استخفاف الدم" تجري وسط ديكور باهظ وملابس ثمينة، وممثلين يؤدون أدوارهم بملل كأنها المرة التريليون التي يقدمون فيها نفس الكلمات، مع سلسلة من الأحداث التافهة غير المترابطة، وجمل من عينة : "انتي ازاي يابنتي ماسكة نفسك كده، ده الولد أمور جداً وبدقن ووسيم وبيضحك أوي".
هكذا تنشأ قصة حب بين تامر حسني وهنا الزاهد، بلا مقدمات تُذكر، ولا مواقف حقيقية، وعلى أسس من التفاهة والسخف، لتكتمل القصة بالصراع الشهير بين الحبيبة السابقة المصابة بالسرطان، والتي فضَّلت الابتعاد في صمت، وبين الحبيبة الجديدة، نعم حقق الفيلم إيرادات خارج مصر، لكن الإيرادات وحدها لا تكفي، حرصت على مشاهدة الفيلم مرة ثانية، فقط لأستمع إلى صوت الجمهور، ربما كان الجمهور الذي صاحبته في صالة العرض كئيباً أو عاجزاً عن الضحك، لكن النتيجة واحدة، حالة من الندم وانعدام الضحك الذي اعتاده الجمهور في أفلام تامر السابقة.
لماذا يا تامر حسني؟
قرابة الـ38 جائزة مصرية وعالمية، نجاح ساحق وجماهيرية كبرى، ربما يصيب هذا البعض بانعدام القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة، وربما هذا هو السر وراء العديد من التصرفات التي صار تامر حسني يرتكبها أخيراً فتدفعني للتساؤل، لماذا يا تامر؟ بدأ الأمر مع تلك التغييرات الجذرية التي أجراها في وجهه، صعقتني الصور الجديدة، حتى صار له هو الآخر صوراً بعنوان "شاهد تامر حسني قبل وبعد"، الحق أن آخر ما توقعته هو هذا الكم من عمليات التجميل!
لماذا يا تامر؟ ما الداعي لادعاء جماهيرية غير حقيقية، تعجبت كثيراً حين خرج عبر صفحته الرسمية ليعلن اختيار موسوعة غينيس كـ"أكثر فنان مؤثر وملهم في العالم" ما دعا المسؤولين عن الموسوعة الأمريكية الشهيرة لإصدار بيان عبر موقعها الرسمي توضح فيه أن جمهور تامر حسني، كسر يوم الجمعة الموافق 16 ديسمبر/كانون الأول 2019 الرقم القياسي العالمي لغينيس للأرقام القياسية لـ"أكثر عدد مشاركات على لوحة إعلانات" في مارينا مول أبوظبي، مؤكدين أنها لا تقيس الإنجازات التي لا تتبع معايير واضحة، كأن يكون الإنجاز قابل للقياس والكسر، هل يحتاج تامر حسني لمعلومة مضللة مماثلة لإثبات شعبيته؟
لماذا الإصرار على القيام بكل شيء، في حين يقول المثل الشعبي المصري "إدي العيش لخبازه" هل يحتاج تامر حسني لمزيد من المال، ليوفر أجر السيناريست والمخرج، استعراض عضلات أم توفير أو رهان خاسر؟
في كل الحالات النتيجة بدت لي مخيفة، بالرغم من كل التأكيدات على نجاح الفيلم، هذا الفيلم بالنسبة لي "فاشل".
لماذا يجب أن يتوقف فوراً؟
الفنان الذكي الذي اعتدت متابعته، صار بحاجة لـ"هدنة"، نقطة ومن أول السطر، لا أقول توقف عن العمل، ولكنه بحاجة لأن يتنفس الصعداء، كي يتخذ قرارات أكثر حكمة وذكاء كما اعتاد دائماً، أدعوه لمشاهدة فيلمه الأخير وحده، والحكم عليه بحياد، ومنطق، مع الاستماع للآراء الناقدة، فأصحابها لا يكرهونه ولا يتمنون له الإيذاء كما اعتاد أن يصور النقد.. لا أحد يعلو على المراجعة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.