تلقى الجميع خبر وفاة عمر عرشان بمرارة وحزن كبير لا يتصور، عمر عرشان الملقب بالشيف عمر، كان يقدم محتوى رائعاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يعبر فيه أولاً عن شغفه الكبير بالطبخ، وثانياً يمرر رسالة قوية أن الإعاقة هي حافز وليست تقاعساً وهماً وغماً. عمر نجم سطع بحيوية، وعاش بفرحة، والابتسامة البريئة النابعة من روحه الصافية لم تفارقه.
ذات صباح قريب، غادرنا الشيف عمر إلى دار البقاء، وهو في عامه الـ16، وقد كان سفير "اليونيسيف" لحقوق الأطفال، وأقتبس لرثائه ما قالت المنظمة في نعي روحه الطاهرة: "الشيف عمر سيظل دائماً أيقونة الأمل والإيجابية". فعزاؤنا واحد، وأدعو أن يلهم الله ذويه وأمه الصبر والسلوان.
ودّعنا عمر بحزن عميق، ونحن نحمل هم كل الأشخاص الذين في وضعية إعاقة، وقد عرفنا عمر بهم عن قرب أكثر، الذين يعيشون في العالم القروي والمناطق البعيدة في المغرب، وفي العالم. أشخاص في مناطق نائية يعانون من التهميش وعدم حصولهم على أبسط الحقوق، بالإضافة إلى الإعاقة وما تحتاج من مساعدة وعمل متواصل. فكيف لا تُقَّدم خدمات تصل إليهم، ونجد أبسط حقوقهم التي تحفظ كرامة الإنسان منعدمة، وحتى الشباب واليافعين والأطفال من أبناء المدن الكبرى في المغرب، مثل مدينة الأموال والاقتصاد الدار البيضاء، رغم غنى المدينة، ظلوا فقراء، والهشاشة حرمتهم من الاندماج.
يجب علينا إمعان التفكير والتأمل في وضعية الأشخاص الذين يعيشون هذه الصعوبات، إنهم أصحاب الهمم الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة جداً، انطلاقاً من الطبيب النفسي، ثم الأخصائي النفسي والأخصائي الحركي والأخصائي في التربية والأخصائي في النطق.
لو سردت عدد الأخصائيين ودور كل واحد في حياة أصحاب الهمم لاحتجت إلى مجلد، هذا فقط من أجل مواكبة سليمة، دون نسيان المشاكل العميقة التي يعاني منها البعض، من أمراض تحتاج إلى تدخلات جراحية ومتابعة طبية طول العمر.
وإذا أتينا للبحث عمن يشتغل لتوفير احتياجات أصحاب الهمم، فالحل يكمن في فعاليات المجتمع المدني عن طريق تأسيس جمعيات تخصهم وتختص بهم؛ لينطلقوا بعدها وسط دهاليز التخبط والحيرة بين البحث عن الموارد المالية والكفاءات، أو عقد شراكات مع الوزارات الوصية للاستفادة من الدعم المالي أو التجهيز أو الحصول على أقسام في مدرسة عمومية مثلاً.
ولا ننسى أنه يجب على الدولة عن طريق الجهات الحكومية التي تشتغل في مجال الإعاقة أن تقدم دعماً متواصلاً، ولا أنكر هنا أنها قامت بترسيخ محطات مهمة في مجال الإعاقة، أشهرها المصادقة على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لكن ينقصنا الكثير.
ومن جهة أخرى، نشاهد إجحافاً وكثرة المساطر والأوراق والبيروقراطية في أمور أصبحت متجاوزة للحصول على الدعم المادي، تؤخر الحالات، وتحرجهم، كما أن هناك بعض الأطر والإداريين ما زالت تطغى عليهم السلطوية ويتعاملون في بعض المرات، مع ملفات لأشخاص في وضعية إعاقة بشخصنة وأجندة موجهة؛ لأنه يكره مؤسسة خيرية أو جمعية.
إن كنت قد انطلقت في هذا المقال من عزاء ومواساة لفقدان الشيف عمر -رحمه الله- وبعدها طرحت كل الأفكار والمشاكل وعبرت عنها بألم وحرقة وأسف، فهذا لأن الحال والواقع مؤلم لأصحاب الهمم، والرعاية مكلفة جداً على العائلات، وليس من الناحية المادية والمعنوية وحسب.
الشيف عمر، رغم صعوبات حياته، وما كان يعاني منه، قدم لنا دروساً راسخة في الحياة، لناً جميعاً دون استثناء، فيديوهاته تحيلنا إلى إعادة النظر فيما نحن عليه الآن، ومساره رغم صغره يرمز إلى المثابرة، وأنه ليس نهاية العالم أن تعيش صعوبة أو إعاقة، بل المحرك هو الروح والعقل السليم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.