استعملت فرنسا جميع الوسائل للقضاء على المقاوم، زايد أوحماد، المطلوب الأول لديها بين 1933 و1936، فبين الإغراء بالمال وامتيازات أخرى تارة، والترهيب بالسجن والتعذيب ومصادرة الأرض تارة ثانية، فضلاً عن تجنيد عشرات الجواسيس والمخبرين، فقد فشلت كل المحاولات الفرنسية في الوصول إلى هذا المحارب الذي جرعها الحنظل طيلة سنوات ولم تتمكن من القضاء عليه حتى يوم 5 مارس من سنة 1936 (في روايات أخرى 6 مارس).
في ذلك اليوم المشهود، وبعد ثلاث سنوات من المطاردة، وصلت إلى السلطات الفرنسية معلومات استخباراتية دقيقة تفيد بأن خصمها العنيد موجود بدوار تدفالت، نواحي تنغير، وتحديداً في بيت أيت أحسو، فشرعت تُعد العُدة وترسم الخطط، وتتوقع جميع السيناريوهات لعله يكون آخر يوم في حياة ذلك المقاتل الشرس.
كان زايد أوحماد -حسب شهادة عيشة حدو زوجة أحد رفاقه في القتال كما روتها للباحث زايد أوشنا- ينوي في اليوم التالي لنزوله بتدفالت الاستيقاظ باكراً والتوجه إلى معبر تيزي نتلغمت لتنفيذ عمليات خاطفة ضد فرنسا وعملائها، لكنه لم يكن يدري أن رصاص القناص العميل عدي أوطالب سينهي حياته في ذلك اليوم الذي تصادف مع عيد الأضحى، وسيضع حداً لمغامراته.
فبينما كان سكان تدفالت، ومعهم سكان الجنوب الشرقي والمغرب، يستعدون لاستقبال فجر عيد الأضحى لتلك السنة (1936)، جاءت المفاجأة عظيمة؛ لم يُرفع أذان الفجر، ولم يتردد صدى ما يصاحبه من تهليل وأشعار دينية كما هي عادة مساجد المنطقة في كل فجر؛ هل المؤذن مريض؟ هل تدخَّل الفرنسيون وأعوانهم لمنعه من رفع الأذان؟ هل أذَّن، لكنهم لم يسمعوه؟ وكيف لا يسمعه أحد في تلك القرية الهادئة، وفي ذلك الهجيع من الليل، حيث لا صوت يعلو على صوت الصمت المطبق؟!
أسئلة أخرى طرحت نفسها في ذلك اليوم الاستثنائي في تاريخ المنطقة والمغرب، غير أنه بعد ذلك عرف السر في عدم رفع أذان الفجر ليوم عيد الأضحى، يقول زايد أوشنا صاحب كتاب "Zaid Ouhmad un honneur debout" -حسب ما روت له عيشة حدو- لقد اتضح أن إمام مسجد تدافالت كان هو صاحب الفكرة، وهو الذي اقترح على الفرنسيين منع الأذان. ففي ذلك الزمان الذي لم تكن فيه الساعات ولا المنبهات، كان الناس يتخذون من الأذان مرجعاً لتحديد الوقت والمواعيد، كأن يقولوا نلتقي بعد أذان العصر، ننطلق مع أذان الفجر، موعدنا بعد صلاة العشاء.
كان الإمام يعرف أن زايد أوحماد ورفاقه سينتظرون سماع أذان الفجر للاستيقاظ والانقضاض على الفرنسيين وعملائهم في مكان ما، لذلك طلب من المؤذن عدم رفع الأذان حتى يغطوا في نوم عميق، فتسهل على القناصة مباغتتهم وهم على فراش النوم والفتك بهم.
لقد لجأ إمام القرية إلى هذه الخطة للنجاة بجلده بعدما أُلقي عليه القبض هو وشيخ قرية تدفالت في ذلك الوقت بتهمة التستر على زايد أوحماد، إذ رغم تبريره لعدم التبليغ عنه بأنه لم يكن على علم بوجوده في تدافالت، فإن الفرنسيين أسرعوا إلى تصفيده ووضعه في سيارة جيب، تمهيداً لنقله إلى سجن تنغير.
في تلك الأثناء، وبينما كان سائق الجيب يستعد للانطلاق نحو سجن تنغير، نطق إمام تدفالت بما يفيد بأن عنده خطة جهنمية من شأنها أن تمكِّن الفرنسيين من الوصول إلى زايد أوحماد ورفاقه على حين غرة، وأن عليهم إمهاله ليخبر المسؤول الفرنسي المدعو Paul.
أسرع المخزني لإخبار رئيسه Paul بهذا المستجد، فأمر الأخير بضرورة إحضار الإمام فوراً، إذ كان ذلك المقترح وتلك الخطة هي التي نجا بها الإمام من سجن كان قاب قوسين أو أدنى منه، ثم بعدما أُطلق سراحه تغير توجه الفرنسيين لمنع المؤذن من رفع ذلك الأذان لإرباك زايد أوحماد ورفاقه، الأذان الذي كان منبههم وموقظهم، وظلوا ينتظرونه في ذلك الفجر الأخير من حياتهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.