كثر الحديث بالجزائر، في الآونة الأخيرة، عن ضعف تمثيل أبناء البلد في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، ما تسبب، حسب العديد من النقاد، في تعرض المنتخب الوطني الأول والأندية المشاركة في المسابقات القارية للظلم التحكيمي، وبالخصوص في لقاء الإياب للدور الفاصل المؤهل لمونديال قطر 2022، الذي جمع محاربي الصحراء مع منتخب الكاميرون في شهر مارس/آذار الماضي بمدينة البليدة الجزائرية.
وبحسب الكثير من النقاد وشريحة واسعة من الشارع الجزائري فإنّ ذلك "الظلم" ما كان ليحدث في عهد الرئيس السابق لاتحاد الكرة الجزائري، محمد روراوة، الذي كان يتمتع بسلطة وتأثير كبيرين في لجان الاتحاد الإفريقي لكرة القدم.
وعلى الرغم من أنّ كلام هؤلاء فيه بعض من المنطق وجزء من الحقيقة، فإنّي لم أسمع أي أحد يتحدث عن جزائري آخر كان له من التأثير والهيبة والكاريزما، يفوق ما كان يملكه "الحاج روراوة" في الكاف.
صحيح أنّ أقصى ما بلغه روراوة من منصب باتحاد الكرة الإفريقي هو عضوية المكتب التنفيذي، ولكنه كان يملك شخصية مهيبة في الهيئة الكروية القارية، ولكن مواطنه المرحوم الدكتور محند أمقران معوش، كان له تأثير أكبر، في وقته، وقد وصل، في ظرف قصير، إلى منصب رئاسة الاتحاد الإفريقي ونجح في تغيير لوائح الهيئة، ويُقال إنه كان مرشحاً لمنصب الرئاسة.. لولا مشيئة الله الذي توفاه في عمر 45 عاماً، إثر تحطم الطائرة التي كانت تقله من الجزائر إلى العاصمة المصرية القاهرة.
نجح في الدراسة والرياضة رغم نير الاستعمار الفرنسي
ولد محند (وليس محمد) أمقران معوش يوم 11 أغسطس/آب 1925، بقرية "تيسرة" التابعة لبلدية شميني بولاية بجاية بجبال القبائل الصغرى، وكان من الجزائريين القلائل الذين نجحوا في دراستهم في عهد الاستعمار الفرنسي، بحصوله على شهادة الدكتوراه في الطب من جامعة الجزائر العاصمة.
وبالموازاة مع نجاحه الدراسي، برع محند أمقران معوش في المجال الرياضي، بحيث كان عداءً متألقاً في سباقات السرعة، ونال لقب البطولة الجزائرية الجامعية لسباق 100 متر، قبل أن يتحول لممارسة كرة القدم، فانضم في سنة 1946 لنادي "ريد ستار الجزائر" حتى 1953، ثم توقف عن اللعب مع هذا الفريق بعد طلب سياسيي الحركة الوطنية الجزائرية من الرياضيين المسلمين عدم اللعب ضمن الأندية المتشكلة من الرياضيين الأوروبيين، فلعب لفترة وجيزة مع نادي مولودية الجزائر، قبل الاعتزال نهائياً.
مؤسس اتحاد الكرة واللجنة الأولمبية الجزائريين
عقب نيل الجزائر استقلالها عن فرنسا يوم 5 يوليو/تموز 1962، كان محند أمقران معوش من الرجال الأوائل الذين وضعوا حجر الأساس للحركة الرياضية الجزائرية الفتية، فكان من المؤسسين للاتحاد الجزائري لكرة القدم يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 1962، كما تم انتخابه في اليوم نفسه رئيساً للهيئة نفسها.
وسارع الدكتور معوش لإطلاق أول دوري جزائري لكرة القدم (1962- 1963) على الرغم من نقص الملاعب الرياضية وقلة الموارد المالية، وذلك بمشاركة 60 فريقاً مقسمين على 5 مجموعات جهوية حسب المنطقة الجغرافية، ثم بطولة مصغرة "بلاي أوف" بين أبطال المجموعات الخمس.
كما أطلق مسابقة كأس الجزائر لكرة القدم بمشاركة كل الأندية المنخرطة ضمن اتحاد الكرة، بخوض المباريات عن طريق القرعة وعلى أساس وطني وليس جهوياً، وبالإقصاء المباشر حتى اللقاء النهائي.
وكان الدكتور معوش المُبادر الأول لتأسيس اللجنة الأولمبية الجزائرية حين دعا لاجتماع رؤساء مختلف الاتحادات الرياضية الوطنية يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 1963، تمخض عنه إنشاء المكتب التنفيذي للجنة بـ12 عضواً، والذين انتخبوا عليه شخصياً رئيساً للجنة يوم 23 من الشهر والسنة نفسيهما.
وقام بعدها الدكتور معوش رفقة الأمين العام للجنة، مصطفى العرفاوي، في يناير/كانون الثاني 1964 بعرض ملف طلب انضمام الجزائر للجنة الأولمبية الدولية، وهو الطلب الذي تمت الموافقة عليه رسمياً، خلال الجمعية العمومية الـ62 التي جرت يوم 27 يناير/كانون الثاني 1964 بمدينة أنسبروك النمساوية على هامش الألعاب الأولمبية الشتوية.
استمر محند أمقران معوش في رئاسة اللجنة الأولمبية الجزائرية حتى عام 1965، كما بقي رئيساً لاتحاد الكرة الجزائري حتى أكتوبر/تشرين الأول 1969، قبل أن يتفرغ لعمله في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم والإسهام في تطوير الكرة بالقارة السمراء.
الرجل الإصلاحي داخل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم
دخل الدكتور معوش الى المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي بعد انتخابه في سنة 1968، ثم أصبح نائباً لرئيس الاتحاد في عام 1969، في عهد رئيس الهيئة القارية، السوداني عبد الحليم محمد، وذلك حتى وفاته في سنة 1917 في ظروف مأساوية.
وقد نشرت مجلة jeune afrique الفرنسية، المهتمة بالشؤون الإفريقية، تقريراً يوم 14 فبراير/شباط 2007، عنوته بـ"بناة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم"، وتطرقت من خلاله لأبرز الشخصيات التي أسهمت بشكلٍ كبيرٍ في تأسيس وتطوير الهيئة الكروية الإفريقية، واختصرت عددهم في 4 أفراد فقط، وهم الإثيوبي دنيكاتشو تيسيما، والمصري مراد فهمي، والسنغالي ماوادي وادي، والجزائري محند أمقران معوش. وأعطت المجلة لقباً لكل واحدٍ من الشخصيات الأربع، فوصفت الدكتور محند أمقران معوش بـ"الإصلاحي".
فعلى الرغم من أنّ الجزائر لم تكن من الدول المؤسسة للاتحاد الإفريقي لكرة القدم في عام 1957، بحكم أنّها كانت في ذلك الوقت، تحت نير الاستعمار الفرنسي، إلا أنّ الدكتور معوش منح لبلده التقدير والاحترام لدى الدول الأعضاء في هذه الهيئة الكروية، مباشرة بعد نيل الاستقلال، فكان الدكتور سباقاً لطلب تغيير اللوائح القانونية المسيرة للاتحاد القاري، وذلك خلال الجمعية العمومية المنعقدة في سنة 1965 بتونس.
وكان الدكتور معوش يرى أنّ القوانين الأساسية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم تميل كثيراً لصالح مصر التي تحتضن مقر الهيئة، كما أنّ الأمين العام للاتحاد، المصري مراد فهمي، يملك صلاحيات واسعة في التسيير.
وقد نجح الدكتور في تغيير القوانين المسيرة لاتحاد الكرة الإفريقي بعدما دخل إلى المكتب التنفيذي، سنة 1968، في عهد رئيس الاتحاد، السوداني عبد الحليم محمد، وأصبح في العام الموالي، نائباً للرئيس نفسه.
فخلال الجمعية العمومية العادية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، المنعقدة بالعاصمة السودانية الخرطوم، يوم 5 فبراير/شباط 1970، تقدم الدكتور معوش، رفقة السنغالي ماوادي وادي، بعريضة للمطالبة بتشكيل لجنة خاصة لدراسة وتعديل قوانين ولوائح الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، وهي العريضة التي صدّق عليها 20 اتحاداً كروياً وطنياً من أصل 34 اتحاداً وطنياً منخرطاً في الهيئة الإفريقية.
وقد تشكلت تلك اللجنة من الدكتور معوش والسنغالي أدي والإثيوبي تيسيما، ولكن الجزائري وبعدما شارك وقدم مقترحاته لزميليه فإنّه لم يحضر أبداً لخلاصة عمل اللجنة ومقترحاتها النهائية التي صدّقت عليها الجمعية العمومية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم يوم 21 فبراير/شباط 1972 بالعاصمة الكاميرونية ياوندي، لأنه للأسف توفي يوم 2 يناير/كانون الثاني 1971.
محند معوش توفي فجأة دون أن يرى نتائج إصلاحاته
وتوفي محند أمقران معوش، عن عمر 45 سنة، إثر تحطم طائرة تابعة للخطوط الجوية العربية المتحدة (الاسم السابق لمصر للطيران) بشكل غامض، وذلك على بعد 7 كيلومترات عن مطار طرابلس الليبية، في رحلة من الجزائر العاصمة إلى القاهرة، حيث كان على متنها رفقة 7 مسافرين آخرين، توفوا كلهم مع طاقم الطائرة، المكون من 8 أفراد.
ويبدو أنّ الدكتور محند أمقران معوش لم يحظ بالتكريم اللازم في بلده، إذ تم الاكتفاء بإطلاق اسمه على بعض المراكز، كمستشفى الطب الرياضي بالجزائر العاصمة، وفندق بمجمع تحضير المنتخبات الوطنية لكرة القدم بسيدي موسى بالجزائر، وملعب صغير ببلدية مسقط رأسه "شميني".
وحتى مسابقة كأس الجزائر لكرة القدم التي أطلق عليها اسمه رسمياً في تسعينيات القرن الماضي، لتُسمى "كأس الدكتور معوش" فإنّها تُذكر دون الإشارة إلى إسمه من طرف الرسميين ومعظم رجال الإعلام، الذين لا يزالون يتحدثون باسمها القديم "كأس الجمهورية".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.