أثارت نتائج امتحانات الشهادة الرسمية المتوسطة (البريفيه) ردود فعل غاضبة، وتعليقات مختلفة ساخطة بين أهالي الطلبة بوجه خاص، وانتشرت بين عموم الشرائح، وأوساط التعليم التربوي في لبنان، وتركزت التعليقات والتساؤلات على الأسباب التي جعلت نسبة النجاح تهبط إلى هذا المستوى الصادم، والذي ربما يؤسس بدوره لسلسلة من حالات التدني العلمي، قد تستمر لسنوات عديدة قادمة إذا لم تكن هناك مبادرات جادة تُطلقها الجهات المعنية ذات العلاقة، تفادياً لما هو أعظم وأكثر قسوة في إلحاق الأذى بفئة الطلاب بصورة خاصة إذا ما بقيَ التعليم يعاني من مسلسل الهبوط الكارثي، وقد سجلت مدارس الأونروا في لبنان نسب نجاح متدنية جاءت على النحو التالي:
- البقاع وبعلبك: 60%.
- بيروت: 49.5%.
- صيدا: 47.3%.
- صور: 47.7%.
- طرابلس: 47%.
- النسبة العامة للنجاح لمدارس الأونروا في لبنان 48.6%.
︎أسباب تدني نسبة النجاح
ربط خبراء تربويين تدني نسبة النجاح بجملة من الأسباب، منها: التراجع الملحوظ في خدمات وكالة الأونروا والإجراءات التقشفية في السنوات الأخيرة، والسياسة التربوية الجديدة التي تعمل بها، وقلة التحصيل العلمي بسبب وجود 50 طالباً في الصف الواحد، وإلزام دورات تأهيل المدرسين تربوياً للعديد من الجامعات الخاصة، وإنفاق مبالغ طائلة على هذه البرامج من دون جدوى، وعلى برامج تربوية متعددة لم تخدم جودة التعليم ولم تغيّر واقع التحصيل العلمي، فضلاً عن تحويل عشرات المدرسين ذوي الخبرات العالية إلى أقسام إدارية وإشرافية واستشارية وملء الشواغر بمدرسين حديثي التخرج والخبرة، ومنع برنامج "Emis" لإدخال البيانات وعلامات التلميذ، المرتبط بالإدارة العامة لوكالة للأونروا في عمّان، وبالتالي عدم معرفة الأهالي مستويات التحصيل العلمي لأبنائهم، لأنه ألغى نظام الامتحانات الشهرية، بحيث تعذّر على الأهل استدراك الفجوة أو التقصير لدى أبنائهم.
وفي جانب آخر، عدم تعاون الأهل عموماً في متابعة تحصيل أولادهم في المدارس بسبب الصورة النمطية لديهم بأنّ مدارس وكالة الأونروا أصبحت مراكز للإيواء أكثر منها للتربية والتعليم، وأن وكالة الأونروا ما زالت تعتمد سياسة التعليم الكمي، وتفتقر لوسائل الايضاح والمختبرات الضرورية لتحسين قدرات الطالب وصقل أفكاره.
ومن الأسباب أيضاً، غياب خطة تربوية واضحة في المدارس، وعدم التعاون من قِبَل بعض إدارات التعليم بالمدارس مع لجان الأهل لما فيه المصلحة التعليمية للطلاب، وغياب عناصر المتابعة والمراقبة والمحاسبة الجدية، وأيضاً تدهور القدرة العلمية للمعلم وعدم مواكبته لما يستجد في عالم التدريس والطرق الحديثة له.
وبالمقابل هناك نواقص تعود الى الطلبة منها عدم التفاعل مع المدرسين ولا الدروس وقلة وسائل الإيضاح وتدهور المناهج العلمية، إضافة إلى انعكاس الظروف الاقتصادية والاجتماعية على الأهالي والطلاب معاً، وإن أهم الأسباب تكمن في إهمال المعلمين من الجهات التي يفترض أن تكون داعمة له، فعندما يشعر المدرس بأن مكانته تتعرض للاهتزاز وعدم التقدير سوف ينعكس ذلك نفسيا على رغبته في التعليم الجيد.
إن المستوى الهابط لدرجات الطالب سببه هبوط المستوى التعليمي للمدرس، وإن المعلم اليوم ليس هو معلم الأمس، فلا يمتلك الحرص نفسه، ولا يتعامل بالأسلوب نفسه مع الطلبة، وكما يقول علماء النفس، إذا فشل المدرب في كسب محبة من يدربهم فإن كل ما يقدمه لطلابه يذهب سُدى وكأنه لا يقدم لهم أي شيء؛ لأنهم لا يحبون درسه، بل منهم من لا يرغب أن يسمع صوته ومفرداته.
إن المعلم لا يكلف نفسه زرع ابتسامة في وجهه كي يريح أعصاب الطلبة، فالعبوس الدائم يجعل الطالب في حالة قلق ولا يفهم مادة الدرس، صحيح أن ظروف الناس صعبة ومؤلمة في لبنان، لكن من مستلزمات نجاح التعليم وجود الشخصية المتفائلة؛ لأنها يمكن أن تزرع الأمل في نفوس الطلاب فيتفاعلون من معلمهم الشغوف بالحياة.
مسؤولية مشتركة
نلاحظ في جميع ما ورد من أسباب تدني نسبة النجاح أن المسؤولية التي تشترك في هبوط المستوى التعليمي يشترك فيه الجميع تقريباً، ألا وهي الثلاثية (المعلم والطالب وإدارة المدرسة)، ويمكن أن نضيف إلى هؤلاء جميعاً عنصراً هاماً ألا وهو (الأسرة)، فهي أيضاً تتحمل جانباً كبيراً من النتائج المتدنية لصفوف الشهادة الرسمية المتوسطة، حيث يرى أحد المختصين أن التعليم عملية مشتركة بين الأسرة والمدرسة وتتحمل الأسرة الجانب الأكبر (70%) من خلال متابعة الطالب على مدار العام الدراسي وزيارة أولياء الأمور إلى المدرسة بشكل منتظم خلال العام، والابتعاد عن وسائل اللهو (الإنترنت، الموبايل "الألعاب"، القنوات الفضائية وغيرها)، ومتابعة التحضير اليومي للطالب؛ لأنه ضروري جداً والتحضير اليومي هو وسيلة إلى النجاح، أما المدرسة والمدرسون فتقع عليهم نسبة (30%)، وطالما تكون الأسرة حريصة على أبنائها ومتابعة لهم سوف يشعر الطالب بأهميته، وأن العائلة توفر له ما يريد وتدعمه وتتابع مسيرته، من المهم أن يتوفر الجانب النفسي الجيد للطالب في البيت، فهذا عنصر نجاح أساسي بالنسبة له.
مقترحات للإصلاح
المقترحات التي تسهم في معالجة حالة التدهور في القطاع التربوي والجسم التعليمي تنطوي على تطوير المناهج، ومن ثم دعم كوادر التدريس بالدورات التعليمية، واطلاع المدرس على طرق التدريس الجديدة، ويحث الأساتذة على أهمية معرفة كل ما يستجد من معلومات ومناهج وخرائط عمل في هذا المجال، فاعتماد المدرس على نفسه ومثابرته أيضاً لها دور في التطوير العلمي له ويجعله أكثر قدرة على التدريس المنهجي المتطور.
تقديم حوافز للكوادر التدريسية وتكريمهم وتشجيعهم مثل تقديم كتب شكر لهم أو شهادات تقديري أو حتى مكافآت مادية، فالمهم أن يشعر المدرس أنه محط احترام واهتمام الموظف الأعلى المسؤول عنه.
وعليه، من أجل تلافي حالات الإخفاق في نسب النجاح في المراحل (البريفيه والبكالوريا الأولى والثانية)، لا بدَّ من معالجة فورية للأسباب الواردة أعلاه من خلال: الاهتمام بالمعلم والطالب والمادة والمجتمع والبيئة من خلال تطبيق طرق التدريس الإنسانية التي تغرس في نفس الطالب روح الإبداع والتحفيز إلى تقديم الأفضل وتوفير الكادر التعليمي من خلال فتح باب التعيينات لاستقطاب أكبر عدد من المدرسين ليأخذوا مواقعهم بين طلابهم؛ لأن خلاف ذلك يعني قتل العملية التعليمية من الأساس، والمبادرة إلى إلغاء نظام دوام "أسبوع في المدرسة وأسبوع في البيت".
وإذا تغاضينا عن هذه الحلول التي هي ليست صعبة جداً وليست بخافية على خبراء التعليم، فسوف تعاني الأجيال في المستقبل القريب من تفشي ظاهرة الأمية المتفشية أصلاً بكل صنوفها الأبجدية والثقافية والاجتماعية وغيرها. كما أن عدم الأخذ بهذه الحلول سيجعل نسبة النجاح تتدَّنى أكثر فأكثر.
أخيراً أقول: رفقاً بأبنائنا وطلابنا، لا تقتلوهم بعدم توفير البيئة التعليمية المناسبة لهم، وهمسة أخيرة في أذن القائمين على التعليم، إن حَسُن التعليم، حَسُن المجتمع، وإن ساء التعليم، ساء المجتمع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.