خلال الفترة من أبريل/نيسان من العام الماضي وحتى شهر يوليو/تموز الحالي، زادت السلطات المصرية سعر البنزين ست مرات بنسبة نمو 28%، وسعر المازوت ثلاث مرات بنمو 28% وسعر أسطوانات البوتاجاز مرتين بنمو 15%، وسعر الغاز الطبيعي مرة واحدة، إلى جانب رفع سعر السولار والكيروسين قبل أيام.
وبرر رئيس الوزراء المصري زيادات أسعار المشتقات بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، رغم زيادة سعر البنزين أربع مرات قبل نشوب الحرب، وكذلك رفع سعر المازوت والغاز الطبيعي وأسطوانات البوتاجاز قبل نشوب الحرب.
ولا يخفى على أحد أن تلك الزيادات الأخيرة لأسعار الوقود، والتي شملت البنزين والسولار والكيروسين والمازوت، تأتي في إطار تمهيد المجال لعقد اتفاقية الاقتراض الجديد من صندوق النقد الدولي، بعد تخطي العجز الدولاري بالجهاز المصري رقم الـ18 مليار دولار حتى أيار/مايو الماضي.
كما برر رئيس الوزراء الزيادة الأخيرة بسعر السولار بأن دعم السولار كان يكلف الحكومة 63 ملياراً سنوياً، وأن تلك الزيادة السعرية الأخيرة ستخفض الدعم السنوي للسولار وحده إلى 55 مليار جنيه، وهو أمر غير حقيقي حيث تشير البيانات الختامية للموازنة المصرية بالعام المالي 2019/2020، لبلوغ قيمة الدعم لكل أنواع المشتقات 18.7 مليار جنيه.
وزادت قيمة الدعم لكل المشتقات بالعام المالي التالي قليلا إلى 18.9 مليار جنيه، وفي العام المالي الأخير 2021/2022 المنتهي قبل أسبوعين بلغت تقديرات الدعم للمشتقات 18.4 مليار جنيه، لكن وزارة المالية ذكرت أنه سيصل إلى 22.4 مليار جنيه بسبب زيادة أسعار النفط، وفي موازنة العام المالي الحالي التي بدأت مطلع الشهر، والتي تم إعدادها بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، بلغت مخصصات دعم كل أنواع المشتقات 28 مليار جنيه.
سعر البنزين بماليزيا أقل من مصر
أمر آخر أشار إليه رئيس الوزراء بأن مصر تعد من البلدان الأرخص سعراً بالنسبة للبنزين والسولار بالمقارنة لبلدان العالم، وهي مقارنة غير دقيقة؛ حيث هناك فارق كبير بين متوسط الدخل للفرد المصري، ومتوسط الدخل في تلك البلدان التي تتم المقارنة معها، حيث أشارت بيانات البنك الدولي لبلوغ نصيب الفرد المصري من الدخل القومي بالعام الماضي 3510 دولارات، لتحتل مصر المركز 131 بين دول العالم في مؤشر نصيب الفرد من الدخل القومي، وهو الدخل الذي يقل عن المتوسط العالمي البالغ 11.099 ألف دولار.
وبالمقارنة بين دول العالم في أسعار البنزين كانت هناك 12 دولة يقل بها سعر لتر البنزين عن السعر المصري، ومن بين تلك الدول سوريا التي يعاير النظام المصري المواطنين بأنه لولاه لكان مصيرهم مثل سوريا، وبعد الزيادة الأخيرة لسعر البنزين أضيف لقائمة الدول التي يقل سعر البنزين عن مصر ثلاث دول أخرى ليصل العدد إلى 15 دولة.
ومن بين دول القائمة قبل الزيادة الأخيرة كانت ماليزيا، رغم بلوغ متوسط دخل الفرد بها عشر آلاف و930 دولاراً، وتتشابه ماليزيا مع مصر في عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط، حيث تبلغ نسبة الاكتفاء بالعام الماضي لماليزيا 66% مقابل نسبة 59% لمصر.
كذلك كانت هناك سبع دول يقل بها سعر لتر السولار عن السعر المصري وبعد الزيادة أضيف إليها دولة واحدة، ومن بين تلك الدول سوريا أيضاً، حتى في سعر الكهرباء كانت هناك 24 دولة يقل بها سعر الكهرباء عن مصر، حيث تستعد الحكومة لرفع سعر الكهرباء مع بداية العام الجديد.
وفي كل مرة يتم فيها رفع سعر البنزين تصدر التعليمات للقيادات الحكومية المحلية بالنزول إلى محطات نقل الركاب بالأقاليم، لتأكيد استمرار نفس تعريفة الركوب بدعوى ضعف قيمة الزيادة السعرية، لكنه هذه المرة تم السماح لأصحاب سيارات النقل الجماعى برفع تعريفة الركوب بنسبة تتراوح ما بين 5% و7%، مع التأكيد على محاسبة المخالفين لتلك النسب.
هيئة نقل حكومية تخالف تصريح رئيس الحكومة
وفي ظل الجو البوليسي الذي تعيشه البلاد، يرضخ سائقو سيارات النقل الجماعي لبعض الوقت حتى تخف الحملات الرقابية، ثم يقومون بزيادة التعريفة بوسائل مختلفة أشهرها تقطيع المسافات، فعلى سبيل المثال يقوم سائق "الميكروباص" بالالتزام بالتعريفة التي حددتها السلطات المحلية بالقاهرة، لخط ميدان رمسيس إلى منطقة مدينة نصر، لكنه يقوم بإنزال الركاب ببداية حدود مدينة نصر، مما يضطرهم لركوب وسيلة مواصلات أخرى للوصول إلى المناطق المختلفة داخل مدينة نصر.
وفي الوقت الذي حدد فيه رئيس الوزراء الحد الأقصى للزيادة بنسبة 7%، فقد قامت هيئة النقل العام الحكومية، والتي تحصل على دعم سنوي من الموازنة العامة برفع أسعار تذاكر الأتوبيسات التابعة لها بنسبة 10%.
ويضطر سائقو سيارات النقل الجماعى للحصول على حصيلة أعلى، لتعويض نسب ارتفاع سعر البنزين والتي بلغت 28% للنوع الشعبي المسمى "أوكتين 80" خلال الخمسة عشر شهراً الماضية، وكذلك ارتفاع أسعار السيارات سواء الجديدة أو المستعملة، وارتفاع أسعار زيوت السيارات، وكذلك قطع الغيار التي تعاني من نقص حاد في ضوء اضطراب سلاسل الإمداد.
وفيما يخص أعداد المتضررين من الزيادات الأخيرة بأسعار المشتقات، والتي شملت البنزين والسولار والكيروسين والمازوت، يمكن تحديد ذلك من خلال حصر عدد المركبات الرسمى الصادر عن جهاز الإحصاء الحكومي، والذي حدد عدد المركبات بنهاية العام الماضي بنحو 10.9 مليون مركبة.
إلا أن العدد الحقيقي أكثر من ذلك حيث تضمن الإجمالي 307 آلاف عربة "توك توك"، وهي عربة تسير على ثلاث عجلات، تمثل الوسيلة الشعبية الأولى لنقل الركاب بأنحاء البلاد، بينما أشارت تصريحات لقيادات بوزارة التنمية المحلية لبلوغ عددها ما بين 2.5 إلى 3 ملايين عربة، في حين أشارت قيادات شرطية لبلوغ العدد حوالي 4 ملايين توك توك، لكن إدارات المرور بالمحافظات تمتنع عن ترخيصها، مما قلل العدد المُسجل لها.
90% من سيارات النقل تعمل بالسولار
وفي إطار الإحصاءات الرسمية البالغة 10.9 مليون مركبة، نجد 5 ملايين سيارة خاصة و1.354 مليون سيارة نقل، و348 ألف سيارة أُجرة و180 ألف أتوبيس و111 ألف سيارة تابعة لجهات حكومية أو شركات قطاع عام أو تابعة للإدارات الحكومية بالمحافظات، علاوة على 3.6 مليون موتوسيكل.
ومن حيث نوع الوقود الذي تستخدمه تلك المركبات، نجد أن البنزين يستحوذ على نسبة 85%، لأن 99% من السيارات الخاصة و100% من الموتوسيكلات وعربات التوك توك تعمل بالبنزين، وكان نصيب السولار 14% من عدد المركبات الإجمالي، و1% تجمع ما بين البنزين والغاز الطبيعى وأقل من واحد بالألف للسيارات الكهربائية.
وترتفع نسبة استخدام السولار كوقود بين سيارات النقل، إلى نسبة 90% مقابل 10% فقط للبنزين وأقل من واحد بالألف للبنزين والغاز الطبيعى معاً، ولهذا يتوقع الكثيرون تأثر أسعار كافة السلع بسبب زيادة تكلفة النقل مع زيادة سعر السولار، وهو نفس الأمر مع المعدات الزراعية، وفي الأتوبيسات تصل نسبة استخدام السولار 80% والبنزين 19% وثنائية الوقود ما بين البنزين والغاز الطبيعى معاً 1%.
كما تصل نسبة استخدام السولار بسيارات الأجرة 40%، مقابل 34% للبنزين و26% للسيارات التي تجمع ما بين البنزين والغاز الطبيعى معاً، ولهذا تم رفع بُنديرة التاكسى، كما قامت عربات التوك توك برفع الحد الأدنى لتعريفتها إلى سبع جنيهات، مهما كان صغر المسافة التي تقوم بتوصيل الراكب إليها.
كما تسبب رفع المازوت للمرة الثالثة خلال 15 شهراً في تأثر صناعات الأسمنت وقمائن الطوب وغيرها من الاستخدامات الصناعية للمازوت، وبما يشير إلى أن الأثر لن يقتصر على أصحاب المركبات بل يتخطاه إلى القطاع الصناعى والتجارى، بما يعنى تأثر المجتمع عموماً.
مما سيزيد من معدلات التضخم والتي بلغت نسبتها الرسمية 14.7% في شهر يونيو/حزيران الماضي، رغم تحفظ الكثيرين سواء من المتخصصين أو العوام على مصداقية بيانات التضخم الرسمية، مؤكدين أن النسب الحقيقية للتضخم أعلى من ذلك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.