يبدو أن هاشتاغ "أخنوش ارحل" لقي تجاوباً كبيراً، وصعد في لوحة الاتجاهات (التريند) خلال اليومين الماضيين، مع أن الظرفية لم تكن تماماً مساعدة على ذلك، ففي العادة ما تكون فترة الصيف، فترة سلم اجتماعي، ولحظة جمود في السياسة أيضاً، لكن من المرجح أن الربط بين سعر المحروقات وبين رحيل رئيس الحكومة، والاحتجاج بانخفاض سعر النفط دولياً إلى أقل من 100 دولار، أقنع شرائح واسعة من المغاربة بوجود تواطؤ ما بين شركات المحروقات على إبقاء سعر المحروقات في مستويات عليا، حتى يتم جني أكبر قدر من الأرباح.
واضح من خلال اتجاهات المزاج المغربي، على الأقل، كما ترسمها وسائل التواصل الاجتماعي، أن المشكلة تتجاوز ارتفاع سعر المحروقات، وتمس بشكل أساسي علاقة الحكومة بلوبي المحروقات، ووجود تضارب مصالح بين الطرفين، يجليه بشكل واضح الاستثمارات الضخمة التي يملكها رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش في قطاع المحروقات.
أرباح غير مشروعة!
قبل سنوات، وتحديداً سنة 2017، تحرك البرلمان المغربي لتقصي الحقائق حول هوامش ربح فاحشة حصّلتها شركات المحروقات، بفعل تواطؤها وخرقها قواعد المنافسة الشريفة، وأصدرت اللجنة البرلمانية المكلفة بهذا الملف تقريراً يتحدث عن قيمة 17 مليار درهم (حوالي 1,7 مليار دولار) بمثابة أرباح غير مشروعة.
ونتيجة للخلاف السياسي بين مكونات اللجنة، وضغط قوى قريبة من حزب التجمع الوطني للأحرار (حزب السيد عزيز أخنوش) تم إحداث تعديلات في صيغة التقرير، حتى يتم تحقيق توافق بين مكونات اللجنة البرلمانية حوله، لكن في المحصلة، وبالنظر إلى خلاصات التقرير التركيبي للمهمة الاستطلاعية حول أسعار بيع المحروقات السائلة للعموم، وشروط المنافسة بعد قرار التحرير (2018) لم تنتفِ التهمة، ولم يقدم السيد عزيز أخنوش، المعني الأول وقتها بهذه القضية، بحكم أن شركته "إفريقيا" تعتبر المستحوذ الأكبر على حصة الاستثمار في المحروقات في المغرب، أيَّ توضيح شفاف يكذّب بالأرقام مزاعم حصول شركته على أرباح فاحشة.
القضية وصلت إلى المؤسسة الدستورية المعنية بمراقبة التركيزات غير المشروعة، ورصد أوجه خرق قواعد المنافسة، واتجه رئيس المجلس، السيد إدريس الكراوي، إلى تثبيت التهمة بحق شركات المحروقات، مع تغريمها، لكن لوبيات المحروقات عرفت كيف تفجر المجلس من الداخل، إذ اتهمت مكونات في المجلس الرئيس بالانفراد بالقرارات، ورفعت الموضوع إلى الملك، فصدر قرار بإعفاء الرئيس، وفتح تحقيق في ملابسات إدارة المجلس لملف أسعار المحروقات في المغرب.
جائحة كورونا، وما صاحبها من انخفاض كبير لأسعار النفط أدخل هذا الملف إلى الثلاجة، لينفجر من جديد بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، لا سيما بعد وصول أسعار النفط إلى أرقام قياسية عالمياً.
أخنوش vs تضارب المصالح
رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بن كيران، كشف في الأيام القليلة الماضية معطيات صادمة عززت الشكوك حول وجود تضارب مصالح بين شركات المحروقات وبين وزراء في الحكومة، وأكد أن الدافع الحقيقي وراء إقدام حكومته على إصلاح صندوق المقاصة هو عدم ثقته في الفاعلين في قطاع المحروقات، بحكم أنهم كانوا يأتون بفواتير يؤدى لهم عنها، دون أن يكون للحكومة الإمكانات للتأكد من صحتها!
المتغيرات التي حصلت نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا أعادت الملف إلى الطاولة، وأعطته أبعاداً مختلفة، فقد بلغت أسعار المحروقات (الجاز حوالي 17 درهماً والبنزين 18 درهماً) في اللحظة التي كانت فيها أسعار النفط دولياً حوالي 130 دولاراً، واستمر نفس السعر حتى حين تراجعت أسعار النفط إلى ما دون 100 دولار دولياً.
المعارضة تقول إن هناك تركيزاً كبيراً في هذا القطاع، ينتج عن تواطؤ شركات المحروقات، فيتم الإعلان عن أسعار لا تعكس أسعار المحروقات كما هي دولياً.
الحكومة، تقول إن كل ما قيل عن تحقيق 17 مليار درهم كهامش ربح غير مشروع من قبل شركات المحروقات هو محض كذب، وإن تركيبة أسعار النفط معروفة، وإن تقلبات السوق الدولية هي التي تفسر ارتفاع أسعار المحروقات بشكل مطرد، لكنها لا تقدم أي معطيات رقمية تكشف ثمن شراء المحروقات وزمنه، وما يرافق ذلك من مكونات تركيبة السعر.
المواطنون.. القنبلة الموقوتة
المواطنون من فرط الارتفاع الدائم لأسعار النفط أصبحوا يتابعون بشكل يومي حركة أسعار النفط دولياً، ومواقع التواصل الاجتماعي تسجل مفارقة الإعلان السريع عن رفع أسعار المحروقات لحظة وقوع زيادة أسعار النفط دولياً، وتباطؤاً كبيراً في حالة تسجيل انخفاض دال في هذه الأسعار، وبعضهم يتساءل عن الآلية التي يتم اعتمادها.
مجلس المنافسة تحرك بشكل متأخر جداً، فأعلن رئيسه السيد أحمد رحو قبل أيام أنه يعتزم فتح هذا الملف من جديد، وانتظار إصدار قانون جديد يوضح كيفية التغريم في حال وقوع اختلالات، ويضمن حقوق الدفاع، حتى تتكون للمجلس معايير صارمة في اتخاذ القرار النهائي.
الفاعلون السياسيون منقسمون على أنفسهم، فالمعارضة ترى أن هذا الملف لم يعد فقط ملفاً اقتصادياً أو اجتماعياً، بل صار له كلفة سياسية، إذ يمكن أن يؤدي استمرار ارتفاع أسعار النفط، وعدم وجود معايير واضحة في علاقتها بالأسعار الدولية إلى زعزعة الاستقرار، واندلاع حراك شعبي كبير لا تملك الحكومة الحالية أي جواب لوقفه، خاصة أن التهمة التي تلاحقها، أو بالأحرى، تلاحق رئيسها، هي تضارب المصالح.
الحكومة أصيبت بمرض الصمت وقلة التواصل، فلا هي تدخلت للضغط على شركات المحروقات لخفض أسعار المحروقات، ولا هي راقبت الأسعار وتحققت من وجود تواطؤات لشركات المحروقات ضد مصالح المواطنين، ولا هي باشرت بشكل واضح وشفاف عملية تواصلية تكشف الآلية التي يتم بها الإعلان عن الأسعار. فهي تعول على أن يكون الخفض الجزئي (حوالي درهم فقط) في أسعار المحروقات كافياً لإنهاء هذه الموجة الغاضبة.
إلى أين تتجه الأوضاع؟
السيناريوهات القادمة لا تتجه في سياق تأمين السلم الاجتماعي، فإبقاء أسعار المحروقات على ما هي عليه، أو حتى خفضها بشكل جزئي، سيزيد من الاحتقان الاجتماعي، ويمكن أن يحول في أي لحظة الانتفاضة الافتراضية في العالم الأزرق إلى حراك اجتماعي واسع على الأرض، لا سيما أن شروط الاحتقان مختمرة، ليس فقط بسبب أسعار المحروقات، ولكن أيضاً بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأزمة الماء في العديد من المناطق بعد ثلاث سنوات متتالية من الجفاف.
في المغرب ثمة وعي شديد بتأثيرات جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن ثمة طلب شديد على دور محوري للدولة، حتى لا تستبد بالناس حالة من الاعتقاد بأن جماعات الضغط أصبحت فوق الدولة، أو أن المسافة بين الدولة وجماعات الضغط قد ضاقت، لا سيما أن ارتفاع الأسعار لم يمس فقط المواد التي تأثرت بالحرب الروسية على أوكرانيا، بل مس مواد أخرى محلية، يفترض عدم وجود تأثير عليها.
السيناريو الذي يتمخض في الأروقة، ويتبناه السياسيون، هو أن يحمل الضغط الاجتماعي رسالة إلى الدولة للتدخل والانتباه لمخاطر شره اللوبيات على الاستقرار السياسي، ووضع المسافة عنها، وتشغيل إمكاناتها ومؤسساتها وصلاحيات التقدم جوابها الفوري، وتفعيل أداء مؤسسات ضبط التوازن (مجلس المنافسة)، ولجم لوبيات الضغط، وترتيب الأثر السياسي الضروري على ذلك، وإنهاء الشكوك المثارة حول المسافة الموجودة بين الدولة كمؤسسات وبين جماعات الضغط والمصالح، ووضع حد لتضارب المصالح الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي للبلد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.