المنطقة تتأهب.. لماذا سيجتمع أردوغان وبوتين ورئيسي في طهران بالتزامن مع قمة بايدن في الشرق الأوسط؟

عدد القراءات
842
عربي بوست
تم النشر: 2022/07/15 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/15 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش
أردوغان من قمة سابقة بينه وبوتين وروحاني في إيران/ رويترز

في يوم الثلاثاء المقبل، 19 يوليو/تموز 2022، سيلتقي زعماء الدول الثلاث (تركيا، إيران، روسيا) في العاصمة الإيرانية طهران بعد الإعلان المفاجئ للكرملين عن زيارة مرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران.

لقد أثار هذا الإعلان العديد من التساؤلات، حول توقيت الزيارة، وأجندة النقاشات المنتظرة، وسط التهاب الصراعات في الشرق الأوسط والقوقاز، وتداعيات الحرب في أوكرانيا على الملفات الإقليمية والدولية، والتطورات المنتظرة في سوريا التي تحتاج إلى ترتيبات جديدة، لأن أنقرة أنهت جميع تحضيراتها حول عملية عسكرية جديدة في شرق الفرات بعد تفاهمات مع الناتو في العاصمة الإسبانية مدريد بداية هذا الشهر الجاري.

ماذا يريد أردوغان من بوتين في قمة طهران؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معروف عنه أنه يعتمد الديناميكية في اتخاذ القرارات، والتعاطي مع الملفات الشائكة والمعقدة بهدوء بعيداً عن التشنج وردة الفعل المتسرعة، وسيحمل في جعبته إلى طهران أهم ملف معني به، وهو الضغط على "صديقه بوتين" للموافقة على عملية عسكرية جديدة في شرق الفرات، في محاولة منه لاجتثاث "قوات سوريا الديمقراطية" من الجذور، ولسد الطريق أمام المشروع الغربي لتقسيم المقسم في سوريا وتجزئة المجزأ.

الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، أرشيفية/ الأناضول

ويبدو أن هذا المطلب يثير لعاب "بوتين" أيضاً، لكنه بالمقابل لا يريد تقديم خدمة مجانية له دون مقابل، وبالوقت نفسه هو بحاجة إلى "أردوغان" أكثر من أي وقت مضى، فوضعه بات محرجاً للغاية بعد انزلاقه نحو المستنقع الأوكراني. لهذا السبب جاءت زيارته المفاجئة إلى طهران بالتزامن مع جولة "بايدن" الشرق الأوسطية، حيث سيلتقي بالمرشد الإيراني (خامنئي) على انفراد لتعزيز العلاقات الثنائية وتوقيع اتفاقات مشتركة فيما بينهما، ولا شك أن زيارة "بوتين" تحمل في طياتها العديد من الرسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية مفادها أن سياسة القطب الواحد قد انتهت، وأصبح هناك أكثر من لاعب يتنافس على إدارة الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، وأنقرة هي الأخرى تبحث عن موطئ قدم لها في القوقاز والشرق الأوسط، وترغب في إيصال رسائل مزدوجة إلى "بايدن" وخامنئي على حد سواء مفادها بأن لديها أكثر من خيار في حال لم يلتزما بقواعد اللعبة داخل سوريا، كما أنها فرصة أخيرة في الوقت بدل الضائع لكبح جماح هذين المحورين المتناقضين في التوجه والأهداف، فمطالب موسكو كثيرة ومتشابكة، وتريد من الأتراك تنفيذها مقابل حصولهم على ضوء أخضر لشن عملية عسكرية جديدة في شرق الفرات وهي:

– فتح مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الروسية، بعد فرض الناتو حصاراً مزدوجاً على التحركات العسكرية الروسية في البحرين الأسود والمتوسط.

– إنشاء مركز تنسيق في إسطنبول لضمان سلامة ممرات الشحن برعاية ممثلي الأطراف المعنية (تركيا، أوكرانيا، روسيا، الأمم المتحدة)؛ لنقل الحبوب من أوكرانيا إلى دول المنطقة، وإجراء عمليات تفتيش مشتركة في نقاط الخروج والوصول إلى الموانئ وضمان سلامة الملاحة.

– المحافظة على استمرار مسار أستانة بين الدول الضامنة؟ والتنسيق المشترك فيما بينها والتزام الهدوء ووقف إطلاق النار في جبهات القتال في إدلب وريف حلب.

– التخلي عن بعض المناطق لصالح النظام السوري وتحديداً في جسر الشغور وفتح طريق (إم 4) من حلب إلى اللاذقية مروراً بإدلب.

– ألا تتجاوز العملية العسكرية التركية في شرق الفرات (30 كلم) وتكون ضمن مناطق محددة ومعينة متفق عليها ما بين الجانبين الروسي والتركي.

ما هي الأجندات الإيرانية في اللقاء المرتقب؟

لا شك أن طهران باتت اليوم لاعباً قوياً على مستوى الشرق الأوسط، أحياناً تتبادل الأدوار مع واشنطن داخل سوريا والعراق، وأحياناً أخرى تدخل في تناحر وصراع مشترك معها على خيرات ومقدرات المنطقة.

ومن هنا، باتت إيران اليوم اللاعب الذي يمكن الاعتماد عليه (روسيّاً) في العمليات الهجومية والدفاعية، فهي لديها أذرع في معظم دول الشرق الأوسط، وبالتالي تمتلك القدرة والمناورة على الدخول مع واشنطن في معركة شدّ الحبل أينما كانت، وكلما تطلب الأمر.

إبراهيم رئيسي إيران إسرائيل
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي/ getty images

الروس بدورهم يدركون جيداً أهمية الدور الإيراني في المنطقة، فهو لا يقل أهمية عن دور تل أبيب والرياض بالنسبة لواشنطن في الشرق الأوسط، وبالتالي تحاول طهران القفز إلى الأمام والاستفادة من هذه التناقضات، والهروب من الضغوطات النووية التي قد تتعرض لها من الغرب عبر بوابة تركيا التي تشكل المتنفس الوحيد لها لتصدير نفطها وغازها إلى العالم الخارجي، وبالتالي مضطرة في بعض الأحيان إلى عدم التصعيد مع الأتراك وغض النظر عن بعض الملفات  كون تجمعهما اتفاقات استراتيجية مشتركة تتجاوز صراعات سياسية وعسكرية قد تحدث هنا وهناك.

وبناءً على كل ما ذكر، فمن المرجح أن يحصل "أردوغان" على ما يريد لأن صديقيه في ورطة كبيرة؛ إيران حول ملفها النووي مع الغرب وقرع "بايدن" طبول الحرب من تل أبيب، والحديث عن تشكيل "ناتو" شرق أوسطي لكبح جماحها في الشرق الأوسط، وقصقصة أجنحتها في المنطقة، والانزلاق الروسي نحو المستقنع الأوكراني، والدخول في مواجهة مفتوحة مع الغرب والفاتورة الباهظة التي يدفعها (عسكرياً) في هذه الساحة يومياً.. وبات يستخدم الغاز كسلاح بديل في المعركة مع الناتو، فبوتين مضطر اليوم لتقديم تنازلات لأردوغان (ليس حباً فيه بل كرهاً في معاوية)، بمعنى نكاية بواشنطن سيتخلى عن مناطق معينة داخل سوريا، لأن الحلف الضروري الذي يجمعهما، بحسب اعتقاده، هو الذي يجب أن يستمر، وخاصة هناك أكثر من جبهة ملتهبة في العالم، فهو بحاجة إلى التريث والهدوء في التعامل مع الملفات الشائكة والمعقدة في المنطقة.

هل تلبى المطالب المتبادلة؟

بصريح العبارة سيطلب بوتين من "أردوغان" ضرورة إعادة فتح مجاله الجوي أمام الطائرات الروسية المتوجهة إلى سوريا، والجانب التركي حتى هذه اللحظة يتجنب الانخراط بشكل مباشر في الصراع القائم على أوكرانيا، ويفضل الوقوف بشكل "حيادي"، وكونه جزءاً لا يتجزأ من الناتو فلا يمكنه الخروج أو القفز من الدائرة الأمنية المرسومة من حوله، وبالتالي سيحاول "أردوغان" إرضاء "بوتين" قدر الإمكان بحيث لا يؤثر ذلك سلباً على علاقاته الاستراتيجية مع الغرب، ومن المحتمل أن يتنازل الروس للأتراك في قمة طهران من الألف إلى الياء، والزيارة المفاجئة لبوتين لم تكن محل صدفة أبداً كما يعتقده البعض، بل جاءت بالتزامن مع زيارة "بايدن" إلى تل أبيب والرياض.

فاللاعبون الكبار يتبادلون الرسائل فيما بينهم بتأنٍّ وهدوء، وهذا إن دل ذلك فإنما يدل على توجه المنطقة نحو تصعيد لا تحمد عقباه، وفي ظل الصراعات الملتهبة في المنطقة، ستجد موسكو نفسها في موقف لا تحسد عليه، لأن معركة كسر العظم مع واشنطن داخل سوريا لم تبدأ بعد، بانتظار نتائج العاصفة السياسية التي تضرب أوروبا والتقلبات السياسية التي حدثت فيها بعد سقوط "جونسون" في بريطانيا، بعد زيارته إلى أوكرانيا وتقديمه مع زيلنسكي عرضه الاستعراضي والتحدي في شوارع كييف، بالإضافة إلى تدهور عملة اليورو أمام الدولار الأمريكي، كل ذلك وضع مصير أوروبا برمته على المحكّ، ودفع بالقارة العجوز إلى التريث وإعادة ترتيب حساباتها وأوراقها من جديد، وعدم التصعيد مع موسكو ريثما يتضح الموقف الأمريكي، ويزيل الغموض عنه بعد جولة "بايدن" في الشرق الأوسط.

بايدن في تل أبيب خلال زيارته للشرق الأوسط/ رويترز

بالمحصلة، أنقرة تمتلك اليوم أوراق قوة ضد موسكو، وتشكل حلقة وصل بالنسبة لها مع الناتو، فهما مضطران للتعاون وعدم التصادم فيما بينهما في نهاية المطاف، وبات واضحاً أن واشنطن غير راضية عن زيارة أردوغان إلى طهران في هذا التوقيت بالذات، ولهذا السبب أعلن "البنتاغون" عن معارضته لأية عملية عسكرية تركية ضد "قسد" في شرق الفرات.

في الضفة الأخرى تجد طهران نفسها اليوم بحاجة ماسة إلى موسكو في مجلس الأمن، بالإضافة إلى الموقف التركي في الشرق الأوسط، لأنها تعلم جيداً أنها المستهدفة من تشكيل "ناتو" شرق أوسطي المنتظر، وبالتالي هي مضطرة للتعاون مع الأتراك وغض الطرف عن تمرير مصالحها داخل سوريا والعراق.

في جبهة أخرى، يحاول الإيرانيون والروس اليوم التخلص من حليف واشنطن في شمال شرق سوريا لمحاربة "داعش" (قوات سوريا الديمقراطية) بأسلحة تركية لأن لعبة (قسد) مع موسكو في شرق الفرات شارفت على النهاية، وبالتالي ستبيع موسكو هذه الجماعة كما فعلتها واشنطن في قمة الناتو في مدريد، و"أردوغان" على ما يبدو مصمم على ألا يعود من طهران، إلا وفي جعبته ملف الموافقة على عملية عسكرية جديدة في شرق الفرات.

فارتماء حليفة واشنطن (قسد) إلى حضن النظام لم يتكلل بالنجاح، فهي لعبة مكشوفة؛ لأن النظام هو الآخر يدرك جيداً مدى المناورة التي تجيدها هذه الجماعة بذكاء في المشهد السوري العام، ومدى ارتباطاتهم الخارجية، فالجميع متفق اليوم على ضرورة التخلص منها ومن شرها، لأنها باتت العبء وعامل عدم الاستقرار في المنطقة، وأداة حادة يستخدمها الجميع كلما دعت الحاجة.

وبالتالي العملية العسكرية التركية ما بعد هذه القمة ستكون قاب قوسين أو أدنى، فالتحدي الوحيد الذي قد يواجه قمة طهران المرتقبة، هو تهرب الأتراك من الانضمام إلى حلف استراتيجي مشترك مع (إيران – روسيا) لمواجهة الغرب، هذا غير ممكن بالطبع، ولن يكتب له النجاح، وبالتالي سيكتفي أردوغان بالمحافظة على تحالف الضرورة الذي يجمعهم للتنسيق والمحافظة على العلاقات الودية فيما بينهم وخاصةً داخل سوريا وأوكرانيا.

وتأتي أهمية هذه القمة بالدرجة الأولى كونها تتزامن مع القمة العربية – الشرق الأوسطية بالرعاية الأمريكية ولأول مرة بحضور إسرائيلي لافت، بما بات واضحاً أن واشنطن تحاول تسويق تل أبيب (عربياً) وجعلها أمراً واقعاً لا مفرّ منه تحت عناوين تشكيل حلف ضد طهران، تنضم إليه العراق ومصر أيضاً، وكل ذلك بمثابة رسائل تحدٍّ ما بين واشنطن وموسكو، والتحضير لأسوأ الاحتمالات.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي تمي
كاتب وسياسي سوري
كاتب وسياسي سوري
تحميل المزيد