في 14 يوليو 2022 وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد إعلاناً استراتيجياً مشتركاً يسلط الضوء على الروابط بين الجانبين، ويتعهدان بمزيد من التعاون الثنائي، ويتعهدان بمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، كما أنه يستهدف حركة مقاطعة إسرائيل BNC، والتعهد بزيادة الدعم العسكري التكنولوجي لإسرائيل والحفاظ على أمن إسرائيل واعتباره من ضرورة حماية الأمن القومي للولايات المتحدة.
هذه هي الزيارة الأولى من نوعها في المنطقة لعقد بايدن لقاءات موسعة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر والعراق والأردن، لكنه بدأها من إسرائيل ووقع على إعلان القدس والذي جاءت كل بنوده للتأكيد أن إسرائيل ستصبح ظلا للولايات المتحدة في المنطقة خصوصاً بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من المنطقة.
فزيارة بايدن إلى المنطقة العربية تأتي بالتزامن مع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتداعياتها الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بأسعار النفط والغاز وأزمة نقص الغذاء، لذلك تتجه أنظار واشنطن إلى الشرق الأوسط، والذي يمكن أن تعول عليه الدول الغربية وأمريكا خاصة لأن المنطقة تتمتع بثروات ضخمة من الغاز والنفط، ويمكن أن تكون بديلا لسد فجوة مصادر الطاقة الروسية.
ولقد قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، في مقالة نشرتها "واشنطن بوست" الأمريكية: "عندما سألتقي القادة السعوديين سيكون هدفي تعزيز شراكة استراتيجية تستند إلى مصالح ومسؤوليات متبادلة، مع التمسك أيضاً بالقيم الأمريكية الأساسية، بصفتي رئيساً، من واجبي الحفاظ على بلدنا قويا وآمنا". متحدثاً في هذا الإطار عن الحاجة إلى مواجهة روسيا والتموضع في أفضل وضع ممكن في مواجهة الصين وضمان مزيد من الاستقرار في الشرق الأوسط.
التفوق العسكري لإسرائيل على باقي دول المنطقة
لقد جاء ضمن إعلان القدس الذي وقعه بايدن "تماشياً مع العلاقة الأمنية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وإسرائيل والالتزام الأمريكي الراسخ بأمن إسرائيل، ولا سيما الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي، تؤكد الولايات المتحدة التزامها الثابت بالحفاظ على قدرة إسرائيل على ردع أعدائها وتعزيزها للدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات، تؤكد الولايات المتحدة مجدداً أن هذه الالتزامات مقدسة من الحزبين وأنها ليست التزامات أخلاقية فحسب، بل أيضاً التزامات استراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة نفسها".
وهذا ما نريد التأكيد عليه بأن الولايات المتحدة الراعي الرسمي لإسرائيل في المنطقة حيث تدعم قدراتها العسكرية الهجومية الدفاعية حيث أكد إعلان القدس التأكيد على تنفيذ بنود مذكرة تفاهم لدعم إسرائيل بما يعادل 38 مليار دولار، ووعود بزيادة هذا الدعم في المستقبل، كما أكدت الوثيقة على زيادة تمويل الدفاع الصاروخي لإسرائيل بمليار دولار.
لذلك نستنتج أن زيارة بايدن لإسرائيل ومن بعدها لدول الخليج أتت للتأكيد بأن الولايات المتحدة الامريكية ما زالت متواجدة بالمنطقة وداعم رئيسي لإسرائيل وأنها ستقوم بدور الوسيط في إتمام إدخال إسرائيل ضمن التحالف الإقليمي الجديد "الناتو العربي".
إسرائيل وكيلاً رسمياً للولايات المتحدة في الشرق الاوسط
لقد تغيرت الحقائق الإقليمية وكذلك الموقف من إسرائيل حيث يسعى السعوديون إلى ضم إسرائيل إلى التحالف المناهض لإيران، حيث تمتلك القدرات والتقنيات العسكرية اللازمة، خاصة في مجال الأمن السيبراني والدفاع الصاروخي والطائرات بدون طيار القتالية، لذلك قد يُعرض على إسرائيل التطبيع الكامل للعلاقات مع الدول العربية حتى قبل تسوية القضية الفلسطينية.
ولذلك فمن المتوقع أن يسمح أعضاء الحلف "الناتو العربي" لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي وموانئها وأراضيها لنشر الرادارات ومحطات الاستخبارات الإلكترونية وغيرها من القدرات العسكرية التي تساهم في الاندماج بين إسرائيل والدول العربية المنضمة لهذا الحلف الجديد.
فينص إعلان القدس على أنه "تتمتع الولايات المتحدة وإسرائيل بتعاون ثنائي في العلوم والتكنولوجيا، وتبادل المعلومات الاستخبارية والتدريبات العسكرية المشتركة وذلك لاستكمال التعاون العلمي والتكنولوجي القائم بين بلديهما، وللارتقاء بتعاونهما إلى مستوى جديد، أطلق القادة حواراً استراتيجياً جديداً رفيع المستوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول التكنولوجيا لتشكيل شراكة تكنولوجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مجالات عملية مثل التقنيات الناشئة، والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة"، وهذا يؤكد أن إعلان الشراكة التكنولوجية بأن الولايات المتحدة تريد أن تكون إسرائيل الرائد الفعلي لهذه المجالات في المنطقة أو بمعنى آخر تريد أن تنصبها لتكون الراعي الرسمي لتزويد دول المنطقة بالتكنولوجيا الحديثة.
وما يؤكد توقعنا بأن الاستراتيجية الجديدة لأمريكا بتنصيب إسرائيل وكيلاً رسمياً للعديد من المجالات التي تحتاجها الدول العربية من التكنولوجيا الحديثة التي تمتلكها الولايات المتحدة، أن احتفت وسائل الإعلام العبرية باستعانة المملكة العربية السعودية بخدمات شركة إسرائيلية من أجل تحديد ملامح رؤية الرياض 2030، حيث نقل موقع "i24" الإسرائيلي عن مؤسس شركة "إنتفيو للتكنولوجيا" في "إسرائيل" شموئيل بار والذي عمل في جهاز المخابرات الإسرائيلية لمدة تزيد على 30 عاما، وخرج من الخدمة في 2003، تأكيده على أن "السعودية استعانت بخدمات الشركة من أجل مسح بيانات المواطنين السعوديين المتعلقة برؤية المملكة لعام 2030". حيث قامت شركته بفحص بيانات ومعلومات تتعلق بالسماح للمرأة بقيادة المركبات.
وقبيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية والكشف عن "تقارب مرتقب بين المملكة وإسرائيل، لا سيما تطبيع العلاقات بين الجانبين، أشار بار إلى أن "التطبيع التكنولوجي سبق التطبيع الدبلوماسي بين إسرائيل والسعودية"، ومع ذلك من أجل تطبيع العلاقات علانية مع القدس تحتاج الرياض إلى مساعدة من واشنطن، فإن التعاون بين دول الخليج وإسرائيل موجود بالفعل، لكن عند النظر لمكانة المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي لا يمكنها رسمياً تطوير علاقات مع دولة لا تزال في نظر الرأي العام الإقليمي هي المعتدية علي القدس وفلسطين لذلك ستكون هناك تحولات رمزية على الأقل، لذلك من المتوقع أن تنتهي زيارة بايدن إن لم تحرز تقدماً على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، فعلى الأقل سيكون هناك عودة إلى الوضع الذي كان موجوداً قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
فالتفوق التكنولوجي لدى إسرائيل منحها قوة إقليمية قد تحل مكان انسحاب الولايات الأمريكية من المنطقة، فالشركات الإسرائيلية تعمل في دول عربية لا علاقات دبلوماسية لها مع إسرائيل، ولكن باتت تلك الشركات تقدم خدمات في مجال الأمن السيبراني.
"الناتو العربي"
في نهاية مارس 2022، عُقد اجتماع لمدة يومين لوزراء خارجية إسرائيل ومصر والمغرب والبحرين والإمارات في كيبوتس سديه بوكير (صحراء النقب)، بالإضافة إلى ذلك حضر الحدث وزير الخارجية الأمريكي، أصبح الاجتماع الذي أطلق عليه اسم "قمة النقب" في الصحافة أول مؤتمر دولي في تاريخ إسرائيل التي تدعي أنه على أراضيها، يشارك فيه جيران عرب.
وبالإضافة إلى ذلك تم في هذا الاجتماع طرح فكرة الحاجة إلى تشكيل "الناتو الإقليمي" كتلة جديدة من شأنها أن تضمن الاستقرار في الشرق الأوسط مرة أخرى فيها على حد وصفهم، ولقد تفاوتت عدد المواضيع المطروحة للنقاش في قمة النقب بشكل كبير، ومن بين أمور أخرى كان التركيز على تطوير التعاون الاقتصادي والتكنولوجي والطاقة بين إسرائيل والدول العربية التي سبق لها التوقيع على اتفاقية تطبيع العلاقات "اتفاق أبراهام"، فكان الموضوع الرئيسي للقمة هو مشكلة ضمان الأمن الجماعي في المنطقة، وأعرب معظم المشاركين في الاجتماع عن دعمهم لفكرة إنشاء هيكل أمني جديد وأعربوا أيضاً عن استعدادهم لتوسيع التعاون مع إسرائيل.
بشكل عام يتلاءم التحالف الجديد مع إطار مشاريع "التعهد الدفاعي" الأمريكية السابقة، فإذا فسرنا خطاب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين خلال اجتماع في النقب، فإن إدارة جو بايدن تسعى إلى "إعادة التفكير" في تجربة أسلافها الجمهوريين وإحياء التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط، وتسوية التأثير السلبي للانسحاب الأمريكي من المنطقة.
وعلى الرغم أن "العمود الفقري" للتحالف الذي يتم تشكيله لا يزال مكوناً من ممثلين عن الدول العربية، فإن "مركز الثقل" سيكون لدي إسرائيل على الرغم من أن دورها متوازن نوعاً ما مع الإمارات، لكن تأكيد إعلان القدس بالترحيب بمخرجات قمة النقب وبأن القمة الاستباقية، في النقب، ستقوم بدور نشط، من خلال زيارة بايدن للرياض لبناء هيكل إقليمي قوي لتعميق العلاقات بين إسرائيل وجميع شركائها الإقليميين ودفع التكامل الإقليمي لإسرائيل وتوسيع دائرة السلام لتشمل المزيد من الدول العربية والإسلامية.
بما يؤكد أن بايدن سيعي لإقناع السعودية للانضمام لمخرجات قمة النقب التي تدعو لإنشاء "الناتو العربي" بمشاركة إسرائيل، وبالتالي فإن الدعم المقدم من الولايات المتحدة لإسرائيل سيجعلها مركز الثقل الرئيسي في أي مشروع تحالف دفاعي لدول المنطقة.
أمريكا وإسرائيل تتعهدان بمنع إيران من امتلاك "سلاح نووي"
لقد تعهدت الولايات المتحدة وإسرائيل في إعلان القدس بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وجاء في الإعلان المشترك الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية أن "الولايات المتحدة تؤكد أن جزءاً لا يتجزأ من هذا التعهد هو الالتزام بعدم السماح لإيران أبداً بامتلاك سلاح نووي، وأنها مستعدة لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة".
وأضاف البيان أن "الولايات المتحدة تؤكد التزامها بالعمل مع شركاء آخرين لمواجهة عدوان إيران، وأنشطتها سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلاء ومنظمات مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين"، ويُنظر إلى الإعلان على أنه امتداد لخطاب واشنطن المناهض لإيران بينما فشلت في اتخاذ إجراء ضد حليفتها إسرائيل القوة النووية الوحيدة في المنطقة.
إن السياسات الإسرائيلية تجاه إيران تتبنى نهجاً رادعا لتضييق الخناق الاقتصادي حول طهران بصورة أكبر لإجبارها على الخروج من سوق النفط، مع بداية عهد ترامب، ولقد عهد لإسرائيل مهمة احتواء نفوذ إيران لكن إدارة بايدن ترى أن هذه المهمة أصبحت محفوفة بالمخاطر، ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة تبني استراتيجية مختلفة، تهدف لتجنب الصراع من خلال الجمع بين الأمن الإقليمي وتشجيع العلاقات الدبلوماسية القوية بين إيران وجيرانها، وذلك من خلال الضغط بتشكيل تحالف إقليمي جديد يكون عامل ضغط على إيران، والتدخل الأمريكي سيكون حاسما لمنع حرب الظل بين إيران وإسرائيل من الخروج عن السيطرة.
لأن الولايات المتحدة تريد إنشاء حالة استقرار في المنطقة لا تهدد نفوذها في الوقت الذي ترغب فيه في بالتركيز على روسيا والصين، لذلك سيسعى بايدن إلى وضع خطوط حمراء للحكومة الإسرائيلية والإصرار على حدود الهجمات الاستفزازية، ووضع الخطوط العريضة لاستراتيجية استقرار الشرق الأوسط والتي لا تقوم فقط على الاحتواء والمواجهة مع إيران بل رسم إطار دائم لمنع الصراع.
إن الصفقة المقترحة من قبل بايدن على إسرائيل لحصار إيران لن تحقق ما يكفي لإرضاء إسرائيل، ولن توقف أنشطة الحرس الثوري الإيراني ووكلائه في المنطقة، لكن الاتفاق سيفرض قيوداً على برنامج إيران النووي بطريقة تجعل التحرك الإسرائيلي العاجل ضد إيران غير ضروري، لذلك تسعى الإدارة الأمريكية لصناعة حالة من التهدئة في المنطقة من خلال ردع إيران بإنشاء تحالف عسكري جديد يضم دول المنطقة بما فيهم إسرائيل، والتأكيد على تصدى الولايات المتحدة للبرنامج النووي الإيراني، وهذا من شأنه أن يقلل من احتمالية الأعمال الانتقامية الإيرانية في المنطقة، بما في ذلك ضد الناقلات والمنشآت النفطية التي يمكن أن تزعج أسواق الطاقة العالمية.
وهنا يأتي السؤال فهل يتشارك جميع المشاركين في قمة الرياض مصالح بعضهم البعض؟ وهل تأسس النظام الأمني الذي بدأ بناؤه في قمة النقب على أرضية مستقرة، ويمكن إتمامه؟ هذا ما سنجيب عليه في مقالنا القادم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.