نحو اكتئاب الحمل من دون أن تدري!
كثيراً ما انتظرتِ هذا الخبر وصبرتِ طويلاً حتى وصلتِ إلى هذا اليوم أخيراً وأصبحتِ حاملاً في صغيركِ الأول، وهنا كانت الصدمة (ما زلتُ صغيرة على هذه المسؤولية)، عقلكِ يتحدث، أما عن قلبكِ فهو يخاف ألا تحبي ذلك الصغير بما يكفي ومن حولكِ يخبرونكِ أنه الويل كل الويل في أيامك القادمة، وآخرون يقللون من مشاعرك، فالكل فعلها، وهم بالأخص كانوا خارقين، وكأنهم منزهون عن البشرية، والقليل من يخبرك الحقيقة ويوجهكِ إلى الطريق الصحيح.
فأصبحت لديكِ أعراض اكتئاب الحمل، ورغم كل هذا لا تعرفين ماذا تواجهين وماذا ستفعلين؛ تحملين الكثير ولا تعرفين كيف تتخلصين من كل تلك المشاعر سوى بالبكاء. وتشير الأبحاث إلى أن ٧% من النساء تصاب باكتئاب الحمل، وقد تكون المُعَدَّلات أعلى في البلدان منخفضة ومُتوسِّطة الدخل، ويعني هذا أن هناك من يعيش فترة الحمل في سعادة واستقرار؛ لذلك سأحاول عبر هذا المقال دعمك لتخطي هذه المرحلة بسلام.
أولاً نتعرف على الاكتئاب، هو الاضطراب المِزاجي الذي يُسبِّب الشعور المُتواصِل بالحزن وفقدان الاهتمام، أكثر اضطراب مزاجي شائع بين العامة. تُصيب هذه الحالة النساء بنسبة الضِّعف عن الرجال، ويصل الظهور الأَوَّلي للاكتئاب إلى ذروته خلال السنوات الإنجابية للمرأة.
ونحن كنساء، لا نستطيع التفريق بين أعراض الحمل والاكتئاب، وهذا لأنهما يتشابهان كثيراً كاضطرابات النوم وفقدان الشهية ومستوى النشاط والرغبة الجنسية؛ لذلك لا نعطي اهتماماً لاكتئاب الحمل ولا نسعى لعلاجه فننتقل به إلى مرحلة أخرى وهي اكتئاب ما بعد الولادة.
ما هي أعراض اكتئاب الحمل؟
تتشابه مؤشرات الاكتئاب وأعراضه خلال الحمل مع تلك التي تحدث في حالة الاكتئاب لدى عامة الناس. ولكن هناك دلائل إضافية قد تشير إلى الاكتئاب خلال فترة الحمل، ومنها:
- القلق المفرط بخصوص مولودك.
- تراجع الثقة بالنفس، مثل الشعور بالتقصير كأم، رغم أنك لم تجربي الأمومة بعد.
- عدم القدرة على الإحساس بالمتعة من الأنشطة التي تجدينها ممتعة عادةً.
- سوء الاستجابة للطمأنينة.
- سوء الالتزام بالرعاية خلال الحمل.
- التدخين أو شرب الكحوليات أو تناول الأدوية غير المشروعة.
- سوء التغذية بسبب النظام الغذائي الناقص أو غير الملائم.
- التفكير في الانتحار.
تشير بعض الأبحاث إلى أن نوبات الاكتئاب تحدث بشكل متكرر خلال الثلثين الأول والثالث من الحمل.
أذكر أنه خلال حملي الأول كنت كثيرة النوم، كثيرة البكاء، وحينها لم يخبرني طبيب النساء أنها بداية اكتئاب حمل حتى وصل بي الحال يوم الولادة إلى رهاب من الغرباء وخوف مرضي من الولادة والمشفى والفريق الطبي، وهذا بجانب عدم وعي ذلك الطبيب بالحالة النفسية التي أمر بها؛ مما أصابني بانهيار عصبي قبل دخولي العمليات، ثم انتقلت للمرحلة التالية وهي اكتئاب ما بعد الولادة والخوف من المسؤولية إلى حد التفكير في الهروب بعيداً عن طفلي الصغير، ولكن انتشلتني من تلك الحالة ابنة خالتي التي بدأت في احتوائي وشاركتني تجربتها وبعد ذلك بدأت البحث من جديد عن أسباب انتشار تلك الحالة وطرق علاجها والتغلب على الرهاب من تكرار تلك التجربة وبالفعل.
بدأت بعدها في تغيير كل قناعاتي التي تسببت فيما حدث وبدأت بالأخذ بالأسباب لأغير النتائج وأتلاشى عودة الاكتئاب من جديد. والآن أريدك أن تتذكري دائماً قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لأن الله تعالى ذكر تعبك وقوة تحملك في القرآن الكريم، ومن تلك الآية تجدين مخرجاً حين يستهين البعض بمشقتكِ في الحمل فاجعليها من قناعاتك.
طرق العلاج من اكتئاب الحمل
- الجلسات العلاجية مع الطبيب النفسي.
- الجلسات الجماعية ومشاركة الخبرات مع الآخرين.
- الحرص على أخذ قسط من الراحة والنوم؛ لأن الوهن الذي يصيب الحامل خلال الحمل يسبب تغيرات في المزاج.
- التنزه خارج المنزل في الطبيعة، لأنه يساعد في التخفيف من أعراض التوتر أو الاكتئاب.
- تناول نظام غذائي متوازن يحافظ على مستويات طبيعية من سكر الدم، وبالتالي استقرار الحالة النفسية للحامل.
- الابتعاد عن السكريات والكافيين والأطعمة المصنعة، إضافةً للالتزام بالمكملات الغذائية مثل: الأوميغا 3 الذي يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب أثناء الحمل.
- ممارسة الأنشطة الرياضية، فهي تعزز من مستويات الإندورفين (Endorphin) الذي يُساهم في تحسين الحالة النفسية.
- كرري على نفسك: يكفي أن أكون أماً سعيدةً بمحاولاتها، لا مثالية.
- دللي نفسك كما لو أنك طفلة، واطلبي الدعم من حولك، بشرط أن يكونوا متفهمين الوضع لا يستهينون بمشاعرك.
- قضاء الوقت مع العائلة بدلاً من البقاء وحيدةً، لتحسين الحالة المزاجية.
- ممارسة الهوايات للتحسين من حالتك النفسية والمزاجية.
- إيجاد طريقة مناسبة لتفريغ الشعور السيئ- كالكتابة والرقص.
- بناء الصلة مع صغيركِ منذ أول يوم تعلمين فيه بحملك.
- تجنب أي تغيرات كبيرة في الحياة بشكل مفاجئ هو أمر ضروري؛ للتحكم في حالة الحامل النفسية.
- مناقشة المشاعر أياً كانت مع الأشخاص المقربين أو مع المعالج تساعد الحامل في تخطي اكتئابها.
كيفية الوقاية من اكتئاب الحمل
١- شاركي مخاوفك وبوحي بها لشخص تعرفين أنه يفهمك ويدعمك. قالت لي زوجة أخي ذات يوم إن الشعور السيئ كلما انقسم صغر حجمه داخلك.
٢- اعتني بنفسك بشكل منتظم، فالعناية الشخصية تحسّن المزاج وتغيّر الشكل، وأيضاً أنت بحاجة إلى وقت فاصل لتستعيدي نشاطك من جديد.
٣- تحدثي مع أمهات مررن بتلك التجربة من قبل، وتعلمي من أخطائهن لتستطيعي القيام بعمل خطة ولادة جيدة مع طبيبك.
٤- انظري إلى طفلك حين يصبح رجلاً أو فتاة، كيف سيكون ظهرك وظلك في شمس تلك الحياة! فكوني مشرقة الفكر.
٥- مارسي هواياتك لتخففي من حدة القلق والتوتر والاكتئاب.
وفي الختام، أنت صاحبة القوة والقدرة على القيام بذاتك من جديد وانتشالها من كل المِحن، خاصة وباء الاكتئاب الخبيث الذي يصيبنا فيزيل متعتنا بفترة مهمة من فترات حياتنا ويفقدنا المتعة بأبنائنا، عافانا الله وإياكم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.