شكَّل عيد الأضحى لسنة 1936 فاجعة كبرى بالنسبة للعديد من سكان الجنوب الشرقي، بعدما تمكنت فرنسا من قنص واحد من أشهر المقاومين بالمنطقة والذي لم يكن سوى البطل الشهيد زايد أوحماد أومخداش الذي أذاق الويلات لضباطها وعملائها الخونة طيلة أربع سنوات.
تذكر الكثير من الروايات أنه وبعد سلسلة من الكمائن والمطاردات وعمليات الكر والفر وتجنيد عشرات المخبرين والجواسيس ورصد مكافآت مالية سخية لمن يأتي برأس المطلوب رقم واحد حينها، تمكنت فرنسا أخيراً من قنص عدوها اللدود زايد أوحماد في منزل أيت أوحسو بدوار تدفالت جماعة تغزوت نيت عطا -إقليم تنغير حالياً- في يوم 5 مارس (وفي روايات أخرى 6 مارس).
بهذا الخصوص يقول زايد أوشنا الباحث في تاريخ المنطقة وكاتب سيناريو فيلم "أدور" الذي تدور أحداثه حول زايد أوحماد، إنه وبعد تبادل إطلاق النار لوقت غير يسير بين زايد أوحماد ورفاقه الثلاثة المتحصنين بمنزل أيت أحسو ببنادقهم التقليدية من جهة والمجندين مع فرنسا من الجهة المقابلة، تمكن أحد المتعاونين معها ويدعى عدي أوطالب من قنص زايد أوحماد الذي كان أول الضحايا بعدما صعد ذلك القناص إلى نخلة عند مدخل البيت الذي كان يأوي المقاتلين الأربعة، ما مكّنه من التسديد نحو زايد بدقة، بينما واصل رفيقه باسو وعلي القتال في الطابق السفلي لحماية أمه وعيشة حدو زوجة موحى وحمو الذي كان ثالث المقاتلين والذي فر رفقة موحى وعلي أخ باسو باتجاه قصر أكديم بعدما ضاق عليهما الخناق قبل أن يتمكن مجندو فرنسا من اللحاق بهما وقتلهما ثم حمل جثتيهما إلى منزل أيت أحسو، حيث ظل باسو وعلي يقاوم دفاعاً عن أمه وعيشة حدو التي كانت راوية الأحداث لزايد أوشنا.
بعد قتال عنيف كانت حصيلته سبعة من عملاء فرنسا برصاص باسو، خر الأخير صريعاً بعدما نجح أحدهم في إصابته بطلقة قاتلة لم تكن لتخطئه، ليكون رابع شهداء ذلك اليوم الرهيب الذي صادف يوم عيد الأضحى لسنة 1936.
بالإطاحة بالأسد الهائج زايد أوحماد الذي ظل لأربع سنوات من 1932 إلى 1936 الشبح المرعب لفرنسا والمتعاونين معها، وذلك بعد سلسلة عمليات نجح خلالها في قتل الكثير من ضباطها وعشرات المجندين لديها، حتى إن إحدى الجرائد الفرنسية الصادرة حينها وهي La vigie Marocaine وصفته بـ"ملك المحاربين"، لم يبقَ لفرنسا سوى محاولة الطمس النهائي لهذا البطل الرمز، فأقدمت على جريمة لا تقل بشاعة عن جناية القتل نفسها وهي إحراق جثة زايد أوحماد ورفاقه الثلاثة تزامناً مع أيام عيد الأضحى حتى لا تتحول قبورهم إلى مزار للسكان وكي لا يشكلوا قدوة ومرجعاً تحتذي به الأجيال التي ستأتي من بعدهم، بل إن الكاتب زايد أوشنا يقول إن السلطات الفرنسية أصدرت حينها قراراً يقضي بمنع اسم زايد خاصة إذا كان الأب أو حتى الجد أحمد، وذلك خشية أن يظهر"زايد أوحماد" جديد!
وتقول الروايات المتداولة إلى اليوم بين سكان تدفالت: "لقد تعمدت فرنسا ترك جثث المقاتلين الأربعة تتحلل وتنبعث منها رائحة كريهة، لترسل رسالة للسكان مفادها؛ هذا جزاء من تسول له نفسه محاربتنا"، وعملاء فرنسا كانوا يواجهون الأهالي عندما يطلبون منهم الإذن بدفن القتلى بالقول: "لن يدفنوا حتى تشموا القليل من رائحة الموت التي أذاقونا طيلة سنوات".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.