بقائمة طلبات غربية.. لماذا يتوجه بايدن إلى السعودية في هذا التوقيت تحديداً وهل تُلبي أمنياته؟

عدد القراءات
666
عربي بوست
تم النشر: 2022/07/10 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/10 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان/ رويترز

خلال منتصف شهر يوليو/تموز الجاري، سيقوم الرئيس الأمريكي جو بايدن بزيارة مهمة في تفاصيلها وأهدافها إلى المملكة العربية السعودية، الزيارة تحمل في جعبتها العديد من الملفات الشائكة والمعقدة، أهمها الحرب في اليمن، الصراع الدولي على أوكرانيا، والأزمة في سوريا، والتدخلات الإيرانية المباشرة في دول الشرق الأوسط، وخاصة العربية منها، وملف الطاقة الذي أصبح الشغل الشاغل في الآونة الأخيرة للقوى الدولية، بعد رفع موسكو البطاقة الحمراء في وجه قادة أوروبا، لتدخلهم المباشر لمصلحة كييف في حرب أوكرانيا، التي مضى عليها حتى الآن  خمسة أشهر.

"بايدن" تجنب زيارة الرياض منذ تسلمه الحقيبة النووية، في 20 يناير/كانون الثاني 2021، ودخوله البيت الأبيض الرئيسَ السادسَ والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ما يبدو كانت زيارته مخططاً لها، بحيث لا يغادر الرياض إلا وجعبته ممتلئة بالتفاهمات والاتفاقات الاستراتيجية،  ويجب أن يكون للزيارة ثمن وفاتورة (بحسب المنطق الأمريكي) كما فعلها سلفه ومعظم الزعماء الأمريكيين في العقود الماضية، واليوم بات مطلوباً من الرياض (أمريكياً) دفع الفاتورة كاملةً والانخراط في المواجهة ولو اقتصادياً، بعد التهاب الصراعات في الشرق الأوسط والقوقاز.

الزعيم الأمريكي كان ينتظر اللحظة المناسبة، فجاء الصراع مع موسكو على أوكرانيا ليفرض وقائع ومعطيات جديدة في الساحة الدولية، حتى يجبر بايدن على التوجه نحو المملكة العربية السعودية، ومحاولة تحريك المياه الراكدة بين واشنطن والرياض، وإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح، لأن الزعيم الأمريكي يعتقد أن بوتين "لا يستحق أقل من الهزيمة" في أوكرانيا، وخلال زيارته إلى الشرق الأوسط سيلتقي أيضاً بالقادة الإسرائيليين، وسيحضر القمة الخليجية العربية المقررة في منتصف هذا الشهر، وبحضور كل من مصر والعراق.

لقاء بين الرئيسين الروسي بوتين والأمريكي بايدن / gettyimages

أهداف الزيارة والاستباق السعودي

بحسب المراقبين للشأن العام فإن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تفقد وزنها ومصداقيتها في الشرق الأوسط شيئاً فشيئاً، بسبب تلاعبها مع إيران بملفات المنطقة الشائكة والمعقدة. ولي العهد محمد بن سلمان استبق زيارة "بايدن" إلى المملكة، فقام بزيارة بروتوكولية إلى أنقرة واللقاء مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، تمهيداً للمواجهة المحتملة مع واشنطن، ولأن الرياض لم تعد تثق بواشنطن حتى تهرول خلفها لمواجهة التمدد الروسي في الشرق الأوسط أو أوكرانيا، دون ضمانات واتفاق مشترك.

السعوديون بحكم خبرتهم طويلة الأمد والتعاطي المتوازن مع السياسة الخارجية الأمريكية يعلمون جيداً أن "بايدن" قادم ليس في جولة سياحية، بل سيطلب منهم بصريح العبارة ودون مناورة زيادةَ ضخ النفط إلى الأسواق العالمية، والتنسيق مع واشنطن لنسف منظمة (أوبك بلس) عن الوجود، التي تكون روسيا جزءاً أساسياً منها، المنظمة التي تنتج أكثر من 10 ملايين برميل يومياً وتصدرها إلى أوروبا ودول شرق آسيا ومن بينها تركيا، وتنتج اليوم حوالي 40% من إجمالي النفط الخام في العالم.

الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي/رويترز

ذلك بالإضافة إلى بحث الأمن السيبراني والغذائي بعد اهتزاز ميزان العرض والطلب على النفط والغاز الروسيين، مع استمرار العقوبات الأمريكية-الأوروبية، وتراجع الكميات المستوردة من الغاز والنفط إلى أوروبا. لهذا السبب باتت واشنطن مهتمة بالتواصل مع الرياض، وبحث مطالبها على محمل الجد، وبلا أدنى شك فالموقف السعودي محرج للغاية، بمعنى أن قبول المطالب الأمريكية يعني أن العواقب قد تكون وخيمة ولا تحمد عقباها.

 ومن هنا فالرياض باتت تعتقد أنها أصبحت بين فكّي الكماشة، وما بين خيارين أحدهما مرّ، فإن وافقت على المطالب الأمريكية فإنها ستدخل في مواجهة مباشرة مع موسكو؛ لأن "بوتين" لا يمكن أن يقبل بعد اليوم بالتلاعب بأسعار النفط والتعدي على مصالحه الاستراتيجية وحقوقه الجيوسياسية- حسب اعتقاده- في العالم، أما إذا رفضت المطالب الأمريكية فلا شك ستقوم الأخيرة بإثارة ملف خاشقجي من جديد، وتحريك ملف حقوق الإنسان والعمل على استبعاد ولي العهد محمد بن سلمان من المشهد السياسي. لهذا السبب جاءت زيارته إلى أنقرة استباقاً لزيارة "بايدن"، ومحاولة منه لإيجاد خطط بديلة ومنافذ أخرى مع العالم الخارجي، في حال وجد نفسه في المأزق والتفكير بأسوأ الاحتمالات.

شروط السعودية

في الضفة الأخرى، لن تقبل الرياض بعد اليوم بالتسلق على السفينة الأمريكية الغارقة في القوقاز إلا ضمن شروط محددة وواضحة، وعلى واشنطن تنفيذها دون تردد.

– قصّ الأجنحة الإيرانية في الشرق الأوسط، وخاصة في اليمن وسوريا، واحتواء طموحاتها النووية، ودعم المعارضة السورية من جديد، وخاصة في درعا.

– تقديم ضمانات خطّية بحمايتها من أي هجوم خارجي محتمل، وترسيخ شراكة استراتيجية فيما بينهما.

– تعويضها عن الخسائر التي قد تترتب عليها في حال دخلت في أية مواجهة مع طهران، أو تعرضت للضغوطات الروسية، لأن الدخول في معركة شدّ الحبال مع موسكو ليس بالأمر السهل، وستكون نتائجها وعواقبها وخيمة على المنطقة برمتها، وعلى المملكة العربية السعودية بشكل خاص.

وبناءً على كل ما ذكر، فالاحتمال الأرجح أن ترضخ واشنطن لشروط الرياض من الألف إلى الياء، كما رضخت لشروط أنقرة في قمة الناتو في مدريد ببيع حليفتها قوات سوريا الديمقراطية بأرخص الأسعار، ولأن واشنطن تعتقد اليوم أن أي انتصار لـ"بوتين" في أوكرانيا يعني فقدان السيطرة على قيادة العالم، وتحقيق حلمه بتحويل قيادة الكرة الأرضية إلى تعدد الأقطاب، ومعركة أوكرانيا هي معركة وجودية بالنسبة له، وخاصة "التنين" الصيني، الذي ينتظر هو الآخر الفرصة المناسبة لقرع أبواب تايوان، وبانتظار حسم نتائج المعركة لصالح موسكو، وهذا ما لا يقبل به الناتو حتى لو أدى ذلك إلى قيام حرب عالمية ثالثة. لهذا السبب باتت واشنطن اليوم بحاجة إلى جهود ودعم الجميع لها دون استثناء.

خلاصة القول

القمة الأمريكية الخليجية العربية المرتقبة في منتصف هذا الشهر هي جزء من حشد دولي إقليمي تقوم به واشنطن، للدخول مع موسكو في حرب طويلة الأمد داخل أوكرانيا، هذه الحرب يحتاج فيها اللاعبون إلى اقتصاد قوي وشراكة استراتيجية رغم تشعبها، وهذا ما يريد "بايدن" الوصول إليه في نهاية المطاف.

الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال سقوطه على من على سلم الطائرة الرئاسية/رويترز

بالمحصلة، المملكة العربية السعودية أخطأت ربما في حساباتها الخارجية، وخاصة في سوريا والعراق، حين اعتقدت في بداية الأمر أن نجاح ثورات الربيع العربي وتمددها ستشملها أيضاً في نهاية المطاف.

وبناءً على مخاوفها واعتقادها الخاطئ تركت العراق فريسة بين مخالب الحرس الثوري الإيراني كما حدث بسوريا ولبنان، الذي استغل الفراغ السياسي في هذه الدول وسيطر على قرار أربع عواصم عربية، وكل ذلك كان على حساب تقليص النفوذ السعودي وتوازنه السياسي.

بدورها باتت طهران اليوم تقرع أبوابها عن قرب، من خلال جبهة اليمن، وبالتالي وجدت عاصمة القرار العربي نفسها اليوم ضعيفة، وأمام تحديات جديدة، وبالتالي مضطرة للتعاون والدخول في تحالف استراتيجي مع الدوحة وأنقرة، وحتى تل أبيب، وإعادة ترتيب أوراقها من جديد لمواجهة التغلغل الإيراني، مستغلةً التطورات الجيوبوليتيكية، التي عصفت بالمنطقة، وغيّرت الكثير من  قواعد اللعبة فيها، ولأن السكوت والتزام الصمت حيال اللوحة السياسية القاتمة والمتشابكة في الشرق الأوسط لم يعد يحتمل ترك المزيد من الثغرات لصالح التمدد الإيراني في المنطقة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي تمي
كاتب وسياسي سوري
كاتب وسياسي سوري
تحميل المزيد