قُتل فيها 3 ملوك وسُلخ أحدهم لاستعانته بالبرتغاليين.. معركة وادي المخازن الفاصلة في التاريخ المغربي

عدد القراءات
2,984
عربي بوست
تم النشر: 2022/07/08 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/08 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
معركة وادي المخازن/ مواقع التواصل الاجتماعي

في منتصف القرن الخامس عشر بلغت حروب الاسترداد المسيحي في الأندلس أوج قوتها وعنفوانها بتوحد مملكتي قشتالة وأراغون تحت راية واحدة عام 1469م، كان غايتها تصفية آخر جيوب المسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية أي وهي مملكة غرناطة، وسرعان ما انقضَّت جحافلهم وحاصرت مملكة غرناطة عام 1491م، وظلت غرناطة تقاوم مدة سبعة أشهر دون مغيث حتى سقطت في 2 يناير/كانون الثاني 1492م.

ومع سقوط آخر معاقل المسلمين في الأندلس طمع الإسبان والبرتغاليون في الاستيلاء على المدن المغربية التي بدأت تتهاوى تحت ضرباتهم واحدة تلو الأخرى، وحين عجز بنو وطاس سلاطين المغرب عن رد العدوان الإسباني ورد البرتغاليين عن سواحل المغرب، بدأ الشعب المغربي بشيوخه وقبائله يبحثون عن شخصية مغربية يمكنها إنقاذ المغرب من واقعه المرير، فوقع اختيارهم على (الشيخ الشريف محمد بن عبد الرحمن الحسني) الذي قاد هو وولده (أحمد الأعرج) حرب استرداد أخرى في المغرب.

فاستطاع السلطان أحمد الأعرج الذي يعتبر مؤسس الدولة السعدية في المغرب رد عدوان الإسبان والبرتغال، ومن ثم انقلب هو ومن جاء بعده ضد دولة بني وطاس بهدف القضاء عليها، فتمكن خليفته السلطان محمد الشيخ في عام 1545 من الاستيلاء على فاس والقضاء نهائياً على دولة الوطاسين.

ورغم أن السعديين أصبحوا سلاطين المغرب بلا منازع فإنهم في عهد سلطان عبد الله الغالب السعدي شعروا بخوف على دولته الفتية من التواجد العثماني على طول حدودهم الشرقية في الجزائر، وبهدف ردع العثمانيين وإحداث نوع من التوازن، أقام سلطان عبد الله الغالب السعدي علاقات ودية ودفاعية مع كل من الإسبان والبرتغال والإنجليز.

هذا الفعل أغضب إخوته وعلى رأسهم عبد الملك (الغازي) وأحمد المنصور (الذهبي)، فلجأوا إلى العثمانيين في الجزائر وتونس طالبين منهم المساعدة لخلع أخيهم لتعاونه مع الإسبان والبرتغاليين أعداء الأمس، إلا أن عبد الله الغالب سبق العثمانيين فاستولى على مدينة تلمسان العثمانية، فباغته العثمانيون واستطاعوا استعادة تلمسان، حتى تمكّنوا من السيطرة على فاس عاصمة السعديين في يناير/كانون الثاني 1554م، إلا أن عبد الله الغالب السعدي تمكّن من ردهم خارج حدود دولته.

وعندما تولى ولده المتوكل (المسلوخ) عرش الدولة السعدية عام 1574م سار على خطى والده، فاتخذ استراتيجية تقوم على التقرب من الإسبان والبرتغال والإنجليز ومسالمتهم بهدف صد خطر العثمانيين وعميه عبد الملك (الغازي) وأحمد المنصور (الذهبي) الطامعين في عرش والده، فعقد المتوكل (المسلوخ) اتفاقيات تجارية مفتوحة مع الإنجليز، ووقع معاهدة دفاع مشترك مع الإسبان والبرتغاليين، فزاد ذلك من نفوذهم وتدخلهم في شؤون المغرب.

وأمام هذا الواقع الجديد تقدمت قوة عسكرية مغربية من الجزائر نحو المغرب، قدرت بـ5 آلاف مقاتل بقيادة عبد الملك (الغازي) وبمؤازرة من والي الجزائر العثماني، وانضمت لهم مجموعات كبيرة من القبائل المغربية المؤيدة، فلما اقتربت القوة العسكرية من مدينة فاس انضم لها رئيس جند الأندلسيين في جيش المتوكل (المسلوخ)، حينها أدرك المتوكل (المسلوخ) أنه مهزوم لا محالة، لذلك فر من فاس فلاحقته قوات عبد الملك (الغازي) حتى وصل لمدينة طنجة فتحصن بها، ثم سرعان ما دانت مراكش لعبد الملك (الغازي).

وبعد سقوط عرشه بهذه الطريقة المخزية سارع المتوكل (المسلوخ) لطلب المؤازرة لاستعادة عرشه من ملوك إسبانيا والبرتغال، فاشترط عليه ملك البرتغال الشاب (سبستيان الأول)، أن يتنازل له عن مدن الساحل المغربي فوافق، ودلالة على حسن نيته سلم المتوكل (المسلوخ) مدينة أصيلا للبرتغاليين حتى يتخذوها قاعدة انطلاق لمعركته القادمة.

وبتسليم أصيلا ظهر المتوكل (المسلوخ) أمام العلماء والعامة في المغرب خائناً لوطنه ودينه، وأرسل إليه علماء المغرب رسالة شديدة اللهجة، يتهمونه فيها بالخيانة والكفر لتحالفه مع أعداء الأمة المغربية والإسلامية، جاء فيها: (اتّفقتَ معهم (البرتغاليين) على دخول أصيلا، وأعطيتهم بلاد الإسلام، فيا لله ويا لرسوله هذه المصيبة التي أحدثتَها، وعلى المسلمين فتقتها، ولكن الله تعالى لك ولهم بالمرصاد، ثم لم تتمالك أن ألقيتَ نفسك إليهم، ورضيت بجوارهم، وموالاتهم… وأما قولك في النصارى (البرتغاليين) أنك رجعتَ إلى أهل العدوة واستنكفتَ أن تُسمّيهم بالنصارى ففيه المقت الذي لا يخفى).

في 24 يونيو/حزيران عام 1578م أبحر الملك البرتغالي (سبستيان الأول) من ميناء لشبونة باتجاه المغرب بقوة عسكرية ضخمة رست في ميناء أصيلا، وسرعان ما حشد عبد الملك (الغازي) هو وأخوه أحمد المنصور (الذهبي) الحشود المغربية وقابلوه في معركة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة في 4 أغسطس/آب عام 1578م التي تعتبر من أعظم وأشرس وأهم المعارك أثناء حكم السلالة السعدية.

ومع بداية المعركة أصيب عبد الملك (الغازي) بوعكة صحية أدت لوفاته، إلا أن حاجبه وأخاه أحمد المنصور (الذهبي) كتما خبر وفاته، وبدأت المعركة بهجوم الجيش المغربي بقيادة أحمد المنصور (الذهبي) على مؤخرة الجيش البرتغالي، ثم طُوّق الجيش البرتغالي بكتيبتي فرسان مغربية، مما دفع الجيش البرتغالي للتراجع للوراء ففوجئوا بأن قنطرة (جسر) النهر وادي المخازن قد هدمها المغاربة، وهكذا بدأ الجنود البرتغاليون يرمون أنفسهم في النهر، مما أحدث حالة فوضى عارمة في صفوف الجيش البرتغالي أدت إلى هزيمتهم ومقتل ملكهم الشاب المتغطرس سبستيان الأول.

أما عن مصير المتوكل (المسلوخ) فقد حاول الفرار من أرض المعركة فوقع غريقاً في نهر وادي المخازن، ووجدت جثته طافية على الماء، فسُلخ جلده وملئ تبناً وطيف به في أرجاء المغرب انتقاماً منه، لذلك سمي المتوكل بـ(المسلوخ)، أما عن سبب تسمية المعركة بمعركة الملوك الثلاثة فذلك لمقتل ثلاثة ملوك فيها هم سبستيان الأول وعبد الملك (الغازي) والمتوكل (المسلوخ).

وبعد معركة وادي المخازن بويع أحمد المنصور (الذهبي) سلطاناً للدولة السعدية في المغرب، حيث يعتبر عهده أزهى عهود السلالة السعدية في المغرب قاطبة، فقد شهدت الدولة السعدية في عهده اتساعاً ملحوظاً ومكانة مرهوبة الجانب من قبل دول الجوار، وامتلأت خزائن دولته بالذهب والمجوهرات، دلالة على حالة الرخاء والاستقرار في عهده، لذلك لُقب بالذهبي نسبة لهذا الثراء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هيثم الجرو
كاتب فلسطيني حاصل على ماجستير في التاريخ
كاتب فلسطيني حاصل على ماجستير في التاريخ
تحميل المزيد