يجلس الرجل الذي أصبح أباً أمام طفليه، لديه طفلة لم يرَ شيئاً بمثل جمالها قط، ولديه كذلك طفل يستعد كي يصبح رجلاً مسؤولاً في المستقبل كما هو ديدن الرجال، يجلس الأب على أريكته متأملاً طفليه، ينظر لهما بعيني الحيرة حيناً وعيني الخوف حيناً آخر، ثم يغرق في أفكاره والتي تثير فيه أسوأ مخاوفه، ليسأل نفسه في النهاية:
"في عالم لا وجود للحقيقة الموضوعية فيه، في حضارة يمكن فيها للطفل الذي لم يبلغ العاشرة بعد، أن يدّعي كونه فتاة، ويمكن للطفلة التي لم تبلغ الثامنة أن تدّعي كونها ولداً، في هذا العالم الغريب لا يتم التعامل مع ادّعاء الطفلين على أنه مجرد جنوح نحو الخيال كعادة الأطفال، بل تتم معاملة ادّعائهم على أنه حقيقة، ويتبع ذلك الكثير من التعقيدات الطبية والواقعية والحياتية والنفسية، في هذا العالم.. ما الذي تعنيه كلمة امرأة؟".
قد يبدو سؤاله بديهياً، فالعقل والمنطق وكذلك العلم يقولون جميعاً بأن المرأة هي أنثى بالغة، ولكن في عالمنا الواقعي، الذي يهرب من الحقائق الموضوعية ويقوم بتحويل كل شيء لهلام من الحقائق النسبية، لا نجد معنى لكلمة امرأة، فقد أصبحت أشبه بكلمة مبهمة، تقوض داخلها شيئاً لم يره البشر منذ قديم الأزل، كأنها أسطورة تداعب خيالنا ولا نعرف لها وصفاً أو معنى.
من هو ذلك الأب؟
في فيلمه الوثائقي "What is a woman" يلعب ماثيو والش المعلّق السياسي المحافظ الأمريكي دور الأب، الذي يقوم برحلة خطيرة عبر الولايات الأمريكية وإفريقيا ليبحث عن معنى لكلمة المرأة، فهو يرى أن الأيديولوجية اليسارية وأفكارها، والعلوم الجندرية الوهمية، والأفكار النسوية، وأيديولوجيات الأقليات، والتي تدعي جميعها حمايتها وحفاظها لمفهوم المرأة، هي نفسها من خانت هذا المفهوم، بأن فرغته من معناه، فلم تعد للكلمة معنى، وأصبح الآن بمقدور أي شخص أن يكون امرأة بغض النظر عن نوعه البيولوجي وتشخيصه النفسي، فقط يكفي أن يصّرح بذلك حتى يلقى معاملة المرأة، ويشاركهم في أماكنهم الخصوصية، ويزاحمهم في مسابقاتهم الرياضية، بل يشاركهم نفس دورات المياه حتى، مدمرين بذلك كل ما تحمله كلمة امرأة من وزن ومناهضين بذلك حقوق المرأة ذاتها التي يدّعون دفاعهم عنها.
عن فيلم what is a woman
في رحلة سعيه بحثاً عن معنى كلمة امرأة، يجالس ماثيو العديد من الشخصيات، طبيبة أطفال تقوم بإجراء عمليات تحويل جنسي للأطفال قبل البلوغ، معالجة نفسية وداعمة للمتحولين جنسياً، متحول جنسي معارض لعمليات التحول الجنسي، جراح متخصص في عمليات التحول الجنسي، والطبيب النفسي جوردان بيترسون، وأخيراً قبيلة الماساي في كينيا التي حاور أفرادها حول دور كل من المرأة والرجل ومفهومهم عن الشذوذ والتحول الجنسي.
وخلال حواره وحديثه مع كل فرد في فيلمه الذي يستمر لمدة ساعة ونصف تقريباً، يتعمق ماثيو في تلك الأفكار، ويناقش كيفية تأثيرها على الجيل الحالي من الأطفال، حيث تقوم بغسل أدمغتهم وإقناعهم بتقبل الخلل النفسي وبالتالي جعله يمتد جراحياً على الجسد الفسيولوجي متسبباً بتعقيدات مرضية ونفسية لا توصف، تتسبب في النهاية برفع معدل حالات الانتحار والإصابة بالسرطان بين المتحولين جنسياً.
ولا يقف الأمر بالطبع عند هذا الحد، فالكابوس يمتد لأعمق السراديب الفكرية داخل الوعي البشري، حيث يكشف لنا ماثيو في فيلمه عن الكيفية التي يلغي بها هؤلاء الأفراد المؤمنون بتلك الأفكار المغايرة للفطرة البشرية عقولهم، وكيف يدمرون مبدأ الحقيقة الموضوعية، فيجعلون الحقيقة المجردة والواقع المحسوس المرئيّ والمادي، وكذلك العلم المجرد، لا وجود لها.
وبالتالي يغرق العالم والواقع في أتون من الخلل العقلي والبلاهة غير القابلة للوصف، حتى يصل الأمر لدرجة مأساوية، حيث إذا قرر طفل في صباح يوم مدرسي أنه ليس إنساناً بل قطة، على كل محيطه من أهل ومدرسين وبشر أن يعاملوه كقطة، وإلا سيتعرضون لعقوبة قانونية تدمر حياتهم.
فيعرض لنا الفيلم في النهاية وخلال حواراته مع العديد من الشخصيات أن هناك بالفعل أطفالاً يذهبون للمدارس ويدّعون كونهم حيوانات ويصدرون أصواتاً غريبة في فصولهم، وبالتالي يتم إجبار معلميهم وزملائهم على التعامل معهم قهراً على أنهم حيوانات وإلا سيتعرضون للعقاب!
إنتاج الفيلم
على حسب تصريحات والش، فقد قرر إنتاج الفيلم لأنه ظن أن لا أحد يستطيع الإجابة على سؤاله رغم بداهته، وعلى حسب تصريحاته:
"خلال الإنتاج، معظم من تحدثنا معهم إما لم يريدوا التحدث حول ذلك السؤال، أو كانوا غارقين في حيرة تامة من أمرهم حول سؤال بسيط وبديهي كسؤال ما هي المرأة والتي تكون إجابته بمثل بداهة أنثى بشرية بالغة".
وهذه الإجابة تمثل لماثيو والش وكذلك لنا وللواقع والعلم الإجابة الصحيحة بنسبة 100%، ولكن بالنسبة للأيديولوجيا اليسارية وأفكار المثلية والعبور الجنسي، تمثل هذه الإجابة لغة كراهية وخطاباً يحض على العنف أشبه بخطابات النازيين.
تأكد ماثيو والش أيضاً خلال عمله على الفيلم بأن الأيديولوجيات النسوية واليسارية والجندرية هشة جداً، بحيث إن سؤالاً بديهياً يستطيع هدم أساساتها بشكل تام، ولكن كل ما علينا فعله هو التمتع بالشجاعة المطلوبة لمواجهة أفكار كهذه لا تسبب سوى الفوضى في الحضارة البشرية.
بالطبع لم يسلم ماثيو من الاضطهاد والمطاردة ومحاولة تكميم الأفواه، ففي فبراير/شباط الماضي، اتهم الناشط والمتحول جنسياً إيلي إلريك ماثيو بأنه أجرى مقابلاته تحت ادعاءات كاذبة وأن معظم الشخصيات المدعوة للمقابلات الخاصة بالفيلم لم تعلم حقيقة ما كان ماثيو ينتجه.
وكانت شبكة The Daily Wire قد عرضت الفيلم على موقعها في الأول من شهر يونيو/حزيران الماضي، أي في بداية فعاليات شهر الفخر الخاص بأيديولوجيات المثلية الجنسية، وبالطبع حقق الفيلم نجاحاً تاريخياً غير مسبوق في تاريخ الشبكة، وعلى حسب تصريحات الشبكة، فقد تعرض موقع عرض الفيلم للعديد من الهجمات السيبرانية في محاولة لإخفاء الحقيقة. والآن وبعد نجاح الفيلم على مستوى عالمي يتعرض ماثيو والش يومياً لآلاف التهديدات بالقتل مما وضعه وعائلته في النهاية تحت حماية الشرطة.
إذاً ما هي المرأة؟
في حوار ماثيو مع جوردان بيترسون، يقرر أن يطرح على جوردان سؤاله المنشود "ما هي المرأة؟"، فيجيب جوردان بيترسون: "عليك أن تتزوج كي تعرف ما هي المرأة".
فيدرك ماثيو أن إجابة سؤاله كانت في منزله طوال الوقت، وأنه حاول البحث عنها بعيداً جداً، لذا يعود ماثيو لمنزله ويقرر أن يسأل زوجته، فتجيب زوجته بكل بساطة وبداهة عقلية: "هي أنثى بشرية بالغة".
في النهاية يجعلنا ماثيو نخوض تجربة من التفكير النقدي حول تلك الأفكار السامة التي تحاول التسلل لحضارتنا وبلادنا ومجتمعنا من الغرب، ثقافة تسعى لتسميم عقول الأجيال القادمة، وحرمانهم من نعمة العقل والحقيقة المجردة، ليقعوا في النهاية في دوامة وفوضى النسبية، مدمرين بذلك كل ما بنته حضارتنا على مر التاريخ.
والآن نجد أن من واجبنا تجاه العالم الذي نعيش به، والحضارة التي نعتز بها، والحقيقة المطلقة التي تمنحنا معنى وهدفاً، مواجهة هذا المد الفوضوي من الأفكار الغربية بأي ثمن حتى لا نفقد ما تبقى لنا من عقل وحقيقة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.