نشهد في مصر حالياً حالة غرائبية؛ حيث تجتاح حملة تعاطف واسعة مع الشاب محمد عادل، قاتل فتاة المنصورة، الذي رأى جريمته العالم العربي أجمع بالصوت والصورة!
للأسف، فإن هذه المشاهد مكررة في المجتمعات البشرية، وليس المجتمع المصري باستثناء، أذكر أنه في مثل هذه الأيام قبل سنة تقريباً كان المجتمع الأمريكي يشهد حالة مماثلة؛ حيث ضجت وسائل الإعلام بقصة الشاب الأمريكي الوسيم، كاميرون هيرين، الذي قتل أماً وابنتها؛ إذ قررت المحكمة أن تحكم عليه بالسجن 24 سنة، فانبرت قطاعات من النساء حول العالم، بما في ذلك عالمنا العربي، يدافعن عن هيرين ويطالبن بإطلاق سراحه؛ لأنه "وسيم"، أو على حد تعبير فتاة عربية: "مو حرام هذا الجمال ينسجن"!
وراح العديد من الفتيات ينشرن صوره على مواقع التواصل الاجتماعي ويتغزلن بجماله علناً، وقرأت أن البعض أعلن استعداده دفع ديته!
في عام 2006، قبل الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي، قام قسم من أقسام شرطة ولاية كاليفورنيا بنشر صورة لواحد من عتاة الإجرام بالولاية ويدعى "جيريمي راي ميكس"، على سبيل التعريف به في الوسط الأمريكي كمجرم خطير، غير أن الصورة جعلت كثيراً من النساء يتعاطفن معه تعاطفاً كبيراً، لا لسبب إلا لأنه "وسيم"، وصار الرجل معروفاً فيما بعد بـ"المجرم الوسيم"، وفي سنوات معدودة حقق الرجل شهرة أوسع بدخوله عالم الأزياء والموضة فتهافتت عليه النساء من كل صوب وحدب!
ومن قبل جيريمي ميكس نال السفاح الأمريكي ثيودور روبرت بندي، الشهير باسم "تيد بندي" شهرة واسعة، بسبب تعاطف النساء والفتيات معه رغم أنه قام بجرائم مروعة؛ إذ لم يكن يكتفي بخطف الضحية واغتصابها وهي حية، بل كان يغتصبها وهي غارقة في دمائها، وبعد أن يفرغ يهشم رأسها بأداة حادة!
وفي محاكمته الشهيرة عام 1975م، وقفت النساء أمام المحكمة يبكين ويطالبن بإطلاق سراحه لأنه وسيم!
ولما عرض مسلسل يحكي قصة تاجر المخدرات الكولومبي الشهير بابلو إسكوبار تعاطف الناس حول العالم مع هذا السفاح الذي قتل آلاف الأنفس بدون جريرة، وقبل عدة سنوات عرضت قناة "بي بي سي" البريطانية مسلسلاً يسمى "السقوط"، وفيه يتم القبض على مجرم خطير قتل النساء وتسبب في رعب كامل لعموم نساء بريطانيا، وأيضاً لما قتل السفاح على يد الشرطة وجد الناس تعاطفاً كبيراً مع السفاح.
الكلمة تصنع في النفس الأعاجيب، وكما كان يقول الكاتب محم أحمد الراشد إن قابلية النفس الإنسانية على التأثر بالمسموع والمنظور، هو اكتشاف اكتشفه الإنسان مع بداية عصر الحضارات، مما جعل أهل التأثير فى محاولات دائبة مستمرة لتجويد كلامهم وتكلف إبداء مناظر ذات مدلول خاص يلتقى مع العقدية التى يروجون لها أو الفكر الذى يشيعونه، فصارت البلاغة آلة من آلات التربية، لقابليتها على إدخال معنى معين فى روع السامع أو القارئ ما كان ليعتقده لو أنه قيل بركاكة.
وكذا صار الشعر من آلات التربية، لمبناه الجمالي الملتقى مع الحاسة الجمالية في النفس الإنسانية.
الأخطر من تأثير الكلمة على النفس الصورة وأخواتها من موسيقى تصويرية وحبكة درامية؛ فملامح المجرم في العمل الدرامي، وذكاء الممثل الذي يقوم بدور المجرم، وقدرته على فعل ما تتمنى نفوس المشاهدين العاجزة عن فعله من هروب ومناورة لأمهر رجال الشرطة وغيرها من الأدوات التي تحول المأساة إلى تسلية تهون من الجريمة في نفوس الناس.
في الواقع، يمتلئ أرشيف علم النفس الجنائي بكثير من هذه الظواهر العجيبة التي يرفضها العقل السوي، وهناك في الحقيقة إجابات مختلفة لهذا السؤال: لماذا يتعاطف الناس مع المجرم؟
هل العلة هي المرض النفسي المتجسد في متلازمة ستوكهولم؟!
أتصور أن المرأة كتلة من العاطفة، ولديها القدرة على التعاطف مع أعتى المجرمين إذا سلط الضوء على جوانب شكلية وإنسانية في شخصية المجرم، كظروف عائلته، وتمحور التفكير حول دافع الجريمة، لاسيما إن كان الحب، ولهذا جعل الله شهادة المرأة نصف الرجل، وقد يصلح لها العمل الذي يتطلب تفاصيل كثيرة، بينما يصعب عليها ممارسة مهنة القضاء!
الثابت والأكيد لدى علماء النفس الجنائيين أن التعاطف يزيد مع المجرم إذا طالت فترة نجاته أو طالت فترة محاكمته، حيث تفقد العقوبة قيمتها ويشجع الآخرين على التقليد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.