إذا كنت ترين أنكِ قد تأخرت في التربية؛ لأنك تصرخين وتضربين، فأنا هنا لأخبرك أنك بخير وما زلت تستطيعين التغيير.. لذلك سأتحدث عن "تعزيز السلوك" مع ذكر بعض المواقف.
أولاً أتعرفين ما هو السلوك؟
نعم، هو رد الفعل الذي يقوم به ابنك تجاه أي موقف، فالطفل أبداً ليس بفاعل، وإنما هو فقط رد فعل لأفعال المجتمع.
لم يولد طفلك بهذا السلوك، سواء كان جيداً أو سيئاً، فهو كما أخبرتك من قبل يفهمك منذ أن كان جنيناً في بطنك، بل وكوّنَ خبراته أيضاً منذ ذلك الوقت، ثم رآكِ تضربين أخاه، أو شاهد معك بعض الأفلام التي تحتوي على مشاهد العنف والسب، فاكتسب وظل يلاحظ ويسجل حتى وصل إلى مرحلة التفريغ والتقليد، فبدأ بضربك أول مرة، لكن لصغر يده وجمال فعلته الفاتنة، رغم خطورتها، ابتسمتِ وقمتِ بنشر تلك الرواية المضحكة إلي كل من يحب وتحبين، ومن هنا بدأ تطور كل السلوكيات الخاطئة وظهورها واحداً تلو الآخر، وبفتنتك بلطفه وبراءته وصغر حجمه وابتسامته تصبحين أسيرة أفعاله تروين الحدث مراراً وتكراراً، فأصبح رد فعلك تعزيزاً للسلوك.
فما هو "تعزيز" السلوك؟
التعزيز، عزيزتي، هو المكافأة على السلوك، سواءً كان جيداً أو سيئاً، وله أنواع وأسرار.
أولاً أنواعه:
1- التعزيز الإيجابي: وهو الضحكة التي أعطيتِها لطفلك عندما قام بضربك، وأيضاً قصك لذلك الموقف للمقربين، ويمكن أن يكون أيضاً توبيخك له حين فعل ذلك.
2- التعزيز السلبي: وهو أن تسلبي تلك الضحكة والقصة، وأن تتجاهلي ذلك السلوك، ولا تبدين أي رد فعل، سواء كان صراخاً أو ضحكاً، أو نظرة غاضبة، ما دام ذلك السلوك مرفوضاً.
ثانياً للتعزيز أشكال عديدة:
١-المعزز المادي: وهو أن تعطية مكافأة ملموسة مقابل سلوكه كلعبة أو حلوى.
٢-المعزز الرمزي: عمل جدول ووضع نجمة مثلاً، على كل مرة، يقوم بعمل السلوك الصحيح فيها.
٣-المعزز الاجتماعي: وهو الحكاية التي قمت بحكايتها عنه للجميع.
٤-المعزز بالنشاط: بأن يختار مكاناً لقضاء العطلة مثلاً.
أما توقيت التعزيز:
1- تعزيز ثابت: وهو مثلاً أن يعرف أن في كل مرة سيقوم بعمل الواجب سيأخذ مكافأة.
2- تعزيز متقطع: وهو أن يقوم بعمل الواجب وهو يعلم أنه قد يكافأ وقد لا يكافأ، أي إن هناك احتمالية للمكافأة.
والأفضل أن يكون التعزيز متقطعاً حتى لا يمل الطفل ويتشبع، ويجب أن يكون تابعاً للسلوك المرغوب مباشرة ليربط الطفل بين الفعل والنتيجة، ويجب أن تكون تلك المكافأة ذات قيمة عند الطفل حتى يسعى للحصول عليها.
والآن سأعطي مثالاً من الأمثلة التي حكتها لي بعض الأمهات أثناء الجلسات لنعرف معاً هل كان التعزيز مناسباً وقتها أم لا، ولو لم يكن، فما هو الأنسب.
الموقف الأول: حكت لي إحدى الأمهات أنها تعاني مع طفلها من أنه يرغب في شراء كل شيء عندما يخرجون إلى السوق، رغم أنهم كان بينهم اتفاق قبل التحرك من المنزل بأن اليوم لا يناسبهم شراء سوى شيء واحد، وحين رفضت الأم أصبح يصرخ كثيراً ويزداد صراخه، فقامت الأم بضربه والصراخ عليه، لكنه لم يكف عن أفعاله.
أولاً: اعلمي عزيزتي أن الأم عززت صراخه وعناده، وإن كان دون قصد منها، أعلم أنك تتساءلين كيف؟ وهي لم تعطه حلوى أو لعبة؟ سأقول لك إنها أعطته الاهتمام والضرب والصراخ، فهذا يعني أنه أخذ تعزيزاً إيجابياً؛ لأنني مسبقاً أخبرتكِ أنه منح وإعطاء، وهنا يظهر معنا أول سر وهو أن التعزيز من الممكن أن يكون شكراً أو ذماً.
ثانياً: فما هو التصرف الصحيح؟ في البداية يجب أن تجلس الأم أمام الطفل في نفس مستواه، وتترك كل ما يشغلها وتعيره كل اهتمامها وتخبره، بعد أن تحتضنه، أنا أعلم أنك حزين، لكننا لم نتفق، والمال معي لا يكفي لكل ما تريد، لكن يمكننا كتابته وشراؤه عندما يصبح لدينا المال الكافي، فإن أصر على موقفه وواصل صراخه، فلا مانع من أن يصرخ قليلاً أو كثيراً دون تلبية حاجته، ودون حتى النظر له، فقط تمسكين يده للحفاظ عليه أو تضعينه في عربة التسوق، وهو سيفكر في ما قلتِ له ويهدأ.
ثالثاً: عندما يتوقف عن البكاء قبِّليه واحتضنيه من جديد وأخبريه أنك تحبينه وفقط.
رابعاً: لا تتحدثي عن سلوكيات طفلك إلا إن كانت جيدة، ففي الموقف السابق سنخبر الجميع أنه سمع الكلام وأجل احتياجه لوقت آخر كما طلبتِ منه دون ذكر تفاصيل سيئة.
الموقف الثاني: حكت لي إحدى الامهات أنها تحب ابنها كثيراً، وأنها ربَّته على أسس وقواعد من ضمنها عدم السب، وكان الضرب بعيداً كل البعد عن تربيتها له، ولكنه بعد دخوله إلى المدرسة أصبح يسبها ويضربها، فأصبح رد الفعل من الأم الضرب لطفلها، وأصبح الضرب أسلوب حياة، لكنه لا يجدي شيئاً.
أولاً: حصل الطفل على تعزيز إيجابي، وهو الضرب بعد كل مرة سب أو ضرب.
ثانياً: الحب عند الطفل لا يعرفه سوى بالاحتضان والقبل والتعبير عن الحب بالكلام، لكن الضرب يُشعره بالرفض والكراهية.
ثالثاً: الأم لا تعير طفلها الاهتمام إلا حين ترى منه الخطأ فتضربه، وهنا أصبح الطفل يطلب اهتمام أمه من حيث لا تدري بهذه الطريقة، لذلك تعزز سلوكه السيئ.
السر الثاني للتعزيز كان هنا، وهو أن الطفل قد يطلب اهتمامك بطريقة خاطئة لأنك عززت خطأه.
وهناك الكثير من المواقف التي لا حصر لها تحدث، لكني أردت ذكر هذا كمثال عملي لتستفيدوا منه.
والآن سأذكر بعض الأسرار والوصايا، مع الاقتداء بالقرآن والسنَّة، وهما خير معزز ومهذِّب.
– تنويع التعزيز والإكثار منه تجاه السلوك الجيد، والتقليل منه أو التجاهل في السلوك السيئ كما جاء في قوله تعالى (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
– بيان رضاكِ عنه والثناء عليه، فعن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قوله للأشج بن القيس "إن فيك خصلتين يحبهما الله؛ الحلم والأناة".
– تشجيع الاستمرار على السلوك الصحيح، وإشعاره بأنكِ تدعمينه كما في قوله تعالى (قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ).
– تعلمي متى تستخدمين المكافأة المادية، ومتى تكون معنوية.
وأخيراً أود إخبارك أن التعزيز فن يحتاج إلى صبر وذكاء ومرونة، فأنا أسميه "فن الاحتيال لصناعة الأجيال"!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.