أحدهم كان جامعاً للقمامة.. لاجئون ومهاجرون أصبحوا أفضل لاعبي العالم!

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/01 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/01 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش

مقدمة لابد منها

ربما قرأت اسماً عربياً أو إفريقياً على قميص منتخب أوروبي، والأمثلة كثيرة، لكنك لم تسأل من قبل: ماذا حدث لكي لا يُمثلوا من هم منهم ومثلهم؟ ولماذا لم يتواجد الاسم العربي على القميص الذي هو أهل له؟

لعل زين الدين زيدان هو أحد أشهر هذه النماذج، الذي وُلد في فرنسا، لأبوين مهاجرين من الجزائر قبل أن تندلع الحرب هناك، ولم تكن فرنسا تُعنى بهم، إلا لأنهم أنجبوا لها ابناً وقف على منصة التتويج في عام 1998 حاملاً كأس العالم بين يديه، واسمه على قميصها.

وآخَر من تركيا هاجرت أسرته، وفي ألمانيا حطت الرحال، هناك وأنجبوا لألمانيا ابناً وقف عام 2014 حاملاً كأس العالم بين يديه هو الآخر؛ وكان هذا الابن هو مسعود أوزيل.

المهاجرون في كرة القدم لا يمكن سردهم في مقال واحد، إبراهيموفيتش، راكيتتش، عدنان يانوزاي، ناني، باتريس إيفرا، روبيرت بيريس وغيرهم.

كيف يتعاملون حقاً؟

لأسباب لا يُحبَّذ ذكرها، يُعامل هؤلاء على أنهم مهاجرون حينما يخسرون، ومواطنون عاديون حينما ينتصرون. لا تندهش، لقد قالها روميلو لوكاكو صريحة، وأكدها مسعود أوزيل، ووثَّقها في كتبه الدكتور خالد بيدون.

روميلو لوكاكو قال إن الإعلام البلجيكي وصحافته تتعامل معه على أنه بلجيكي حينما ينتصر، حينها يكون روميلو البلجيكي الذي يشبههم، ويتعاملون معه على أنه مهاجر حينما يخسر، حينها يكون روميلو الذي من المفترض أن يشبه البلجيكيين.

وأكدها مسعود أوزيل، ولم يختلف حديثه كثيراً عما قاله روميلو لوكاكو، وقال إنهم، في ألمانيا، يتعاملون معه في فترات الانتصار كألماني يُشبه ألمانيا، وفي وقت الهزائم على أنه مهاجر كسول لا يُشبه ألمانيا ولا شعبها.

والدكتور خالد بيدون، وهو مؤلف للعديد من الكتب التي تتحدث عن العنصرية ضد المسلمين في أوروبا، كان قد كتب بعد نهائي مونديال 2018 في روسيا، وعند تتويج المنتخب الفرنسي باللقب: "تهانينا فرنسا، 80% من منتخبكم الذي حقق كأس العالم من أصل إفريقي، رجاءً توقفوا عن الزينيوفوبيا (رهاب الأجانب) و50% منهم مسلمون، إذن توقفوا عن الإسلاموفوبيا (رهاب المسلمين). المسلمون والأفارقة منحوكم نجمتكم الثانية في كأس العالم؛ امنحوهم أيضاً حريتهم".

كانتي أحدهم

هاجرَ السيد كانتي، رفقة السيدة كانتي، من مالي إلى فرنسا، رحلة شاقة، يُحيط بها الفقر، الخوف، كُل شيء، حتى هذا الصغير، يُدعى نجولو، كان جامعاً للقمامة، يقطع عدة كيلومترات من أجل وظيفته، بهيئته البسيطة، ووجهه المُبتسم تلقائياً، وحجمه الضئيل.

نجولو لا تكرهه، أو لا يُمكن أن تكرهه، لأنه لا يعترض، لا يُثير المُشكلات، كُلما اتجهت إليه عدسات الكاميرات كان مُبتسماً، بسيط الهيئة، يُشبه الموظفين، تُخبره بوظيفته، ثُم يُقدم كُل ما يملك من طاقات، لا يتعنت، لا يضجر من الأزمات.

الظُروف وُجدت؛ لكي تجعلك بطلاً، أكثر من أي وقت، يكفي أن تنظر إلى ابتسامته، وتتذكر ما أنجزه في غضون أربع سنوات، على التوالي، ثُم تتذكر ما كان عليه في الصغر، تتأكد كُلياً، أن الحياة بها الكثير، بها الكثير لتسعى من أجله.

بالأمس البعيد، يجمع الصغير نجولو القمامة، وهو أيضاً من يحمل الذهب بين يديه، مُلهماً أحلام العالم بأكمله، الفارق بين هذا وذاك، أن الابتسامة لم تتوقف عند مرحلة مُعينة، أبداً، أبداً.

يمكنك تخطي هذا الجزء

"كان هناك من هو أفضل مني، مهاجم يسجل الأهداف، لم يرغب في الرحيل عن غانا، ثُم أتي دوري، سألني الوكيل من يكون والدي، أراد التحدث معه لكي يخبره بأنه سيأخذني إلى أوروبا، أي فريق أو مدينة؟ لم يُخبرنا بذلك.

سافرت إلى إسبانيا، قبل ستة أو سبعة أشهر من دون أن يعرف أحدهم أنني لم أكن في غانا، والدي كان ذا صدر رحب، لم يُعارضني على الإطلاق في قراراتي، حتى وإن كلفته الكثير، بعد شهر، أرسلوا الأموال لكي أشتري حذاء، كُنت أختار القرارات الصحيحة، لذلك قررت الرحيل عن غانا دون أن أخبر أي شخص بذلك.

وكيل أعمالي أخبرني: توماس! والدك باع بعض الممتلكات الخاصة به في غانا، من أجلك، من أجل أن يشتري لك حذاءً.

حينها لم أصدق، أو لم أكن لأقبل ذلك، والدي ساعدني كثيراً، كان يبيع ممتلكاته فقط من أجل أن يشتري حذاء كرة قدم، منذ أن كُنت لا أمتلك أي حذاء لممارسة كرة القدم، كان يبحث دوماً عن توماس، حتى وإن كنا ثمانية أبناء له، إلا أنه كان يبحث دوماً عن توماس.

ما أفعله، أو ما أحبذه، هو التنافسية، حينما تكون في المستطيل الأخضر، لا تفكر إلا بالفريق، بالجماهير التي تشاهدك، أنا قلق بصدد الإقصاء من أي منافسة، إنه أمر سيئ للغاية، لكن التنافسية هي الأهم، إذا كُنت لا تستطيع؛ حينها لم تعُد هناك نقاط واضحة للتحدث عنها".

كان المتحدث هو توماس بارتي، نجم منتخب غانا وأرسنال الحالي، فإفريقيا لا تقل جمالاً عن أوروبا، لكن ينهشها الفقر، هو العقبة الوحيدة أمام مواهب القارة السمراء، بدورهم يُسافر كشافو المواهب إلى هناك، بضاعة بما لا يقل عن قوت يوم أبسط فُقراء أوروبا، تُشحن إلى أوروبا، وتفتخر بها أوروبا.

توماس هو نموذج حي عن الأفارقة، على امتداد الخط، ليس أفضل ممن سبقوه، صغير أراد أن يُثبت أن إفريقيا لديها ما يكفي لمُقارعة الزحف القوقازي في بلادهم، لذلك لا تغركم أجواء أوروبا، لو أن إفريقيا تمتلك تفاصيل بسيطة منها، لأنجبت أمثال توريه، إيسيان، ميكيل، وغيرهم.

لماذا حكم رجب تشاكا على ولديه بأن ينفصلا؟

لو لم تقم الحروب بدورها، كان على الأقل هناك خمسة لاعبين من سويسرا سيقفون في صفوف المنتخب الألباني في يورو 2016.

لكن الأقدار شاءت بألا يحدث ذلك، بل شاءت أيضاً أن يتواجه الأشقاء، وجهاً لوجه، بألوان ودوافع مختلفة، وإن كانوا من نفس العرق والدم.

فجرانيت وقف مُعادياً شقيقه تولانت، والسبب يعود إلى عام 1986، حينما خرج رجب تشاكا في مظاهرات مناهضة للحكومة في بلجراد؛ مما أدى إلى سجنه في يوغوسلافيا.

رجب، الذي كان عمره 22 عاماً حينها، حُبس في زنزانة، رفقة أربعة رجال آخرين، مسموح لهم فقط بأن يخرجوا منها للهواء الطلق لمدة لا تتجاوز 10 دقائق على مدار اليوم كله.

ولم يكن رجب يمتلك أية وسيلة للتواصل مع إلماظ، وإلماظ هي الفتاة التي كان يواعدها آنذاك، منذ ثلاثة أشهر إذا أردنا سرد القصة بتفاصيلها الكاملة.

انتظرت إلماظ ما يقارب ثلاث سنوات ونصف، حتى خرج لها رجب، خرج لها من زنزانته، ورآها تنتظره على أحر من الجمر.

وبعد حوالي عشرين عاماً، جلست إلماظ في المدرجات الفرنسية عام 2016، مرتدية قميصاً مُقسماً إلى نصفين، نصف ألباني، ونصف سويسري.

النصف الألباني يعود إلى زوجها وابنها الأكبر تولانت، والنصف السويسري يُعبر عن جرانيت، الابن الأصغر.

بجوارها، كان رجب، الرجل الذي، لم يكن يعلم أن احتجاجاته المستمرة، ستقود ابنيه إلى اختيار دولتين لا تتشابهان في أي شيء، ويتقابلان كغريمين، ويُدافعان عن تُراث وبيئات مختلفة.

"إن أسوأ شعور قد يعيشه الإنسان، أن يُفارق، أن يرحل، أن يترك البيت الذي تربى فيه، البيئة التي نشأ بها، الوطن الذي احتضنه وسار في شوارعه، والأشخاص الذين سكنوا قلبه، ثم مضطراً أو راغباً كان؛ فارقهم".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد