سألني صديقي عن معنى التكبير المشروع، وحكمة مشروعية الذكر به والإكثار منه مع بداية شهر ذي الحجة إلى نهاية أيام التشريق فيه ثلاثة عشر يوماً، تكبيراً مطلقاً، في كل ساعات الليل والنهار، وفي كل الأمكنة التي يكون فيها الناس: في مساجدهم وأسواقهم وطرقاتهم ومجالسهم ومنازلهم…، حتى إن بعض الصحابة كانوا يخرجون للناس في أسواقهم فيكبّرون ويكبّر الناس معهم في مشهد مهيب جليل، وليس ذلك للحاج فحسب، وإنما لكل مسلم دخل عليه الشهر حيث كان.
فأخبرته أنّ:
كبر الشيء في أصل الوضع اللغوي يتصل بالأشياء والأجناس المادية، فيقال هذا كبير الحجم وذاك صغيره، وهذا كبير السن وذاك صغيره، بقدر الحيز الذي يأخذه من المكان والزمان؛ ثم جعلوه في المعاني، لكن الله لا يحدّه شيء، ولا يقارَن بشيء ولو تلميحاً، وهو –تعالى- ليس من جنس أي شيء، فإذا قلنا إن الله أكبر، فهذا لا يعني أنه أكبر من كل شيء، بل يعني أنه أكبر من أن يوصَف أو يصنّف، فلا شيء يقارب وصفه، وهذا من أعظم أبواب التمجيد والثناء، وإذا أدام المرء تدبّر التكبير، واستشعر معناه، فإنه يخلق في نفسه معنى التعظيم المطلق لله تعالى.
ولهذا يشعر المكبِّر المتدبِّر بإمداد العظيم الكبير، فتعظم روحه، وكأنها الفولاذ المنيع في ذاته، المترفِّع عن الناس، المتعالي عليهم، بحيث لا يصل إليه شرُّهم لعلوِّ مكانه.
وهو شعور يملأ الفردَ الدائبَ العامل، ويَسري في الجماعة معهم، وتتصل أرواحهم بهذا التكبير، حتى كأنك تراهم أكبر مما كانوا عليه باتحاد أصواتهم وامتلاء شعورهم بالعظمة؛ فالتكبير عبادة فردية، وعبادة جماعية أيضاً، والأعجب في الشعور الجمعيّ أنه يمكن أن يورَّث بعد أن تنصبغ به روح الجيل المتصل بمعنى الكبير.
والشعور الناتج عن التكبير لا يشعر به الجبان ولا المذعور، كما لا يتدفق في نفس الساكن، والذي لا همّ له.
وإذا امتلأتَ بهذا الشعور صَفَتْ نفسك، وتدرّجت إلى سماء الكبير، وتحصّنت به، وانقطعت عن الشعور بأيّ مخلوق تخافه أو تحْذر منه.
وإنما تختص هذه الأيام بهذا التكبير لأنها أيام عظيمة تتجلّى فيها عظمة الله بالبيان الشاهد باستجابة الخلق لندائه في هيئة واحدة على شعائر واحدة في مشاعر محددة، وبذلوا في سبيل ذلك كل ما يستطيعون لتحقيق معنى عبوديتهم لله الكبير المتعال، وتنغمر الدنيا بذكر الله بنغمة واحدة ترجُّ الأسماع والأفئدة.
وإذا كنتَ تحت احتلال أو تحت ظلم وامتهان كرامة واحتجاز روح واعتقال جسد.. فإن التكبير يمنح روحك طاقة هائلة في المقاومة والمدافعة، كما يمنحها غذاءً يديم فيك طاقة الاحتمال والمصابرة، ولهذا تجد الجيوش، التي لا يكون في عقيدتها العسكرية ما يضاد الدين، تجعل التكبير من إرشادات التعبئة عند الالتحام.
وفي العموم، فقد أصبح التكبير أيضاً من شعارات البهجة والفرح بالعيد، وإعلانات قدومه وشهوده، وأصبح للتكبير أنغامه الشعبية المتوارثة، حتى أصبحت أشبه بالأنغام العالمية لكثرة ما تصدح مآذن مساجد الإسلام بها في هذه المواسم.
فاهتِف بكل جوارحك:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.. لا إله إلا الله.
الله أكبر، الله أكبر.. ولله الحمد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.