الغربة، ذلك الشعور الذي يعزلك عن العالم، يخلق لك عالماً خاصاً في نفسك، تشعر بعدم قدرتك على مشاركته مع من حولك، وكذلك تعجز أنت عن مشاركتهم عالمهم.
تمتد بك الغربة وتتأصل في قلبك، تمد جذورها مع جذور هويتك، وتصنع حائطاً طويلاً ممتداً بينك وبين محيطك من البشر، وبصفتك إنساناً عربياً في وطن حطمه الغزاة، قد تدرك جيداً ماهية هذا الشعور.
أحياناً تجد العالم من حولك يتصرف بجنون، وتظن أنك العاقل الوحيد، وأحياناً أخرى تظن أنك أنت المجنون، ولكن غربة النفس تلك هي مجرد جزء من غربة الإنسان ككل، وترافقك تلك الغربة في كل مكان حتى في بلاد المنفى والمهجر.
بل تتضاعف وتتضخم، حتى تتحول لوحش في النهاية يجثم على صدرك، يكاد يمنعك من التنفس، فتصارعه لأجل حياتك، وذلك الصراع لا يدري عنه أحد غيرك.
وهكذا هي الغربة، ولكي نمد أبصارنا وأسماعنا وكذلك أرواحنا مع تلك المعاناة التي تختمر داخل قلب كل إنسان فينا كجزء من كينونته، دعني أحدثك عن عشرة أفلام جسدت تلك المعاناة، فعسى أن تخفف عنا بعض الشعور بالاغتراب والوحدة.
عشرة أفلام جسّدت معاناة الغربة
1 – The Illegal (1977)
لماذا أبدأ بهذا الفيلم؟ للوهلة الأولى هو فيلم يتحدث عن معاناة شاب مكسيكي، ما الذي قد يجعل هذا الفيلم مميزاً بحيث يعلو قمة القائمة كأول فيلم فيها؟
الإجابة هي أنه رغم كونه فيلماً مكسيكياً، إلا أنه يلمس معاناة كل إنسان عربي في هذا الوطن يعاني كي يقوم بدعم عائلته مالياً عبر الهجرة، ولكن وبعدما يظن الإنسان أن تلك الهجرة هي سبيل إنقاذ عائلته، يجدها في النهاية سبيل غرقه.
فالفيلم يسرد لنا قصة روبيرتو، الشاب المكسيكي الذي قرر المخاطرة باقتحام حدود الولايات المتحدة، علّه يعثر على سبيل لدعم عائلته الفقيرة في المكسيك مادياً، لكن هجرة روبيرتو للولايات المتحدة تبدأ كابوساً لا ينتهي، حيث يجد روبيرتو نفسه في ظروف عمل صعبة، في فخ استغلال أصحاب عمله الأمريكيين له في ظروف غير آدمية، وكذلك مطاردة حرس الحدود وسلطات الهجرة له، وهكذا على روبيرتو أن يعاني لإنقاذ عائلته.
2- Amreeka (2009)
بالطبع في قائمة كهذه لا يصح أبداً أن نغفل عن الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي لعام ٢٠٠٩.
يقص علينا الفيلم المعاناة الدرامية التي صاحبت هجرة أم فلسطينية وحيدة مع طفلها للولايات المتحدة هرباً من بطش جنود الاحتلال الصهيوني؛ حيث يجب على الأم والطفل مواجهة الصراع الثقافي والتاريخي بينهما كفلسطينيين هاربين من طغيان الغزاة، وبين رعاة هؤلاء الغزاة أنفسهم.
3- لما شفتك (٢٠١٢)
والآن نأتي بالطبع لأحد أهم الأفلام المرشحة كأفضل فيلم عربي لعام ٢٠١٢، الفيلم الذي كان افتتاحية حفل جوائز الأوسكار الخامس والثمانين، وهو فيلم "لما شفتك" للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر.
يسرد لنا الفيلم قصة غيداء وطفلها طارق ذي الأحد عشر عاماً، واللذين هربا من ظلمة حرب ١٩٦٧ إلى مخيم للاجئين في الأردن؛ حيث عليهما تجربة غربة الوطن الذي تألم منها أجدادهما منذ عام ١٩٤٨.
والآن في خضم هذه الحرب والصراع لأجل الحياة، يترك الطفل طارق الحالم مخيمه في رحلة للبحث عن والده، ليقابل في طريقه مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين، الذين يمرون برحلة تغير حياتهم للأبد.
4- The Citizen (2012)
يسرد الفيلم قصة الشاب العربي إبراهيم، الذي حقق حلمه أخيراً وفاز ببطاقة الجنسية الأمريكية الخضراء، يظن إبراهيم والذي قام بدوره خالد النبوي أن حياته بالتأكيد ستتغير للأفضل.
ولكن كل ذلك ينقلب رأساً على عقب حين يصل إبراهيم للولايات المتحدة في اليوم السابق لهجوم الحادي عشر من سبتمبر، والذي يضعه في مأزق بشأن هويته التي يراها الشعب الأمريكي هوية تهدد بقاءه.
5-Rabbit-Proof Fence (2002)
في هذا الفيلم الصادم، تشهد أعيننا للمرة الأولى على معاناة شعب أستراليا الأصلي، حيث يتم اختطاف ثلاث فتيات من الأستراليين الأصليين كي يتم تعليمهن وتربيتهن خادمات لسيدهن الرجل الأبيض الغربي.
الآن خلال عام ١٩٣١، على الفتيات الثلاث الهرب وخوض رحلة تمتد لألف وخمسمائة ميل كي يعدن إلى وطنهن.
6-Children of men (2006)
إنه العام ٢٠٢٧، عام ليس ببعيد عنا في الواقع، تغير شكل العالم المتحضر كثيراً بعد أزمة اللاجئين، وسقطت البشرية في اليأس التام حين انقطع النسل فجأة كغضب إلهي.
انتشرت الأمراض والأَوبئة المجهولة، وأخذ صراع الشرق والغرب شكله النهائي، والآن في هذا العالم الذي يوشك على الانهيار، يظهر الأمل من جديد حين يتم العثور على امرأة حامل؛ لذا يجب على من يحمل هم البشر أن يحميها بكل ثمن.
يأخذنا الفيلم في رحلة داخل رؤية سوداوية مطابقة للواقع المعاصر ولا تبتعد عنه كثيراً، حيث نرى في رحلة إنقاذ تلك المرأة كيف شكلت الغربة واليأس واقع البشر المستقبلي.
7-The secret of the grain (2007)
في جنوب فرنسا، عامل عربي يخسر عمله في الميناء، فيقرر أن يحقق حلمه بإنشاء مطعم لعائلته، ولكن ذلك الحلم يتصادم مع مصالح البيروقراطيين الفرنسيين في قالب من الدراما الإنسانية التي تسلط الضوء على جوانب الحياة في بلاد المهجر.
8- Amistad (1998)
تحفة ستيفين سبيلبيرج الفنية؛ حيث يقود جوزيف حركة الثورة على متن سفينة للعبيد متجهة إلى كوبا، وبعد نجاح ثورته أخيراً يحاول جوزيف إعادة رجاله إلى وطنهم.
ولكن يسير كل شيء بشكل خاطئ حين يتم أسر السفينة بواسطة البحرية الأمريكية، فصار على الرجال الذين حرروا أنفسهم من جلاديهم الإسبان، إثبات كونهم أحراراً باستخدام محامٍ ليدافع عنهم في محكمة أمريكية.
9-Garm Hava (1973)
أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما الهندية، وكذلك أحد أشهرها في التعامل مع أزمة تقسيم الهند بعد اغتيال غاندي ونشأة باكستان.
حيث على رجل الأعمال المسلم الهندي سليم ميرزا أن يقرر كيف سيكون مصير عائلته، هل يترك أرضه ووطنه ليهاجر لباكستان، أم يحفظ جذوره وأرضه ويُجابِه الصراع الديني المحتدم بين الهند الجديدة وشعبها المسلم.
10-Yasmin (2004)
والآن نختم بالفيلم الذي يتعمّق داخل الصدع في قلب المواطن العربي على أرض غربية، حيث نشاهد قصة ياسمين، الفتاة المستغربة التي نظمت حفل زفافها مع الرجل الذي أحبته. لكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر تغير كل مسارات حياتها حين يتم اعتقال زوجها.
يروي لنا الفيلم كم المعاناة التي قد يتعرض لها مسلم عربي آسيوي في بلاد الغرب، وكيف تؤثر صراعات الهوية والحروب على حياته هناك.
في النهاية، ليست الأعمال السابقة سوى قطرة ضئيلة في الإرث السينمائي الإنساني، والذي يعبر عن كل مشاعره ومعاناته؛ لذا ربما عليك الآن أن تبدأ رحلتك بينها، علّك تجد ما يخفف عنك غربتك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.