اقتحام المهاجرين لسياج مليلية: حادث عفوي، أم مخطط يستهدف العلاقة بين المغرب وإسبانيا؟

عدد القراءات
538
عربي بوست
تم النشر: 2022/06/29 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/29 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
حرس حدود إسباني على معبر مليلة - getty images

ثمة أسئلة عديدة تطرح حول حدث اقتحام أكثر من ألفي مهاجر غير نظامي من دول إفريقية جنوب الصحراء لسياج مليلية المحتلة، وتخطيطهم أيضاً لاقتحام سياج سبتة، لولا إفشال السلطات الأمنية المغربية لهذه المحاولة.

تختلط في هذا الحدث الأبعاد الأمنية بالحقوقية والسياسية والدبلوماسية والاستراتيجية.

أمنياً، يطرح سؤال الكيفية التي تجمَّعَ بها هؤلاء في مدينة الناضور في شمال المغرب (حوالي 2000 مهاجر)، وهل كان ذلك بعلم السلطات الأمنية المغربية، أم أن ذلك تم بغفلة عنها، وكيف نجحوا في عملية الاقتحام هذه، مع أن هذه المنطقة تدخل في بؤرة التركيز الأمني عالي الدرجة؟

حقوقياً، تطرح الطريقة التي تم بها التعامل الإسباني مع هؤلاء أكثر من سؤال حول احترام القوانين الدولية وحقوق الإنسان، لا سيما وأن الكاميرات التقطت صوراً ومقاطع فيديو توثق لحالات التعامل الأمني المفرط، فيما تتضارب الأنباء عن أسباب مصرع حوالي 23 من هؤلاء، وما إذا كان الازدحام هو الذي تسبب في ذلك، أم أن الطريقة العنيفة التي تم بها التعامل مع هؤلاء المهاجرين، تسبب في مقتل عدد منهم؟

سياسياً، يعود للواجهة سؤال العلاقة بين الرباط ومدريد، وما إذا كانت الرباط تستثمر مجدداً ورقة الهجرة السرية، لكي تمارس مزيداً من الضغوط على حكومة مدريد وعبرها على الاتحاد الأوروبي لتحقيق مطالبها بتقوية الدعم للمغرب على جهوده التي يبذلها من أجل تأمين القارة العجوز، كما يطرح سؤال مقابل، يتعلق بما إذا كانت هناك جهة ما، خططت من وراء ستار من أجل تفجير العلاقات المغربية الإسبانية، باستغلال ورقة الهجرة، ودعم مافيات التجارة في البشر من أجل القيام بمثل هذه الاقتحامات التي تحرج المغرب من جهة، وتوسع من مخاوف مدريد وبروكسل من جهة ثانية.

سياسيّاً أيضاً، يطرح التعامل الأمني الخشن مع هؤلاء المهاجرين تحديات جديدة على العلاقة المغربية بدول إفريقيا، لا سيما وأن ممثلي عدد من الدول الإفريقية نددت بهذا التعامل ودعت مجلس الأمن للتحقيق في الحادث.

استراتيجيّاً، يعود الملف الأمني للواجهة، وتستثمر مدريد لأول مرة هذه الأحداث؛ لكي تدعو حلف الناتو إلى التفكير في الحدود الجنوبية للقارة العجوز، بدل ترك هذا الموضوع رهينة الشراكة الإسبانية المغربية أو الشراكة الأوروبية المغربية، التي رغم النتائج الإيجابية التي حققتها على مستوى مكافحة الهجرة السرية، فإنها لم تضمن الأمان الذي تحتاجه مدريد وبروكسل.

ينبغي أن نسجل قبل الاشتباك مع هذه الأسئلة المركبة، أن مدريد، عبرت عن موقفين واضحين مباشرة بعد هذه الأحداث، الأول عبر رئيس وزرائها، بيدرو سانشيز، ثمّن فيه جهود المغرب الأمنية من أجل منع عملية الاقتحام لسياج مليلية، والثاني، صدر عن وزير الخارجية الإسباني، أعاد فيه التأكيد على موقف بلاده تجاه قضية الصحراء، وأنه سيادي يتوافق مع القوانين الدولية، وأن علاقة بلاده مع المغرب استراتيجية لا تقبل المراجعة.

ثمة تفاوت في الموقف المغربي والإسباني، فمدريد سارعت إلى اتهام مافيات دولية للاتجار في البشر، وحملتها مسؤولية هذه الأحداث، بينما اكتفت السلطات المغربية خلال الأيام الأولى، التي أعقبت الحادث، وبشكل متتالٍ، بتقديم معطيات عن الحادث دون تقديم تفسيرات له.

تركيب هذه المواقف، يفيد بوجود قناعة إسبانية أن هذا الاقتحام يختلف تماماً عن عملية اقتحام سياج سبتة الذي نجح فيه حوالي 8000 مهاجر من الوصول إلى سبتة المحتلة، وتسبب في تعميق التوتر بين الرباط ومدريد في صيف 2021.

ما يؤكد ذلك أن السلطات الإسبانية تحدثت عن جنسيات إفريقية تنتمي لدول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولم تتحدث عن وجود مغاربة، وأنها ثمّنت جهود السلطات الأمنية المغربية في التصدي لهذا الاقتحام، وسارعت إلى اتهام جهات أخرى غير السلطات المغربية (مافيات الاتجار في البشر)، بما يعني تأكيد وفاء الرباط بالتزاماتها كشريك لإسبانيا والاتحاد الأوروبي.

الوقائع التي قدمتها السلطات الأمنية بعمالة الناضور، تفيد بوجود عمل منظم، وأن عملية الاقتحام، كما وضحتها الصور ومقاطع الفيديو، تمت في دقائق معدودة، وأن أي قوات أمن، سواء كانت مغربية أو إسبانية، لم تكن قادرة على التصدي له بفعالية، وتمنعه بشكل كلي.

ومع ذلك، فإن أداء السلطات الأمنية المغربية- حتى التقييم الإسباني- بلغ مستويات مهنية عالية، قلّصت من التحديات الأمنية، التي كان يشكلها هذا الاقتحام، فالذين نجحوا في الوصول إلى أراضي مليلية، هم فقط 130 مهاجراً من أصل 2000، حسب إفادات الجانب الإسباني.

السلطات الإسبانية التي وجهت الاتهام لمافيات الاتجار في البشر في إفريقيا جنوب الصحراء، لم تُدلِ بتوضيحات كافية عن مصدر هذه المافيات، وطبيعة ارتباطاتها، وما إذا كانت دول ما تقف وراءها، لأجندة ما تهدف إلى توتير العلاقات المغربية الإسبانية. وإن كانت أعلنت الثلاثاء عن عزمها إجراء تحقيق مشترك إلى جانب المغرب للكشف عن الجهات التي تقف وراء الحادث.

الرباط- ومن خلال خبرتها في التعامل مع مثل هذه الأحداث- شعرت بوجود شيء مختلف، يؤشر على وجود مخطط ترعاه جهات أجنبية، لتفجير علاقتها مع مدريد من جهة، والدول الإفريقية من جهة ثانية؛ ولذلك استبقت الوضع، واتجه وزير خارجيتها السيد ناصر بوريطة إلى عقد اجتماع بمقر الوزارة، دعا له سفراء الدول الإفريقية المعتمدون بالرباط، من أجل تقييم إفادات في الموضوع، وعرض مشاهد مسجلة بتقنية الفيديو عليهم، حتى تستبين صورة الحدث أمامهم.

مخرجات هذا الاجتماع، عبر عنها عميد السلك الدبلوماسي الإفريقي وسفير الكاميرون بالمغرب، محمدو يوسفو؛ إذ أعرب عن تثمين المجموعة الإفريقية لسياسة المغرب حول الهجرة، ولمبادرة تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين (2013)، وندد بعملية الاقتحام، مؤكداً وقوف الدبلوماسيين الأفارقة- كما في الماضي- إلى جانب السلطات المغربية لوضع حد لهذا الوضع.

رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، السيد موسى فقي محمد، أعرب عن استنكاره لـ"المعاملة العنيفة والمهينة للمهاجرين الأفارقة"، وطالب بفتح تحقيق في هذه المأساة.

الأمم المتحدة، عبر ناطقها الرسمي ستيفان دوجاريك، استنكرت أمس الثلاثاء لجوء البلدين للاستعمال المفرط للقوة ضد المهاجرين في مليلية.

المغرب فضل في البداية الابتعاد عن تسييس الملف، بعدم اتهام أي طرف بالمسؤولية عن تدبير هذا الحدث؛ لأنه يدرك أن المقاربة التي يتبناها شريكه الأوروبي، والإسباني، لمواجهة الهجرة غير النظامية هي محدودة الأفق، وأنه طالما أكد لشركائه أن الخيار الأمني لا يحل المشكلة، وأنه لا يمكن بالمطلق التعامل مع المغرب باعتباره دركيّ أوروبا، وبالتالي تحميله مسؤولية أي اقتحام يتم من حدوه إلى الضفة الغربية، وأن المقاربة الأشمل أن يتم النظر إلى الهجرة في جميع أبعادها؛ لأن المشكلة- في التعريف المغربي- تبدأ من دول المصدر، وليس من دول العبور، وأن حلها يوجد في دول الوصول، لا دول المصدر ولا دول العبور، وذلك بالعمل على دعم التنمية في إفريقيا، لتوفير فرص الشغل القادرة على إقناع الراغبين بالهجرة غير النظامية بالاستقرار في بلدانهم، ثم تقديم دعم لدول العبور، ليس فقط لتقوية كفاءتها الأمنية لمواجهة الهجرة السرية، ولكن، حتى تتأهل لتشكل دول إقامة لهؤلاء، توفر لهم شروط الاستقرار.

المغرب بدأ هذه السياسية (سياسة تشجيع إقامة الأفارقة بأراضيه) سنة 2013، لكنه، لم يجد الاستجابة الكافية من شريكه الأوروبي، فكانت النتيجة هي تدفق عدد كبير من المهاجرين الأفارقة على أراضيه، ومزيداً من نشاط مافيات الهجرة والاتجار في البشر في الساحل جنوب الصحراء، وعدم تناسب الإمكانيات الأمنية الموجودة على الحدود مع هذا التحدي.

المؤسف أن مدريد لم تستوعب بشكل جيد دروس هذا الحادث، فبدل أن تتجه إلى تعديل مقاربتها، وإقناع الأوروبيين بضرورة إعادة النظر في سياسة الهجرة، اتجهت إلى مزيد من تضخيم المعامل الأمني في المقاربة، لكن هذه المرة، بدعوة الناتو للتدخل، في دلالة على إعلان عدم قدرتها على تحمل مسؤولية تأمين أوروبا من الحدود الجنوبية.

المغرب مع انكشاف المعطيات المحصلة من التحقيقات، انتقل من العرض الوقائعي للحدث، إلى تقديم تفسير له، فاختار أن يأتي جوابه من مدريد؛ إذ وجهت سفيرة المغرب من هناك ما يشبه الاتهام للجزائر بالضلوع في التخطيط لهذا الحادث بغية خلق بؤرة توتر بين الرباط ومدريد وعرقلة المسار المتميز من العلاقات بين البلدين، واعتبرت أن محاولة عبور السياج الحدودي لمليلية، قد تم التخطيط لها من قبل مهاجمين متمرّسين في مناطق النزاعات، دخلوا الأراضي المغربية من الجزائر، بسبب التراخي المتعمد من هذا البلد في السيطرة على الحدود.

المغرب يدرك أن تداعيات الحدث من الزاويتين الأمنية والسياسية تخدمه، لأنها تؤكد صوابية وجهة نظره، بل تؤكد قوة انتقاداته للسياسة الأوروبية للهجرة، لكن مقتضيات شراكته مع أوروبا، والحاجة لتأمين مسار العلاقات المغربية الإسبانية الآخذة في التطور، أملت القيام بدوره الأمني الذي حظي بتثمين إسباني؛ ولذلك حاول التريث لجمع كافة المعطيات الكافية لوضعها أمام شريكه للتنبيه على وجود مخططات تستهدف علاقتهما. 

الخبرة التي راكمها المغرب في التعامل مع حوادث مماثلة، كما المعطيات التي استقتها الأجهزة الأمنية من المهاجرين الأفارقة، أكدت له وجود عمل منظم، ترعاه جهة أجنبية، حسب رأيي؛ ولذلك اختار التنسيق مع مدريد وتبادل المعلومات معها لإفشال أهداف هذا العمل.

الأبعاد الحقوقية للحادث، وضعت مدريد والرباط في حرج، وطرحت تحديات عن شكل تمثلهما للقانون الدولي وتعاملهما مع المهاجرين، لكن المغرب اختار الجواب عن هذا التحدي، بالتركيز على البُعد الوقائعي للحدث، من خلال توثيقه لمقاطع فيديو كثيفة، حتى تتوفر لديه الحجج التي يمكن من خلالها تأكيد مهنية تدخل قواته الأمنية من جهة، وأن الأمر لا يتعلق بمجرد مهاجرين، بل عمل منظم تقوده عناصر مدربة على استعمال العنف، واجهتها قوات الأمن، وتعرضت لإصابات بليغة بسبب ذلك، كما يمكن من خلالها كشف التحديات التي تواجه العلاقات المغربية والإسبانية والأجندات التي تعمل على إفسادها ومنعها من الوصول إلى مستويات جد متقدمة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد